محمد عسيلة – أستاذ محاضر ومستشار في شؤون التربية والاندماج
التنشئة الوقائية – في الأسرة وكذلك في المؤسسات التعليمية – هي خطوة أساسية لحماية الأطفال والمراهقين من الاعتداء الجنسي.
إن التحديات التي تواجه الآباء والأمهات والأجداد وكل من يعيش ويقضي وقتًا مع الأطفال هي بشكل أو بآخر معقدة و مركبة تركيبا تمتزج داخله تمفصلات الأبوة والأمومة و أواصر العلاقات داخل الأسرة و العائلة و المحيط السكني (الجيران مثلا) و التعليمي و التربوي (الاساتذة مثلا) والديني (الإمام مثلا)، ذلك أن هذه التمفصلات و السياقات هي الأمكنة الذي يجب أن تبدأ منها الوقاية. ففي المحيط و المؤسسات التي ليس لديها تفويضا تعليميا بالمعنى الضيق من طرف أولياء أمور التلاميذ و التلميذات يجب أن تتميز بموقف وقائي كبير و داخل الفضاءات العامة بموقف وقائي و يقظة أكبر.
وعليه تتجلى التنشئة الوقائية في الأسرة في معاملة البنات والأبناء بالحب والاحترام ، ومراعاة شخصيتهم بجدية وتعزيز حقهم في تقرير المصير في إبداء رأيهم بكل أريحية. هذا يمكنهم من اكتساب مهارات التعبير عن مشاعرهم و مواقفهم و ميولاتهم و تجاربهم التي يقومون بها خارج سياق الاسرة و بعيدا عن أعينها.
فالتعليم الوقائي ينصب على تمكين الفتيات والفتيان من هذه الحرية أولا داخل مجال معين و تحسيسهم بالمخاطر داخل سيناريوهات تواصلية دون تخويف و إعطائهم الفرصة للتحليل و التقدير و التقييم حسب منطقهم و إدراكاتهم دون قمع أو شيطنة. هذه المقاربة تكون ناجحة بشكل أفضل عندما يكون الآباء و الأمهات إحساس رهيف بمخاوف أطفالهم ولا يُخضعون احتياجاتهم البريئة و الطفولية لاحتياجاتهم الخاصة كمراهقين و مراهقات.
أعني بذلك تركهم في سياقهم الطفولي و عدم الضغط عليهم ليصبحوا خارج أعمارهم و يتقمصون بذلك شخصيات المراهقين و المراهقات؛ فترى في الطفل الصغير رجلا مراهقا كهلا و في الطفلة الصغيرة امرأة. فقبل كل شيء يتعلق الأمر داخل هذه المقاربة الوقائية بتشجيع الفتيات والفتيان على أن يكونوا على طبيعتهم دون تجاوز حدود الآخرين.
و حتى في المؤسسات ذات التفويض التربوي ، مثل رياض الأطفال أو المدارس، هناك متطلبات محددة لموقف التنشئة الوقائية. يحتاج الأطفال والشباب هناك إلى تجارب ومحادثات يومية يتم فيها التعبير عن موضوعات الوقاية التالية:
1- تقرير المصير الجسدي: يجب أن يفهم الأولاد والبنات أجسادهم على أنها مِلكية لهم و لها قيمة و جمال و أن تكون محبوبة لديهم ، ويجب أن يكونوا قادرين على اكتشافها وتجربتها و معرفة الحدود الفاصلة بين أجسادهم و أجساد الآخرين.
يجب على الأطفال و البنات أن يعرفوا ويختبروا أنه يمكنهم تحديد أجسادهم (هناك تقنيات بسيطة لتحقيق ذلك!) وأن الآخرين لا يُسمح لهم بلمسهم دون أن يُطلب منهم – حتى لو كان ذلك مقصودًا وبنية حسنة!!! يتضمن هذا أيضًا ان تكون لهم الحرية في تلفظ “لا أريد” كتجربة فريدة و شخصية مثل رفض أن يقوم أي فرد بالتقاط صور لهم دون أخذ إذنهم. من هنا يتعلم الاطفال تقرير المصير وتحصين أنفسهم.
2- التربية الجنسية: يحتاج الأطفال إلى بالغين يمكنهم التحدث معهم عن الحياة الجنسية والاهتمام بالقضايا و الاسئلة الجنسية الاي تشغل بالهم حينما يكتشفون الاختلافات الجسدية بين الذكر و الانثى. لأن الجهل الطفولي عن الجنس حسب عديد من الدراسات يمكن بسهولة استغلالهم من قبل الجناة.
بالإضافة إلى ذلك ، تجد الفتيات والفتيان سهولة في التحدث عن الاعتداء الجنسي إذا كانوا يعرفون مصطلحات الأعضاء التناسلية والعمليات الجنسية بشكل تربوي يناسب عقولهم. فالمؤسسات العائلية والتعليمية تتقاسم المسؤولية عن التربية الجنسية و عليهم التفكير في تصور مشترك داخل منظومتنا الاسلامية و داخل الحياء الذي نربي أبناءنا و بناتنا عليه للوصول الى تحقيق وعي و تقوية الحصانة و الحماية و الوقاية من الداخل الى الخارج! إذا وجد الآباء صعوبة في التحدث بحرية عن القضايا الجنسية ، يمكن للمدرسة تسهيل الأساليب الإيجابية وتعويض نقص المعرفة بشكل تربوي و منهجي تتكلف فيه الاستاذة بالبنات و الاستاذ بالفتيان و نفس الامر داخل الاسرة بين الاب و الام. فلا يصبح ان نغفل التثقيف الجنسي و نخضعه الم الطابوهات لأن الحياة الجنسية منتشرة في كل مكان في مجتمعنا: الانترنت و ما توفره من مساحات خارج كل الحدود و الشارع و الفضاءات العمومية.
على أطفالنا و بناتنا ان يفهموا الفرق بين النشاط الجنسي المشروع داخل منظومة الزواج (هم يقفون على اختلاء الاب و الام و إغلاق الباب عنهما! يوميا) والعنف الجنسي في وقت مبكر. كما يجب أن نمنح للشباب الفرصة لطرح أسئلتهم خصوصا و انهم يتواصلون مع أقرانهم و قد يحصلون على محتويات خادشة للحياء خارج رقابتنا و علمنا. فهذه المقاربة التي تتعاند على التواصل بشكل واعي توفر الأمان.
3-المشاعر: يتلاعب الجناة بمشاعر المتضررين و يحاولون القفز على حراسة مقدمي الرعاية سواء الأسرة لذا فإن الوقاية تعني تعزيز قدرة الفتيات والفتيان على إدراكهم ودعمهم في التعبير عن مشاعرهم متى شعروا بالخطر.
يجب أن يجربوا أن التصورات والمشاعر المختلفة حول نفس المواقف يمكن أن توجد داخل الأسرة أو المدرسة من قرب و تواصل لكنها متميزة عن بعضها البعض. فقرب الاستاذ من التلميذة ليس هو قرب الأب منها و هكذا يمكنهم التمييز بين حنان و حب الاخرين و حب و حنان الوالدين و الاخوة!
من المهم داخل هذا السياق و بنفس القدر عدم تشجيع الأطفال والشباب و إقناعهم بفعل أشياء لا يريدونها مثل تقبيل الأستاذ و الأستاذة و عاتقهما او تقبيل الجار بصفتهم “عم”!!!.
عندما يتعلق الأمر بالمشاعر أيضًا، علينا ان نقف وقفة المترزن الراعي و الواعي (بصيغة التذكير و التأنيث ) لمعالجة استهلاك فلذات أكبادنا للوسائط الرقمية و التي تشكل لنا كآباء و أمهات و أساتذة تحديات: علينا أن نُفهم لأطفالنا أن الوجه الضاحك كرسم لا يعني مشاعر الفرح الصادقة و كذلك القلوب الحمراء المتناثرة لا تعني الحب و الحنان و القرب ولالا معنى لها في معرفة مشاعر المرء الصادقة و تقييم نفسية الشخص الآخر كيفما و أينما كان !!
4-التناقض و قول “لا”: لكي يتمكن الأطفال والشباب من التعبير عن عدم ارتياحهم ومقاومتهم للاعتداء أو العنف الجنسي ، يجب أن يكونوا قد تعلموا في أسرهم ومن مقدمي الرعاية أن البالغين ليسوا دائمًا على حق.
علينا أن نشجعهم على قول الحقيقة و حينما يتفوهون بها علينا عدم قمعهم عندما تكون تلك الحقيقة جارحة و لو كانت ضدنا بشكل من الأشكال. علينا تشجيعهم على قول “لا” حينما يريدون قولها دون خوف او قمع! فالرفض حق مثله مثل القبول!
5- الأسرار: يجب على الآباء السماح بأقل قدر ممكن من الأسرار في الحياة الأسرية حتى لا تتطور و تصبح لنا “ثقافة الأسرار”. و في هذا السياق نبين لأطفالنا بأن هناك اسرارا ايجابية و اخرى سلبية و الاخيرة يجب طرحها و الحديث حولها. فأي شخص كيفما كان عمره و نضجه معتاد على حقيقة أن كل شيء غير سار يتم التخلص منه بالبوح به و تلفظه. لكن الجناة يحاولون من خلال فرض “الصمت” و التخويف التستر على جرائمهم و اعلان خبثهم و نفث سمهم في براءة الاطفال على انها “أسرار” يجب التستر عليها.
بهذا يجب على الآباء والمهنيين كيفما كانوا تعليم الأطفال في سن مبكرة أنه يمكن للمرء أن يتحدث عن الأسرار “السيئة” ، أي الأسرار التي تشعر بالسوء! و هذا ليس تسللا الى الأسرار ولا خيانة! هذه الرسالة ضرورية للأطفال الأكبر سنًا والمراهقين أيضًا. في المؤسسات التعليمية والرعاية على وجه الخصوص ، هناك خطر خاص يتمثل في أن الفتيات والفتيان الذين يعانون من العنف الجنسي سيبقون صامتين لأنهم لا يجرؤون على الإضرار بسمعة المؤسسة أو انتهاك “شرف المجموعة” أو “شرف” العم و الأستاذ و الإمام!!
6-المساعدة: لكي يتمكن الأطفال أو الشباب من الوثوق بشخص ما في حالة تعرضهم لسوء المعاملة، فإنهم يحتاجون إلى الاهتمام و الخبرة من طرف أمهاتهم و آباؤهم ، وغيرهم من مقدمي الرعاية الخاصين والمحترفين ، الذين يعطون أهمية قصوى لقلقهم واحتياجاتهم. يجب على الامهات و الآباء أن ينقلوا أن الأسرة ليست نظامًا مغلقًا و بأن هناك أيضًا أشخاصا مناسبين و قد يحظون بالثقة يمكن مصارحتهم لحظة تعرضهم لتحرش او عنف جنسي. كما علينا تعليمهم الاتصال بالشرطة حالة تواجدهم خارج المنزل أو بعيدين عنه.
7-الذنب: لا يجب أبدًا أن نوقع اللوم على الفتيات والفتيان الذين تعرضوا للعنف الجنسي. يجب شرح ذلك بوضوح للأطفال والشباب ضحايا هذا العنف من طرف مختصين و خبراء و خبيرات.
يجب توضيح مسألة الذنب و سياقاته حتى يفرق الاطفال بين “الذنب الافتراضي” الذي يفرضه الجناة في اقتناء ضحاياهم و الذنب الاخلاقي /السلوكي المعيش.
يوفر التثقيف والتوعية بشأن الاعتداء الجنسي للأطفال منذ سن المدرسة حماية مهمة. يكون الأطفال والشباب المطّلعون أكثر قدرة على تقييم المواقف ، وهم أقل براءة وأكثر احتمالًا للتحدث عنها. بالنسبة للأطفال الأصغر سنًا ، عادةً ما تكون المعلومات المحددة حول الإساءة غير مناسبة لأن المشكلة قد تخلق الخوف أو الارتباك. فقط في حالات استثنائية ، عندما يسأل الأطفال عن ذلك مباشرة أو يلتقطون معلومات محيرة ، يجب حينها التحدث معهم ببضع جمل هادئة حول حقيقة أن هناك أحيانًا أشخاصا يرغبون في لمس الأطفال في منطقة الأعضاء التناسلية أو تقبيلهم بشدة. هنا علينا ان نبين لهم أن لا حق لأحد القيام بذلك.
كما تجدر الاشارة ان العديد من الآباء والمعلمين يخشون إجراء محادثات حول الإساءة او العنف الجنسي لأنهم يعتقدون أنهم يفتقدون الكلمات الصحيحة. لكن ليس عليك أن تفعل كل شيء بشكل صحيح. الشيء الأكثر أهمية في مثل هذه المحادثات هو أن الأطفال والشباب يعرفون: أمي أو أبي أو معلمي أو مشرفي يعلم أن هناك شيئًا من هذا القبيل قد حصل. لأن هذا يعني أيضًا: يمكنني القدوم إلى هؤلاء الأشخاص الذين أثق بهم إذا حدث لي شيء كهذا.
تتضمن المعلومات الهامة التي يجب مناقشتها مع فلذات اكبادنا :
– أن الفتيات والفتيان يمكن أن يتعرضوا للعنف الجنسي،
– أن الرجال، وكذلك الشباب وأحيانًا النساء يمكن أن يكونوا هم الجناة و احيانا تربطنا علاقات بهم،
– أن معظم البالغين والمراهقين لا يسيئون،
– أن معظم الجناة لا نستطيع رؤية و معرفة نواياهم،
– غالبًا ما يكون هناك أشخاصا معروفون وموثوق بهم لهم نية مبيتة ونادرًا ما يكون هناك غرباء،
– أن الاعتداء الجنسي لا علاقة له بالحب و الحنان،
– أن الإساءة غالبًا ما تبدأ بمشاعر غريبة،
– أن الفتيات والفتيان يمكن أن يتعرضوا أيضًا للعنف الجنسي في غرف الدردشة والشبكات الاجتماعية،
– أن الاعتداءات الجنسية بين الأطفال أو الشباب يمكن أن تحدث أيضًا وأن هناك حقًا في المساعدة في هذه الحالات أيضًا.
بهذا نكون قد أسدينا لفلذات اكبادنا و لتلامذتنا النصح و خدمة رائدة و حماية وقائية استباقية ضد هاته” الوحوش الآدمية” و التي تسكن بقربنا و قد تكون تعيش معنا و قد تكون جهة نثق في رجالاتها.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=10324