سعيد الكحل
لم يكن مفاجئا موقف حركة “حماس” و”الجهاد” ومجموع تنظيمات الإسلام السياسي من قرار المغرب استئناف علاقاته مع إسرائيل. فهذه التنظيمات لا تهمها المصالح العليا للدول، وضمنها المغرب الذي واجه حرب استنزاف مفروضة عليه على مدى 45 عاما دون أن يتخلى عن واجب الدعم المادي والسياسي والتعليمي والطبي للفلسطينيين وخاصة بعد حصار غزة؛ وحين أتته الفرصة التاريخية المتمثلة في اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية مقابل إعادة استئناف العلاقات السياسية مع إسرائيل، تنكرت حركتا “حماس” و”الجهاد” لجهود المغرب وتضحياته من أجل دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامته دولته المستقلة.
إذ صرح المتحدث باسم حركة “حماس” ، حازم قاسم، بأن إعلان تطبيع العلاقات بين الاحتلال والمغرب، “خطيئة سياسية” ، فيما استنكر عضو المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، عبر تغريدة على حسابه في موقع تويتر هذا القرار: “نرفض وبشدة توقيع الاتفاق الثلاثي بين المغرب وأمريكا والكيان الصهيوني”. معتبرا إياها “خطوة مستنكرة لا تعبر عن الشعب المغربي الأصيل، ومواقفه المبدئية الداعمة للقضية الفلسطينية”.
أما حركة “الجهاد الإسلامي”، فبلغت بها وقاحتها السياسية إلى حد أنها اعتبرت أن “ما أقدم عليه النظام الحاكم في المغرب هو خيانة لثوابت الإسلام والعروبة وتفريط بالقدس وفلسطين”. بل بلغ بها الجهل بالواقع المغربي حد التحريض ضد الدولة ومؤسساتها: “الشعب المغربي يرفض بشدة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، ولن تكون أرض المملكة المغربية مرتعاً للصهاينة، فالشعب المغربي وقواه السياسية سترفض التطبيع وتتصدى له”.
أكيد لن ترض “حماس” ولا “الجهاد” بعودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل ، ليس حبا في فلسطين وسعيا لتحقيق حلم الفلسطينيين في وطن مستقل ، بل خوفا على نضوب منابع الاسترزاق بالقضية والمتاجرة بآلام الفلسطينيين.
ولن ينس الفلسطينيون ومعهم العالم أرواح عشرات الأمنيين من أبناء فلسطين الذين اغتالتهم كتائب حماس بأمر من قيادتها عقب انقلاب 2007 ، أو مشاهد إلقاء بعضهم من أعلى البنايات الشاهقة كما تفعل داعش. فهذه التنظيمات المرتبطة بإيران وتركيا وقطر وتخدم أجنداتها ، تقوم إستراتيجيتها على إدامة معاناة الفلسطينيين عبر عرقلة كل الجهود الداخلية والعربية والدولية الرامية إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
فالوقائع العديدة تثبت أن “حماس” و”الجهاد” تخدمان الأهداف الإسرائيلية في اغتصاب مزيد من الأراضي الفلسطينية وقتل شبابها. ذلك أن إسرائيل تستثمر صواريخ الكاتيوشا التي تطلقها عناصر “حماس” و”الجهاد” والتي لا تلحق أضرارا مادية أو بشرية بالإسرائيليين ، لتشديد الخناق على الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم لإقامة الجدار العازل وبناء المستوطنات ، كما استغلت من قبل العمليات التفجيرية التي جندت الحركتان أبناء الأسر الفقيرة دون أبناء القادة والرموز لتنفيذها.
ومن جبن قيادات الحركتان أنها لم تتزعم مسيرات العودة ولا عززت صمود الفلسطينيين عند الجدار ، بل ما أن هددت إسرائيل حتى تراجعت وتركت الفلسطينيين في العراء. كان التهديد الإسرائيلي واضحا كما جاء على لسان الدبلوماسي الإسرائيلي أوفير جندلمان عبر صفحته على “تويتر”: “فليكن واضحًا لحماس ولكل من يفكر في المشاركة في مسيرة الفوضى: لا أحد سيجتاز الجدار الفاصل بين قطاع غزة و إسرائيل ، لن نسمح بذلك، الرد الإسرائيلي سيكون قويًا”.
أمام هذا التهديد تراجعت القيادات إياها بمبررات شتى منها ما أعلن عنه عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، في تغريدة له عبر “تويتر” عن اتصال العديد من المسؤولين الغربيين به لحثه على وقف مسيرات العودة. هكذا أجازت حماس لنفسها التراجع عن دعم النضال الفلسطيني بمجرد اتصال من “مسؤولين غربيين”، بينما لم تتفهم موقف المغرب المدافع عن مصالحه العليا والمتمسك ، في ذات الوقت ، بدعم النضال الفلسطيني . فالمغرب ، بقرار استئنافه للعلاقات مع إسرائيل ، سيفسد على المتاجرين بالقضية الفلسطينية تجارتهم وهم الذين احتكروها وراكموا ، من خلال تحويلها إلى أصل تجاري ، ثروات هائلة بطرق عديدة كلها تفتقد إلى الشرعية والأسس الأخلاقية.
فحماس استثمرت في تجنيد المراهقين لتنفيذ العمليات التفجيرية لتحقيق هدفين: وقف مسلسل السلام الذي أطلقته اتفاقيات أوسلو ، ثم الاسترزاق قصد الحصول على الأموال من الدول والمنظمات الإنسانية خصوصا وأن إسرائيل اتخذت قرار هدم منازل الأسر التي نفذ أبناؤها العمليات التفجيرية. وكلما اشتد الخناق على قطاع غزة ، كلما زادت أرباح حماس وعائداتها وتضخمت ثروات قيادتها .
فقد ذكرت تقارير صحفية طرق استغلال حماس للظروف المعيشية الصعبة للفلسطينيين عبر تهريب السلع من مصر وجمع التبرعات.
فحماس تسيطر على عمليات تهريب السلع والبضائع عبر الأنفاق ، مما يمكّنها من التحكم في قطاع غزة وتضخيم ثروات قياداتها من خلال الضرائب الباهضة التي تفرضها على المنتجات الغذائية ومواد البناء والمحروقات ؛وهذه بعض النماذج: الضريبة المفروضة على السيارات المهربة 1000 دولار زائد 25% من قيمتها، علما بأن عدد السيارات المهربة يوميا كان يبلغ ما بين 100 و200 سيارة. وتبلغ ضريبة الإسمنت 20 دولار للطن (40 طن يوميا) . أما ضريبة الأخشاب فتبلغ 32 دولار للطن (500 طن يوميا) ؛ فيما تبلغ الضريبة على الغازوال المهرب من مصر نصف دولار للتر ( 6000 لتر يوميا ) ، و 20 سنتا عن لتر من الغاز (6000 لتر يوميا) . وبقدر ما يطول الحصار تطول معه معاناة الفلسطينيين وتتضخم ثروات قيادة حماس.
أما أبو مرزوق الذي استهجن واستنكر قرار المغرب ، هو واحد من المسترزقين والمتاجرين بآلام الفلسطينيين. فحين كان يشغل منصب رئيس المكتب السياسي لحماس ، أدانته إحدى المحاكم الفدرالية بولاية تكساس الأمريكية بتحويل الأموال بطرق غير شرعية . وقد مكنته عمليات التحويل من أن يصبح صاحب أصول واستثمارات كبيرة تفوق ملياري دولار.
وكذلك هو حال مشعل الذي بات يملك شركة خاصة بالعقارات مقرها الدوحة وأربعة أبراج سكنية ومتجر ضخم يشغل عشرين طابقا ومشاريع أخرى مسجل جميعها بأسماء أبناء عائلته.
أما إسماعيل هنية ، فتكفي نقرة على محركة غوغل لتتدفق المعلومات عن ثرواته وأملاكه . هؤلاء وأمثالهم هم المتاجرون بالقضية الفلسطينية والمناهضون لكل جهود حلها.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13086