زعيم الخيرالله
خاضتْ البَشَرِيَّةُ ومنذُ فجرِ تأريخِها صراعاتٍ دَمَوِيَّةً على السُّلْطَةِ ، وقُدِمَتْ ضحايا ، وارتُكِبتْ مجازرُ ، وشُنَّتْ حروبٌ ، وانتهكت حرمات من اجل وُصُولِ المُغامرينَ المَسكونينَ بهاجس السُّلطَةِ ، وبقي الامرُ طويلاً على هذهِ الشاكِلَةِ …. الى أنْ تَفَتَقَ العقلُ البشريُّ عن ابتكارِ فكرةِ الديمقراطيَّةِ ، التي لَمْ تُنْهِ هذا الصراعَ ، ولكن حَوَلَتْ وُجْهَتَه ، وَغَيَّرتْ مسارَهُ ؛ فبدلاً من أنْ يكونَ صراعاً دَموياً عنيفاً على السلطةِ جعلتهُ صراعاً تداوُلِيّاً سِلْمِيّاً على السلطةِ.
وعند المُفاضَلَةِ بينَ أَنظِمَةِ الحُكمِ البشريّةِ تكونُ الديمقراطيّةُ هي الافضل ؛ لان اضرارَ الشعوبِ من انتهاكاتٍ للحريات ومصادرةٍ للحقوقِ في ظلِ الدكتاتوريات أبشع ، وفي ظلِّ الديمقراطياتِ تحصل الشعوب على مزايا اكثر وخسائرَ أقل.
ولكنَّ هذا النظامَ الديمقراطيَّ رُغم مزاياه الكثيرة ، واهم مزاياه انتزاعُهُ السلطةَ من ايدي المستبدين وجعلها بيد الامة التي هي مصدر السلطات ، هذا النظامُ فيهِ عُيُوبٌ منها : اعتمادُهُ على الكم لاعلى الكيف ؛ فالمعيارُ في تحديدِ الفائزِ في عمليّةِ التداوُلِ السِّلميِّ على السُّلطَةِ هو الكم (النصف+1 )، فالمرشحُ الذي يحصل على 51% من الاصوات يكونُ هو الفائز حتى لو كان اغلبُ هذا العدد من الناس العاديين الذين لايمتلكون تحصيلاً علمياً عالياً ولاخبرات ، والمرشح الخاسر الذي حاز على نسبة 49% من الاصوات حتى لو كان اغلبُ مَنْ مَعَهُ مِن حملة الشهادات العليا والاختصاصات والخبرات؛ لان المعيار كَمِيٌّ لانوعيٌّ .
ويترتبُ على هذا المعيارِ الكَمَّيِّ مبدأُ المساواةِ ، المساواة بين الجميع. جميعُ الناخبينَ على حدٍ سواء الاميين والمتعلمين والخبراء والمختصين وغير المختصين ، والعلماء وغير العلماء . مبدأ المساواة معيارٌ كَمِيٌّ يفقدنا المعايير النوعية كالعدالة والكفاءة (الكفاية) ، والخبرات والعلم والتخصص.
وَيَتَرتبُ على هذهِ المعاييرِ الكَمِيَّةِ ايضاً صعودُ أشخاصٍ مستبدينَ لايؤمنونَ بالديمقراطيةِ وقيمِها وغير مؤهلين لادارة البلد. فهتلر النازي الطاغية جاء الى الحكم بآلِيَّة ديمقراطية ، جاء عبر انتخاباتٍ، وترامب الشَعبوي العنصري غيرُ المؤهل لأن يكونَ رئيساً للولاياتِ المتحدة الامريكية التي اسست لديمقراطيةٍ عريقةٍ . رجلٌ تاجرٌ لايفهم في السياسة شيئاً ، انه يدير السياسةَ والدولةَ بعقليّةِ التاجر .
الديمقراطيّةٌ باعتمادها المعايير الكميّة تكونُ غيرُ قادرةٍ على فلترةِ الاشخاص ، بإمكان الأشخاص الذين لايؤمنونَ بالديمقراطيّةِ وقيمها ، والأشخاص غير المؤهلين ان يصعدوا من خلال معاييرِ الديمقراطيّةِ الكميّة.
اما اعتمادُ المعايير النوعية الكيفية فلاتسمح بعبور المستبدين وغير الاكفاء ، فالمسلمون مثلاً لايمكن ان ينتخبوا يزيد ابن معاوية الذي ارتكب مجزرة عاشوراء ، واستباحَ المدينةَ المُنَوَّرَةَ لجيشهِ ثلاثةَ ايامٍ وضربه الكعبة بالمنجنيق ، ولا ان ينتخبوا الحجاج الذي ارتكب الفظائع والمجازر ، لماذا ؟ وذلكَ ؛ لانَّ المسلمينَ يمتلكونَ معايير نوعية (فلترة ) لاتسمح بمرور الطغاة والمفسدين وغير الاكفاء للصعود الى دَفَةِ الحكمِ حتى لو انتخبهم الناس بنسبة 100% . وهذا العيبُ من اخطرِ عُيُوبِ الديمقراطية .
اذا اردنا ان نطور هذا النظام ، فيجب ان نعتمد المعايير النوعية ، معايير الكيف مع معايير الكم ، وان لانختزل الديمقراطية في الانتخابات وصندوق الاقتراع ؛ لان الانتخابات قد تزور والاصوات قد تشترى وتدفع لها الرشاوى.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=12128