محمد عسيلة، أستاذ باحث وخبير في قضايا الهجرة والثقافة والتربية بألمانيا، طالب باحث في ماستر الهجرة والثقافة والدين بجامعة محمد الخامس الرباط
اليوم الدولي للغة الأم هو يوم لإحياء ذكرى أعلنته اليونسكو “لتعزيز التنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات”. تم الاحتفال به سنويًا في 21 فبراير منذ عام 2000.
نظرًا لحقيقة أن نصف جميع اللغات التي يتم التحدث بها في جميع أنحاء العالم مهددة بالانقراض، فقد تبنت اليونسكو قضية تعزيز اللغات كدليل على الهوية الثقافية للمتحدثين بهذه اللغات. كما أنه تم اعتبار أيضًا تعلم وتعليم اللغات الأجنبية وتعدد اللغات بشكل عام مفتاحا للتفاهم بين الثقافات والاحترام المتبادلين.
هناك 6000 لغة في جميع أنحاء العالم، لكن نصفها مهدد بالاختفاء. لهذا السبب تحتفل اليونسكو بيوم اللغة الأم مرة في السنة. ويذكرنا هذا اليوم بأهمية التنوع اللغو ي والثقافي.
تحتفل منظمة الثقافة العالمية ، اليونسكو ، باليوم الدولي للغة. وتجدر الاشارة تبعا لليونسكو ، بأنه تُفقد لغة كل أسبوعين!.
العلماء لديهم تفسيرات مختلفة لاختفاء أو لانقراض بعض اللغات. يقول بول تريلسبيك ، رئيس أرشيف اللغات المهددة بالانقراض في معهد ماكس بلانك لعلم اللغة النفسي في نيميغن: “أحد العوامل هو بالتأكيد العولمة، كما أن بعض الناس يعتقد أن لديهم فرصًا أفضل في الحياة إذا كانوا يتحدثون لغات أكثر انتشارًا.”.
ونضيق في هذا السياق الهجرة الداخلية من المناطق الريفية الى المدن كسبب أو كعامل حاسم في اختفاء بعض اللغات المحلية.
بالنسبة لمغاربة العالم نقف على مجهودات كبيرة من طرف أولياء الامور، أمهات وآباء وكذلك من طرف الجمعيات والمساجد المغربية لتعليم اللغة العربية كلغة أصلية الى جانب اللغات الأمازيغية التي يتعلمها الاطفال من خلال تنشئتهم الاجتماعية والثقافية داخل أسرهم.
ولقد سهرت مؤسسة الحسن الثاني على إرسال طواقم تعليمية الى عدد من البلدان الاوروبية لتعليم اللغة والحضارة المغربية.
وتبقى ألمانيا مثلا متفردة في بعض الولايات في إدماج تعليم اللغة العربية في النسق والنظام التعليمي الالماني كلغة أصلية الى جانب عدد من اللغات الاصلية التي تُدرس لأبناء الجاليات المهاجرة او التي لها خلفية مهاجرة. فألمانيا تعتبر ملف التدريس والتعليم ملفا سياديا وحاولت بتدرج إدماج أساتذة ومعلمين عرب في النظام التعليمي الالماني.
كما أن تعليم الدين الاسلامي باللغة الالمانية يحظى في عدد من الولايات باهتمام وزاري وكذلك باهتمام تمثيليات الطوائف الدينية المسلمة. وهذا كذلك ملف يجب معالجته ومدارسته بهدوء وبمقاربة تفكيكية لفهم التدابير والاجراءات والاهداف والتنظيم.
وهنا لا بد من إثارة السؤال وداخل هذا النمو والتغير الديموغرافي الذي جعل المجتمع الالماني يعيش تعددا لغويا وثقافيا ودينيا مكثفا، اندمج بسببه معلمون وأساتذة من دول عربية في النظام التعليمي الالماني ويقومون بتدريس وتعليم وتربية الى جانب تلاميذ عرب، تلاميذ وتلميذات مغاربة كذلك.
ومن هنا لا بد من طرح السؤال وبكل أريحية ودون تعصب أو تضييق أفق في عالم ومجتمع موصوف بالتعددية حول مدى سهر هؤلاء الاساتذة من دول عربية غير المغرب من تعليم التمظهرات والتجليات الثقافية المغربية لفلذات أكبادنا.
ولا تفوتني الاشارة هنا الى أن برنامج تعليم اللغات الاصلية بولايتنا كمرجع وزاري الى جانب بنود من التشريع المدرسي والدوريات الوزارية الالمانية تسطر رسميا وبشكل قوي على تعليم الكفاءات اللغوية وكذلك الثقافية والتثاقفية للتلاميذ المسجلين في دروس اللغات الأصلية. فهذا جزء إجباري في برنامج تعليم اللغات الاصلية، على السادة الاساتذة احترامه وتنزيل أهدافه.
وهذا اعتراف مؤسساتي وزاري بالتعددية والأصول الثقافية واللسانية لهاته الفئات من التلاميذ الذين يتلقون دروس اللغة العربية وبقية اللغات الاصلية بشكل موازي للتعليم النظامي او بشكل مندمج في حصص مقننة لا تتعدى ولا تقل على ثلاث ساعات أسبوعيا في ولايتنا -وﻻية فستفاليا الشمالية-. (ملحوظة: التعليم وتدبيره في ألمانيا يبقى تحت إشراف الولايات وليس تحت اشراف المركزية الفدرالية.. أي أن برلين لا تتدخل في الولايات فيما يتعلق بتدبير قضايا التعليم والتدريس والتربية!).
ويجدر التذكير هنا بأن الزواج المختلط بين المغاربة، قد يعزز إضعاف الإبقاء على الريفية والعربية مثلا في ألمانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا واسبانيا وايطاليا للاطفال المولودين من هذا الزواج المختلط بسبب الابقاء فقط على التواصل باللغة الالمانية كلغة جامعة وموحدة لحصول التواصل. من طبيعة الحال هناك الاستثناء الذي في سياقه تسهر الأم المغربية او الاب المغربي داخل الزواج المختلط في حرصهما وإصرارهما على تعليم العربية و/ أو الامازيغية ام هما معا لأطفالهما.
ويجب التأكيد مرة أخرى في هذا المقال على جهود التمثيليات المغربية من مساجد وجمعيات في حرصها على تعليم اللغة العربية والدين الاسلامي وتعليم القرآن الكريم؛ جهود نيفت على أزيد من نصف قرن تقريبا، يتم صرف مجهودات جبارة لتحقيق رسم معالم خريطة طريق لصناعة الهوية المغربية: هوية واعية بانتمائها الى المغرب والى أوروبا. فعلى السلطات والادارات الوصية تثمين هذه المجهودات بالرعاية والدعم والتقوية وعدم تركها تصارع التحديات والاكراهات لوحدها.
ولهذا نهيب في هذا اليوم بكل الفاعلين المؤسساتيين وكذلك ممثلي وممثلات المجتمع المدني المغربي لتدارك هذا الوضع كي تحصل الجمعيات والمساجد على دعم لوجستيكي ومهني من طرف الجهات الوصية على ملف قضايا مغاربة العالم حتى لا تضيع هويتنا اللغوية واللسانية والكلامية والتي هي جزء من الهوية الثقافية والثوابت المغربية ودونها لن يتحقق الادماج السلس وقد لا نحصل على كفاءات نفتخر بها مرتبطة بأصولها اللغوية والثقافية المغربية في الثلاثين سنة المقبلة.
والثلاثين سنة في عمر أمة هي محصورة في جيل واحد.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19672