من المتوقع أن تصدر للأستاذ كريدية إبراهيم، الباحث المتخصص في تاريخ آسفي، الطبعة الثالثة من كتابه “زوايا الشرفاء بآسفي وباديتها”، الذي صدرت طبعته الأولى قبل 8 سنوات (غشت 2005).
ويسعى كريدية إبراهيم في “زوايا الشرفاء بآسفي وباديتها” إلى التعريف بست من الزوايا الصوفية: الزاوية التجانية والزاوية الدرقاوية، والزاوية المصلوحية، والزاوية الوزانية، والزاوية الغنيمية، والزاوية الكانونية، وأثرها في محيطها.
الولاية والصلاح في أسفي
ويقول الأستاذ الباحث والمحقق الدكتور محمد الظريف في تقديمه للكتاب: “إنه يقارب ظاهرة طريفة تستحق كل اهتمام، هي ظاهرة الولاية والصلاح في مدينة أسفي، ممثلة في الزوايا الشريفة، التي عرفتها هذه المدينة وأحوازها”.
ويضيف: “أربعة منها داخل المجال الحضري، هي الزاوية التجانية والزاوية الدرقاوية والزاوية المصلوحية والزاوية الوزانية، واثنتان داخل المجال القروي، هي الزاوية الغنيمية والزاوية الكانونية”.
وبحسب الدكتور الظريف فهي “زوايا اشتهرت بشرفها الديني والطيني، وأدت خدمات جلى لهذه الحاضرة ومحيطها، لا تزال أثارها شاهدة عليها”.
ويتابع الظريف إشادته بقيمة الكتاب بقوله: “وهذا ما كشفه الزميل الأستاذ كريدية إبراهيم في ثنايا هذا العمل القيم، الذي عرف فيه برجالات هذه الزوايا وسندها الصوفي وأذكارها وأورادها ومختلف الوظائف التي اضطلعت بها، وما تخرج منها من طلبة ومريدين، وما حوته خزائنها من مؤلفات”.
ويؤكد الدكتور الظريف على أن هذا العمل “يعيد إلى الذاكرة ما كتبه الصبيحي والعبدي الكانوني وغيرهما من المهتمين، من مذكرات حول هذه المؤسسات”.
منهج الأستاذ كريدية إبراهيم
وعن منهج الأستاذ كريدية إبراهيم في هذا المؤلف يقول: “انه يتناول هذه الظاهرة بأسلوب جديد يقوم على استنطاق المصادر التاريخية التي اعتنت بهذه التنظيمات، مثل “صلحاء أسفي وعبدة” للصبيحي و”أسفي ما إليه قديما وحديثا” للفقيه الكانوني، وبعض التقاييد المحلية التي ذكرها المؤلف في ثنايا هذا العمل القيم، والوقوف على ما بقي من أطلال وذكريات، والإنصات إلى ما تتداوله الرواية الشفوية حولها، من أخبار وحكايات، والمقارنة بينها، واستخراج ما تفيده من معلومات، وتوحي به من دلالات”.
وعن بواعث إشتغال بهذا الموضوع يقول الأستاذ كريدية إبراهيم في مقدمته: “ولما كان موضوع الزوايا بآسفي بهذا التميز والبروز من حيث السبق والريادة، ومن حيث العدد وتنوع المشارب الصوفية، فإنه يغري أمثالي من العاشقين لمسقط رأسي، بالغوص فيه واستجلاء بعض من تاريخ زوايا آسفي، وإنني بهذه المحاولة المتواضعة غير المسبوقة، أركب التجربة الثانية، رغم ما يحيط بها من صعوبات ومشاكل، بعد التجربة الأولى التي أنجزتها في نفس الموضوع، بالبحث في الشيخ أبى محمد صالح وزاويته، بإصدار كتاب تحت عنوان “منار آسفي الوهاج: الشيخ أبو محمد صالح”.
ويبحث في هذا الكتاب الجديد في تاريخ مجموعة من زوايا حاضرة آسفي وباديتها، يبلغ عددها ست زوايا، وهي من عصور مختلفة، ومن تلوينات صوفية متنوعة، ويقول عن اختياره لها من بين الزوايا الآسفية: “كانت حيلتي في اختيارها وتجميعها دون سواها من الزوايا الآسفية الأخرى، هو التعلل بقاسم مشترك يربط بينها، وهو أنها من تأسيس شيوخ يصلون نسبهم بالدوحة النبوية الشريفة.
وحرص الأستاذ كريدية إبراهيم على تفصيل الحديث في كل زاوية منها، بكل ما توفر عليه من مادة تاريخية، ويوضح أنه قد عمل على تبسيط استيعاب خصوصيات وفرائد كل منها، لقرائه ولاسيما الشباب منهم، “حتى تزيد ثقتهم بأهمية وغنى تاريخ ربعهم العبدي، بما يدفع بهم إلى البحث بنهم شديد في تراثه التليد والمجيد، وكشف ما وسعته أيديهم من وقائعه وأفضاله ومكرماته”.
تطور أدوار الزوايا
ويقول الكاتب عن نشأة الزوايا في المغرب أنها لم تكن في بداياتها سوى رباطات معزولة للعبادة والجهاد، “وذلك قبل أن تنخرط كليا في المجتمع المغربي، وتتفاعل مع ما كانت تشهده الساحة المغربية من تحولات وهزات وتموجات سياسية واجتماعية”.
وعن تطور أدوارها يقول: “ويسجل لنا التاريخ المغربي تطورا كبيرا ومتشعبا في أدوارها باشتغالها بالدعوة وتثبيت إسلام القبائل وتصحيحه من البدع والانحرافات، وتعريب القبائل ونشر التعليم، وتنظيم وتيسير الرحلات لأداء فريضة الحـج؛ والعمل على توسيع العمـران البشري بإحيـاء الأراضي الموات وتأمين الطرق والأسواق، وحماية القبائل والأفراد من شطط وجور الحكام وملاحقاتهم، وتوفير المأوى والطعام للفقراء والمشردين والجياع وعابري السبيل، والاستنفار للجهـاد وصد الغزاة من البرتغاليين والإسبان وغيرهم”.
الزوايا في معترك السياسة
ويوضح أن الزوايا لم تلبث أن دخلت “معترك السياسة بكل ما أوتيته من قوة دينية ونفوذ معنوي، فكان لها دور رئيس وفاعل في قيام الدولة السعدية، كما لم يفت بعضها الإدلاء بدلوها في تجريب الحكم، بتأسيس كيانات سياسية بعد أفول دولة السعديين، فمن الزاوية الدلائية بتادلا انبثقت إمارة الدلائيين، ومن زاوية تزروالت بسوس انبثقت إمارة السملاليين، ولم تتردد كثير من الزوايا في العصر العلوي في إعلان ولائها وطاعتها للسلطان، وعرض خدماتها على مخزنه الشريف، خوفا من انتقامه أو رغبة منها في الحصول على إنعامـاته وامتيازاته، ومنها ظهائر التوقير والاحترام، وما كان يصحبها عادة من هدايا وإكراميات وإقطاعات من الأراضي المخزنية، وإعفائها من الضرائب والتكاليف، وتحويل قسط من جباية القبائل إلى خزائنها”.
{jathumbnail off}
المصدر : https://dinpresse.net/?p=1178