أصدرت الهيأة العلمية للافتاء فتوى بجواز ترك غسل الميت من الإصابة بفيروس إيبولا ودفنه بعد الصلاة عليه، وذلك في جوابها عن سؤال من وزارة الصحة بهذا الشأن، وهذا نصها المنشور بالعدد المزدوج (12-13) من مجلة “المجلس”.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدا).
وبعد، فقد ورد على الهيأة العلمية للإفتاء، عن طريق الأمانة العامة للمجلس العالمي الأعلى، سؤال من السيد وزير الصحة حول عدم غسل المتوفى من الإصابة بفيروس إيبولا، ونصه: “هل يجوز عدم غسل الميت إذا كان سبب الوفاة هو الإصابة بمرض فيروس إيبولا الفتاك، علما بأن غسل جثة الميت المصاب بهذا الداء هو مصدر لانتقال العدوى، وأن المرض لا يوجد له لحد
الآن دواء أو لقاح فعال؟”.
وقد تدارست الهيأة العلمية للإفتاء هذه النازلة من الناحية الشرعية وخلصت إلى ما يلي:
1 أولا: بعد استحضار عدد من الأحكام والقواعد الشرعية المتعلقة بالإنسان، والتي منها حرص الإسلام على صحة الأحياء والحيلولة دون كل ما يهددها، لكونها داخلة في المقاصد الضروريات الخمس، المتفق على وجوب مراعاتها وحفظها في كل الملل والشرائع، وأجمع عليها فقهاء الإسلام.
ومنها قاعدة: “اليسر ورفع الحرج في الدين”، و”المشقة تجلب التيسير”، وقاعدة: “الضرر يزال”، وقاعدة: “ارتكاب اخف الضررين عند اجتماعهما”، و”الضرورات تبيح المحظورات” وقاعدة: “الوقاية خير من العلاج”، وغيرها من القواعد الفقهية الأخرى.
2- ثانيا: من الأحكام المقررة للميت أن يغسل بالطريقة الشرعية المبينة فقها، ثم الصلاة عليه، ثم دفنه، من باب تكريم الإسلام للإنسان.
3- ثالثا: إن غسل الميت إذا تعذر لسبب من الأسباب فإنه يسقط، ويدفن الميت بعد الصلاة عليه بلا غسل كما نص على ذلك الفقهاء المالكية:
قال ابن حبيب: لا بأس عند الوباء وما يشد على الناس من غسل الموتى لكثرتهم أن يجتزئوا بغسلة واحدة بغير وضوء، يصب عليه الماء صبا، (أي بدون دلك)، ولو نزل الأمر الفظيع بكثرة الموتى فلا بأس أن يدفنوا بغير غسل”.
وقال الدسوقي: “وأما من تعذر غسله وتيممه، كما إذا كثرت الموتى جدا، فغسله مطلوب ابتداء، لكن يسقط للتعذر، ولا تسقط الصلاة عليه، لأنهما غير متلازمين في الفعل وجودا وعدما.
4- الخلاصة:
وبناء عليه، وتبعا لما ثبت علميا وطبيا أن المصاب بهذا الوباء إيبولا ينتقل منه بالعدوى إلى غيره ممن يباشر غسله، فإن الحالة المسؤول عنها داخلة في هذا المعنى، نظرا للأضرار المحققة الناتجة عن غسل من أصيب بهذا الوباء.
ولذلك فإنه يجوز ترك غسله، والاقتصار على الصلاة عليه، كما ذكره الفقهاء، حفاظا على سلامة الأحياء في صحتهم وعافيتهم من هذا الوباء الفتاك.
وشان المسلم وواجبه في مثل هذا الأمر أن يتخذ الوسائل الوقائية والأسباب المطلوبة لسلامة حياته وصحة بدنه من كل آفة وتهلكة، فإنها لا تتنافى مع توكله على الله تعالى ويقينه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وحسبه كذلك أن يسأل الله المعافاة لنفسه وبدنه، ولسائر الناس فإنه: “لم يُعْطَ أحد بعد اليقين خيرا من العافية” كما قال عليه الصلاة والسلام.
فهذا رأي الهيأة وجوابها الفقهي في المسألة، والمتضمن للفتوى بجواز عدم غسل المتوفى من الإصابة بهذا الوباء الخطير، وقى الله منه البلاد والعباد بفضله وكرمه.
والله تعالى أعلم وأحكم، وإليه المرجع والمآب،
وهو سبحانه من وراء القصد، والهادي إلى أقوم سبيل.
Source : https://dinpresse.net/?p=3814