حوار مع الصحافي والكاتب عمر العمري حول مجموعة من القضايا: التنظيمات الإرهابية، مستقبل الإسلام السياسي، تقييم تجربة الإخوان المسلمين بمصر، والصوفية والسلفية بالمغرب..
نص الحوار:
لماذا فشلت التنظيمات الإرهابية المسلحة في التواجد بالمغرب دون غيرها من الدول العربية؟
فعلا لم يعرف المغرب شيئا اسمه تنظيمات إرهابية مسلحة. وأعتقد أنه لن يكون لها وجود في هذا البلد المعروف بتسامحه الديني وتعايشه الإثني. كل ما في الأمر هناك خلايا تتشكل من عناصر قليلة تتشبع بالفكر الإرهابي لكن بمجرد ما تشرع في التحضير لأعمالها يتم تفكيكها واعتقال أفرادها وتقديمهم للقضاء الذي وحده له الكلمة النهائية في إدانتهم.. ففشل تحول هذه الخلايا إلى المستوى التسلحي يرجع بالأساس إلى العمليات الاستباقية للأجهزة الاستخباراتية المغربية، داخليا وخارجيا، والتي أظهرت نجاعة وفعالية مشهود لها عالميا في هذا المجال. إضافة إلى أن المغرب يعتمد آليات ممنهجة لمكافحة الإرهاب انطلقت من إجراء إصلاحات دينية دشنها العهد الجديد بقيادة ملك البلاد، وشملت إعادة هيكلة الحقل الديني ابتداء من المساجد والتعليم العتيق وتنظيم المجالس العلمية وتنظيم الفتوى وانتهاء بتغيير المناهج الدراسية التي يمكن أن تؤدي إلى نزوعات تطرفية لدى الشباب. هذا دون الحديث عن المقاربات التنموية والمبادرات البشرية التي تحاول معالجة ظاهرة الإرهاب من منظور اقتصادي واجتماعي. مع الأخذ بعين الاعتبار المعالجة الأمنية والقانونية لهذا المشكل الذي يعاني منه العالم أجمع وليس المغرب لوحده. لكن بالرغم من كل هذه المجهودات مازال التهديد الإرهابي مستمرا في بلادنا، وكانت آخر ضرباته ذبح سائحتين أجنبيتين نواحي مدينة مراكش (وسط المغرب). أكيد أن هذه العملية الإرهابية ستفتح أعين المسؤولين بالمغرب على أبعاد أخرى للظاهرة الإرهابية وربما ستكون هناك مبادرات جديدة تعالج النواقص وتطمح إلى الاجتثاث الفعال لحواضن الفكر المتطرف بالمغرب..
لماذا أكدت أن الحركات الإسلامية في المغرب لا مستقبل لها وخاصة التنظيمات الإرهابية المسلحة منها؟ وكيف ترى تجربة إخوان المغرب وهل يمثلون نفس الخطورة على الدولة المغربية التي يمثلها إخوان مصر على المجتمع المصري؟
لم يعد الأمر يحتاج إلى تأكيد فشل الحركة الإسلامية، المسلحة منها وغير المسلحة، فقد أبان ما يسمى بربيع الثورات العربي الأخير عن ضعف كبير لدى هذه التنظيمات في جميع المناحي الفكرية والسياسية. فبالرغم من وصولهم إلى مستويات اتخاذ القرار الرئاسي كما هو الشأن في مصر أو تونس، أو الحكومي كما في الحالة المغربية، إلا أنهم فشلوا فشلا ذريعا في تنزيل برامجهم الانتخابية ووعودهم الإصلاحية، وساهموا بذلك في مزيد من التخلف لبلدانهم ومجتمعاتهم. فهم في المغرب يترأسون الحكومة منذ ثمان سنوات ولم يستطيعوا أن يحققوا شيئا للناس سوى الانتكاسات الاجتماعية وتكريس الفوارق الاجتماعية وإذكاء الصراعات السياسية الجانبية التي تزيد من عمر الأزمات.. وأعتقد أن كثيرا من المغاربة استوعبوا الدرس جيدا ولن يسمحوا مستقبلا بتكرار التجربة الإسلامية الفاشلة. لذلك فالواقع يؤكد أنه لا مستقبل لهذا الفكر الماضوي على الإطلاق.. أما بخصوص سؤالكم هل يمثل إخوان المغرب خطورة على الدولة، فلا أعتقد ذلك أبدا، لأن المغرب تحكمه مؤسسة اسمها إمارة المومنين، وعمرها يتجاوز أربعة قرون، وهي محط إجماع لدى المغاربة، دينيا وسياسيا، و”الإسلاميون” هم فقط جزء من المجتمع المغربي، كانت لديهم رؤية معينة للإصلاح وفق منظورهم الفكري، ونالوا حظهم من تدبير الشأن العام، وأبانوا عن فشل كبير في ذلك، وسيخضعون في سنة 2020 و2021 لامتحان الانتخابات الجماعية والتشريعية، وصناديق الاقتراع هي من ستقول كلمتها النهائية في تقييم منجزاتهم الحكومية، في ظل تداول ديمقراطي يعمل المغرب منذ سنوات على ترسيخه، وبلدنا في حاجة متواصلة إلى تطوير وتجديد العملية الديمقراطية..
ما السبب في ظهور داعش وغيرها من الجماعات المسلحة ؟ وهل النصوص الدينية أم تفسيراتها السبب في ذلك؟
لا يمكن إرجاع ظهور التطرف والإرهاب إلى عامل ديني فقط. لا بد من الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجيوسياسية والصراعات الدولية الإقليمية وتضارب المصالح الاقتصادية والنزاعات حول مصادر الطاقة والثروات التي تشكل أسبابا حقيقية في استنبات الظواهر الإرهابية في العالم. فهذه الأخيرة لها أيضا ارتباطات وثيقة بالجريمة المنظمة والاتجار في البشر والمخدرات والأسلحة. فهناك منظمات متسترة تجني أرباحا طائلة من وراء الترويج لمثل هذه الظواهر المبيدة للجنس البشري. هذا مع التأكيد أن هناك تفسيرات معينة للنصوص المقدسة يستغلها هؤلاء “المجرمون” لشرعنة أعمالهم الإجرامية وإلباسها لبوسا دينيا.. ويأتي على رأس هذه النصوص آيات الجهاد في القرآن الكريم التي يعطيها الإرهابيون تأويلا معينا “يبيح” الهجوم على الناس وقتلهم باسم الدين. هذه التأويلات تجد لها أصولا في بعض الكتب التراثية والفتاوى الاجتهادية لبعض علماء الإسلام في الماضي. لذلك أدعو شخصيا إلى ضرورة إعادة قراءة القرآن الكريم وآياته البينات وفق منظرونا العصري وتطورنا العلمي وحاجتنا المصلحية.. فكتب التراث غير مقدسة وتفاسير القرآن هي أيضا غير مقدسة، بل قد لا نحتاج إليها في عصرنا الحالي، فالنص مقدس والتأويل غير ذلك، وهو خاضع للتغير المكاني والزماني. فنبي الإسلام محمد عليه سلام شيَّد دولة مدنية، ترأسها بصفته البشرية وعلى أساس البيعة والتعاقد الاجتماعي، وشرّع الجهاد للدفاع عن هذه الدولة الفتية كما هو متعارف عليه تاريخيا وعالميا، ولم يدع ـ عليه السلام ـ إلى الجهاد من أجل الهجوم على الناس ونشر الإسلام بالسيف كما يروج لذلك المتطرفون. فلا يوجد في ديننا شيء اسمه “فتوحات إسلامية”، إنما هذه الأخيرة حروب تاريخية توسعية وقعت ـ للأسف ـ باسم الدين.. فلا يعقل أبدا ـ كما وقع أخيرا في المغرب ـ ذبح سائحتين أجنبيتين مسالمتين باسم الجهاد في سبيل الله، فهذا إجرام مبين لا يقبل به عقل أو دين كيفما كان أصله في هذا العالم.. وأؤكد أنه لا يوجد نص ديني يبيح ذبح امرأتين على الإطلاق..
كيف حدث التعايش بين الصوفية والسلفية في المغرب؟
ما أعرفه هو أن السلفية كانت دائما ضد التصوف. تاريخيا عندما تشكلت ما يسمى بالسلفية الوطنية في المغرب إبان الاستعمار الفرنسي، تجنّدت بكل ما لديها لشن حرب على الطرق الصوفية وعلى المتصوفة، وكان ذلك بتأثير من المشرق العربي بطبيعة الحال، كما كان تشكّل الحركات الإسلامية ببلادنا جراء استنساخ لنموذج جماعة الإخوان المسلمين بمصر.. وأعتقد أن الأصل في المغرب هو التصوف بمعناه الروحي، وأن الاستثناء هو وجود السلفية والفكر الإخواني، فهذه الإديولوجيات المستوردة هي طفرات تاريخية عابرة، انتفخت في فترات معينة لتعود إلى حجمها الحقيقي. لكن الإشكال الحاصل الآن هو أننا إلى حدود الساعة لم نستطع أن نستفيد من الخزان الروحي للتصوف بشكل أحسن، ولم تعد هذه الآلة تنتج بفعالية كما هو في السابق “الأولياء” القادرين على إمامة الناس في عالم التربية والتزكية.. وأعتقد أن بلدنا في حاجة إلى إصلاح عاجل داخل أقبية الزوايا وإعادة تأطير المنتسبين إلى هذا العلم اللّدني من أجل القضاء على حظوة النفس ودفع المتصوفة إلى تبني هموم الناس، فلم يعش الصوفي أبدا لنفسه أو لماله أو لعشيرته، وإنما كانت حياته كلها لله ومن أجل هداية الناس.. وسبق أن قلت في مقال منشور أن عالمنا المعاصر يحتاج بالفعل إلى “أولياء”..
كيف تنصح الدول العربية لمواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة؟
لا سبيل للقضاء على الإرهاب دون التأسيس لأنظمة ديمقراطية يتداول الناس فيها على تدبير شؤونهم العامة. فمسألة تدبير الخلاف السياسي مهمة جدا للقضاء على تنامي كل فكر متطرف. ففي المغرب عندما نجح “الإسلاميون” في صناديق الاقتراع تمكنوا من ترؤس الحكومة وتولي تدبير أمور الناس الزمنية. وإذا رأى المواطنون أنهم لم يكونوا في مستوى تحقيق طموحاتهم الاجتماعية والاقتصادية، فطبيعة الحال سيصوتون ضدهم، وسينتخبون من يرون أنهم يصلحون لذلك. لكن ذلك غير كافٍ، إذ لا بد من إنضاج البدائل السياسية وتوسيع هوامش الحريات وتكريس الخيار الديمقراطي الحقيقي كأفق موضوعي لكل إصلاح في المستقبل..
ما هو تقييمك لتجربة جماعة الإخوان في مصر؟
إنها تجربة فاشلة بكل المقاييس. فالإخوان في مصر يعملون في الساحة ما يقارب 80 سنة، ومع ذلك لم يستطيعوا بلورة فكر سياسي ديمقراطي باستطاعته استيعاب كل الفروقات الفكرية والدينية والسياسية في المجتمع المصري. وأبان هؤلاء عن “غباء سياسي” عند استلام مقاليد السلطة بعد ثورة 25 يناير.. وفي نظري كانت الأمور واضحة منذ البداية، فكيف ينتظر المصريون الإصلاح من جماعة كان أول ما عملته بعد الثورة هو استقدام “يوسف القرضاوي” ليخطب فيهم وليؤمّهم في الصلاة في ميدان التحرير.. هذا دليل على المطبات الخطيرة التي كانت تنتظر مصر في ظل الحكم الإخواني.. لذلك أقول إن هذه الحركة الأم وما تفرع عنها من تنظيمات في العالم العربي والإسلامي مصيرها الزوال، وقد أفل بالفعل نجمها، وانكشفت عورتها..
هل هزم داعش؟ وكيف القضاء على التنظيم بشكل كامل؟
أؤكد لكم أن وجود التنظيم الإرهابي المسمى “داعش” واستمراره رهين بتجاذبات وصراعات إقليمية، فهي التي تغذيه وتمنحه عناصر الحياة. وهو صنيعة أوجدته المصالح الدولية المتنازعة في المنطقة. وسيزول نهائيا بعد أن تنجح هذه الدول في إيجاد توافقات سياسية وميدانية لتدبير المصالح وتوزيعها، وبالخصوص التوافق على مسألة صفقات إعادة إعمار ما خلفته الحروب من دمار شامل.. ويمكن أن يظهر تنظيم إرهابي جديد في منطقة أخرى في العالم عندما تقتضي مصالح الدول ذلك. وحقيقة تنظيم “داعش” هو أنهم مرتزقة يخدمون أجندات أولياء نعمتهم، ويتاجرون بدين الله كغطاء لذلك، لكن للأسف هناك من الشباب العربي من يسقط ضحية استلاب فكري متطرف لا علاقة له بالدين (هذا التصريح كان قبل مقتل البغدادي والتطورات الميدانية الأخيرة)..
المصدر : https://dinpresse.net/?p=4931
فريد البريجيمنذ 5 سنوات
التصوف اليوم هو الاخر يعيش ازمة ويعرف تهافتا على الماديات