المسالة الثانية التي يجب أن نشير إليها ونحن بصدد قراءتنا لمبادرة تأسيس رابطة الشباب الصوفي هو ما أثارته منذ نشر إعلاناتها على المواقع الالكترونية منذ سنة مضت من ردود أفعال اغلبها بنيت على الوهم والتخيل والاستقراء المغلوط لأهداف المبادرة و توقيت صدورها
حيث يمكننا هنا رصد أهمها من خلال تناول ما صدر بالمجال التداولي من مقالات وقصاصات إخبارية تشكك في المبادرة وتزعم أن لها أهدافا سياسية وأخرى حركية ضد تيارات وتوجهات دينية معينة وكمثال على ذلك المقال الذي كتبه احدهم على (موقع لكم) الالكتروني الذي يديره علي انزولا تحت عنوان (تأسيس ‘الشباب الصوفي’ لمواجهة مد الإسلام السياسي والسلفي ) حيث جاء فيه (وتأتي هذه المبادرة في سياق الدور المتنامي للزوايا الصوفية بتشجيع رسمي من الدولة لخدمة أجندتها السياسية في الحقل الديني) كما أضاف ( … ويرى مراقبون في الخطوة الجديدة الساعية إلى خلق إطارات شبابية تابعة للزوايا، سعيا جديدا من السلطة لخلق اصطفاف داخل صفوف الشباب حيث تنشط دعوات الإسلام السياسي والإسلام السلفي أمام تراجع التيارات اليسارية والعلمانية التي أضعفتها مواقفها السياسية ومناهج الدولة التعليمية…) دون أن يذكر صاحب المقال المجهول من هؤلاء المراقبون الذين تفضلوا بتقديم خلاصة ملاحظاتهم حول الخطوة الجديدة ولا صفتهم بما يفيد على الأقل فهمهم لسياق المبادرة وطبيعتها أو سبق اتصالهم بالهيئة التي دعت إليها وبيان رأيها في الموضوع.
وردا على الموضوع فقد حررت اللجنة التحضيرية لمبادرة تأسيس رابطة الشباب الصوفي لبيان حقيقة تنفي فيه ما جاء من اتهامات في المقال السابق الذكر حيث تم نشره مقتضبا على موقع لكم تحت عنوان ( رابطة الشباب الصوفي : لا أجندة سياسية لنا ) جاء فيه أن الرابطة (هيئة مدنية مستقلة تهدف أولا وأخيرا إلى المساهمة في تفعيل عمل المجتمع المدني بكل فئاته والتفاعل الحضاري مع كل مكونات الساحة الإسلامية بلا استثناء، ومد جسور التواصل داخل وخارج المغرب بين الشباب المنتمين للمنهج الصوفي الرباني السني وشباب الشرفاء أحفاد البيت النبوي في إطار فكري تشاركي يروم اغناء العمل حول قضايا الأمة الإسلامية والتمسك بالسنة المحمدية الشريفة والقيم الإسلامية الأصيلة والدفاع عن الثوابت الوطنية و في مقدمتها قضية الوحدة الترابية…) وبالرغم من ذلك فان الأفكار التي جاءت بالمقال الأول سرت كالنار في الهشيم وتلقفتها مواقع اليكترونية أخرى لعبت على نفس الوتر وحاولت من خلالها استدراج بعض شيوخ السلفية ودفعهم إلى اتخاذ مواقف مسبقة منها دون الاطلاع على نص المبادرة ولا على وجهة نظر الداعين إليها .
وهكذا فقد عمد موقع هسبريس الالكتروني مثلا إلى نشر مقال أخر وهو عبارة عن ملخص حوار أجراه كاتبه مع الشيخ الفزازي تحت عنوان (الفزازي يصرخ: لا للَبْنَنَة المغرب، ومتى نكون مسلمين وكفى؟ ) حيث يمهد الكاتب له بقولهويأتي تأكيد الفزازي جوابا على سؤال من هسبريس حول رأيه في مبادرة جديدة أقدم عليها أخيرا شباب صوفي يسعون إلى تأسيس ما سُمي بـ “الرابطة الوطنية لشباب الشرفاء والزوايا الصوفية بالمغرب”، وهي المبادرة التي اعتبرها مراقبون بكونها تندرج في سياق السعي إلى مواجهة المد السلفي والإسلام السياسي…) وهكذا نرى جيدا أن ما دفع الكاتب لسؤال الفزازي هو ما اعتبره ( المراقبون ) ؟؟ سعيا لمواجهة المد السلفي والإسلام السياسي وبالتالي يظهر جليا المصدر الذي استقى منه معلوماته القيمة.
جريدة الأسبوع الصحفي سارعت بدورها إلى نشر نفس مقال (موقع لكم) و تحت نفس المسمى و المدعى وهو (رابطة تأسيس الشباب الصوفي لمواجهة المد السلفي والإسلام السياسي) إلا أن اخطر أنواع التلفيق الإعلامي الذي واجهته مبادرة تأسيس رابطة الشباب الصوفي هو ما نشر بأحد مواقع مرتزقة البوليساريو المسمى بوكالة المغرب العربي للأنباء المستقلة ) الذي استند في قصاصته الخبرية التلفيقية والكاذبة على ما نشره موقع لكم بداية و كذلك رد اللجنة التحضيرية عليه والذي نص على تمسك أعضاءها بالتوابث الوطنية للمملكة المغربية وفي مقدمتها الوحدة الترابية ليستنتج موقع المرتزقة أن مبادر ة تأسيس رابطة الشباب الصوفي ليست سوى ( خطوة للنظام المغربي فيالاستنجاد بالصوفية( .
وفي مقابل هذا التجني المقصود على المبادرة فقد تم التعامل معها بتجاهل غير معتاد من قبل وسائل الإعلام الأخرى كما لم تنل أي اهتمام بها من قبل المراقبين الحقيقيين للشأن الديني والحقيقة أن هذا التعامل الإعلامي الغير موضوعي مع مبادرة تأسيس رابطة للشباب الصوفي يكشف نوعا ما الصورة التي يتم بها تناول الخبر وتحليله في بعض المواقع الالكترونية من جهة كما يكشف حجم الضبابية التي تلف موضوع التصوف في المشهد الإعلامي المغربي و الصورة النمطية التي أصبحت ملازمة له في ذهن العديدين باعتباره إما مجالا تسيطر عليه الطرقية أو الدولة و أن كلاهما يعملان على تحديد توجهاته في المجال العام و طبيعة اشتغاله بما يتلاءم مع إستراتيجيتهما في المجال الديني وبالتالي فان أي مبادرة في الحقل الصوفي لن تكون مستقلة عنهما من حيث الشكل التنظيمي . ويظهر هذا في طبيعة التناول الخبري لمبادرة تأسيس رابطة الشباب الصوفي حيث تم الربط بشكل نمطي بينها وبين عملية هيكلة الحقل الديني التي يقودها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية احمد التوفيق و مواجهة المد السلفي والإسلام السياسي و الزاوية البودتشيشية وحراك الشارع السياسي ويظهر هذا من خلال الصورة المصاحبة للمقال الذي نشره موقع لكم و التي يظهر فيها أتباع الزاوية البودتشيشية.
لذلك فان تأسيس رابطة مغربية مستقلة للشباب الصوفي إن كانت له من مزية فإنها ستكون بلا شك إتاحة الفرصة لشباب ذوي المرجعية الصوفية للتعبير عن أرائهم بعيدا عن توجهات الطرق الصوفية و حساباتها الداخلية والخارجية ويستحضرني هنا التجارب التي عرفتها عدد من البلدان العربية التي تأسست بها ائتلافات وجمعيات للشباب الصوفي كمصر والسودان وتساهم بشكل وازن في المجال الاجتماعي كما تحدد توجهاتها في إطار ديمقراطي بعيدا عن تدخلات مشيخات الطرق الصوفية وميولاتها السياسية وكمثال على ذلك الموقف الذي تبناه ائتلاف شباب الصوفية المصري خلال الثورة المصرية و إبان الانتخابات الرئاسية المصرية من عدم التصويت لفائدة احمد شفيق بالرغم من حشده دعم اغلب مشايخ الطرق الصوفية حيث عبر عن ذلك حمدي كامل منسق ائتلاف شباب الطرق الصوفية بالإسكندرية قائلا (نحن مع الثورة ولن ندعم الفريق شفيق لأنه ليس منها، مشيرا إلى أن الشباب الصوفيون يتبعون فقط مشايخهم في الدين وليس في السياسة…) كما أضاف أن (أن شباب الصوفية يفكر ولا يمكن أن يتبع شيخ الطريقة الذي ننتمي إليه دون إعمال العقل، ويجب علي الشيوخالصوفيون إقناعنا بوجهه نظرهم فالحجة بالحجة(…
{jathumbnail off}
المصدر : https://dinpresse.net/?p=1967