محمد جناي
من أنبل الصفات التي يمكن أن يتحلى بها إنسان على وجه الأرض صفة الصدق ، فالصدق نور يضيء قلوب الصادقين، فما أجمل من أن تكون صادقًا مع نفسك أولًا ثم مع من حولك، ولن تستطيع أن تحقق هذا إلا إذا كنت صادقًا مع الله،وإذا تمكن الصدق من القلب سطع عليه نوره، وظهرت على الصادق آثاره، في عقيدته وعباداته، وأخلاقه وسلوكياته.
الصدق دُرة الأخلاق، وخَصلة من أعظم خِصال الخير، وهو من مكارم الأخلاق التي جاء الإسلام بتأكيدها والأمر بها، وهو خلق رفيع يتسم به الأفاضل من الناس؛ ولذلك كان وصفًا ملازمًا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمؤمن عليه أن يلتزم الصدق في ظاهره وباطنه.
وكذلك من المهم أن يتوافق ظاهر المؤمن مع باطنه، فلا يكون ظاهره شيئاً، وباطنه شيئاً آخر على مستوى الشعور والتفكير والموقف والكلمة، لذا، فإنّ قوله يصدق عمله، وعمله يؤكِّد قوله، وإلى ذلك المعنى، يشير الله تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصفّ/ 2-3).
وتبدو لنا حاجة المجتمع الإنساني إلى خلق الصدق، حينما نلاحظ أن شطرًا كبيرًا من العلاقات الاجتماعية، والمعاملات الإنسانية، تعتمد على شرف الكلمة، فإذا لم تكن الكلمة معبرة تعبيرًا صادقًا عما في نفس قائلها، لم نجد وسيلة أخرى كافية نعرف فيها إرادات الناس، ونعرف فيها حاجاتهم ونعرف فيها حقيقة أخبارهم.
يقول ابن القيم – في مدارج السالكين- في الصدق إنه: منزلة القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميَّز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه، الذي ما وُضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلًا إلا أرداه وصرعه، من صال به لم تردَّ صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحكُّ الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة، التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكنهم في الجنات: تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين، كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين، وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان: أن يكونوا مع الصادقين، وخصَّ المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة: 119).
وقال أبو حاتم في روضة العقلاء : إنَّ الله جلَّ وعلا فضَّل اللسان على سائر الجوارح، ورفع درجته، وأبان فضيلته، بأن أنطقه من بين سائر الجوارح بتوحيده، فلا يجب للعاقل أن يعود آلة خلقها الله للنطق بتوحيده بالكذب، بل يجب عليه المداومة برعايته بلزوم الصدق، وما يعود عليه نفعه في داريه؛ لأنَّ اللسان يقتضي ما عُوِّد؛ إن صدقًا فصدقًا، وإن كذبًا فكذبًا .
اللهم اجعلنا من أهل الصدق والصادقين.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=11000