استهلت دار كنوز المعرفة في الأردن منشوراتها لسنة: 2015م، بإصدار كتاب جديد للباحث المغربي الدكتور: خالد التوزاني، يحمل عنوان: “أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية”، وقد جاء الكتاب في طبعة فاخرة وأنيقة ذات غلاف جميل وملون تزينه صورة معبرة عن العجيب في الثقافة العربية والثقافة الغربية حيث تتضمن مخلوقات غربية ومخيفة ومرعبة تشكل رصيدا من الموروث العجيب في الثقافتين معا أو المشترك الإنساني في كل مكان وزمان.
ويقع الكتاب في أزيد من مائتي صفحة، ويبدو واضحا حجم الاهتمام بهذا الإصدار النقدي الهام من خلال جودة الطباعة واختيار أفضل أنواع الورق إضافة إلى خلو الكتاب من كل الأخطاء المطبعية وهفوات الإخراج، ولعل هذه الميزات الفنية تشكل طابعا مميزا يطبع كل منشورات دار كنوز المعرفة بالأردن والتي تحرص على الإتقان سواء في الطباعة بأحدث الآلات والبرامج والمتخصصين أو من خلال انتقاء الكتاب والمؤلفين الذين ينجزون أعمالا علمية مشرفة.
يقدم الباحث المغربي الدكتور خالد التوزاني في كتابه: “أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية” مقاربة تنظيرية وتأصيلية لموضوع العجيب من خلال تبني مصطلح “أدب العجيب” بديلا لما يتداوله النقاد العرب من مصطلحات مثل العجائبي والفانتاستيك.. مبررا اختياره بمقاربة شمولية للموضوع تتجاوز الثقافة العربية الإسلامية إلى استنطاق الثقافة الغربية وكشف مدلول الفانتاستيك وأصوله وتحولاته في هذه الثقافة وسياق هجرته نحو حقل التداول العربي. حيث يؤكد المؤلف الدكتور خالد التوزاني ذلك بقوله: “إن اختيارنا لمصطلح “أدب العجيب” باعتباره الأقرب إلى الصواب في التعبير عن نمط الإبداع القائم على توظيف العجيب والغريب، وهو الأنسب لتحليل النص العربي. أما لفظ “الفانتاستيك” بوصفه جنسا أدبيا أو تقنية في الكتابة، أنتجته ظروف تاريخية وقيم ثقافية غريبة عن واقع الإنسان العربي وتاريخه، فيمكن تداوله من باب توسيع الرؤيا وتعزيز أفق القراءة والتأويل. علما أن أدب العجيب في الثقافة العربية ليس مستقلا، وإنما يشمل كل كتابة غير مألوفة، وبناء على ذلك توجد ملامح هذا الأدب في مختلف حقول المعرفة؛ ففي أدب الرحلة يوجد العجيب، وفي كتب السير والتاريخ وأدب المناقب والكرامات، وغيرها من مجالات انتعاش العجيب في الثقافة العربية الإسلامية، والتي تحتاج لبحوث مستقلة، يمكن أن تسهم نتائجها في فهم العقلية العربية ونفسية الإنسان العربي التي تعايشت مع الوحي وخلقت ألفة مع الغيب وما وراء الطبيعة، وكانت لها رؤيتها الخاصة نحو الكون والوجود”.
يندرج موضوع هذا الكتاب ضمن حقل الآداب والعلوم الإنسانية، ليعالج ظاهرة العجيب في الثقافتين العربية والغربية، في محاولة لتأصيل أدب العجيب وخاصة في الثقافة العربية الإسلامية، مع الاستفادة من معارف الآخر البعيد عنا ثقافيا وعلميا والقريب منا جغرافيا في سياق التقارب الإنساني المشترك والاندماج الحضاري المأمول، استجابة للحاجة الفكرية والمجتمعية لوضعنا العربي الراهن، من تجديد للفكر وتخليق للحياة الاجتماعية وإحياء لقيم النهوض والارتقاء.
هكذا يناقش الكتاب قضية ثقافية وأدبية تشغل المجتمع العربي المعاصر وخاصة الفئة المشتغلة بنقد الإبداع عموما، حيث يتتبع ظاهرة العجيب في الثقافة العربية الإسلامية سواء في التراث العربي القديم أو الحديث والمعاصر، فيقارب مفهوم العجيب وتجلياته في هذه الثقافة كما يسافر إلى ثقافة الآخر لاستجلاء العجيب فيها، ليس من باب المفاضلة وإنما من أجل إبراز الخصوصيات داخل نوع من التكامل والانفتاح. وذلك درءا للتصور الذي يرى أن أدب العجيب أو الفانتاستيك مصدره الغرب وأنه ظاهرة وافدة على الإبداع العربي في سياق التجريب، حيث ينطلق الكتاب من فرضية أساس مفادها أن العجيب متأصل في الثقافة العربية الإسلامية وله خصوصياته وروافده ووظائفه التي تختلف عما هو موجود في الثقافة الغربية.
ومن هنا فإن هذا الكتاب يطمح إلى الإسهام في تنوير النقد الثقافي المعاصر ولفت انتباه النقاد والمبدعين العرب إلى ضرورة الاستعانة بالتراث العربي الإسلامي في معالجة ظواهر تبدو مستجدة أو وافدة من الثقافات الأخرى وهي في واقع الأمر موجودة في تراثنا العربي، فقط تحتاج إلى من ينفض عنها غبار النسيان ويعيد إبرازها للعيان، مع ما يترتب عن هذا التوجه من إحياء للثقة بالنفس وتعزيز للقدرات العربية وإيمان بالمحلي قبل العالمي وإعادة الاعتبار لجزء من الثقافة العربية الإسلامية كثيرا ما تم إهماله وتهميشه.
محتويات الكتاب
يقوم كتاب “أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية” في ضوء تصوره العام على مقدمة وبابين اثنين وأربعة فصول، ثم خلاصة واستنتاجات، ثم فهارس الكتاب.
عرض المؤلف الدكتور خالد التوزاني في مقدمة كتابه: “أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية” السياق العام الذي دعاه لتأليف هذا الكتاب ويتعلق الأمر بالرغبة في تجاوز الاضطراب الحاصل في الفهم والتداول لهذا النمط من الأدب من قبل المشتغلين بالنقد الأدبي، ومن ثم خدمة النقد العربي المعاصر وفق رؤية علمية دقيقة تغوص في عجيب الثقافتين العربية والغربية لتؤسس آفاقا من التثاقف المثمر بين الثقافتين في احترام للخصوصيات وأخذ بعين الاعتبار للمحلي قبل العالمي، والتراثي والتاريخي قبل الوافد والغريب. وهكذا خصص المؤلف الباب الأول لبحث “أدب العجيب في الثقافة العربية: المفهوم والتجليات”، وفيه فصلان:
الفصل الأول: “مفهوم أدب العجيب”، تتبع فيه دلالات العجيب في اللغة والقرآن الكريم وفي بعض كتب العجائب والغرائب، وقارب رسالة العجيب وبعض إشكالاته، ثم عرّف المفاهيم المجاورة له. والفصل الثاني: “تجليات أدب العجيب”، استقرأ فيه كتب العجائب والغرائب، وكيف تحوَّل العجيب المرعب إلى جميل معجب، ثم عرض في الأخير خصوصيات العجيب الإسلامي وبعض تحولاته الكبرى.
أما الباب الثاني، فخصصه الكِتاب لدراسة “أدب العجيب في الثقافة الغربية: التأسيس والهجرة”، وفيه فصلان:
الفصل الأول: “تأسيس الفانتاستيك”، استعرض فيه المؤلف مفهوم أدب العجيب في الغرب أي الفانتاستيك، وتتبع تحولاته وكيفية انتقاله من حقل المقدس إلى فضاء الأدب، كما تناول عوامل ظهور الفانتاستيك إلى أن تأسس جنسا أدبيا. أما الفصل الثاني: “هجرة الفانتاستيك”، فقد استعرض فيه الكاتب أهم المقاربات العلمية التي اتخذت من أدب العجيب موضوعا لها، ثم تتبع انتقال الفانتاستيك من فضاء التداول الغربي إلى حظيرة النقد العربي في سياق الحداثة والتجريب وكسر جمود الواقع، مختتما هذا الفصل بتحديد مجمل مواقف الباحثين والنقاد العرب تجاه الفانتاستيك وقضية نقله للتداول العربي مع ما ترتب عن ذلك من كثرة للمصطلحات الدالة على أدب العجيب.
ثم ختم المؤلف الدكتور خالد التوزاني كتابه: “أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية” بخلاصة واستنتاجات تضمنت جملة من النتائج التي توصل إليها المؤلف والتي خلص إليه عمله في مقاربة أدب العجيب. ويتضمن هذا الكتاب قائمة غنية بالمصادر والمراجع التي اعتمدها المؤلف في كتابه والتي تمثل مكتبة متخصصة في موضوع العجيب يمكن أن تفيد الباحثين والدارسين.
ويعتبر هذا الكتاب الأول من نوعه في الوطن العربي الذي يقارب موضوع “العجيب” بنظرة شمولية معمقة تبحث في المفهوم داخل الثقافة العربية القديمة وتنبش في التراث الغربي كذلك بغية المقارنة وإبراز الخصوصيات داخل نوع من التكامل والانفتاح المفضي إلى نتائج مهمة تجعل من النص العربي العجيب نصا متفردا بسمات موضوعية وفنية لا يجوز إسقاط تمثلات الآخر الغربي عليه، إلا إذا كان المراد هو تطوير أدوات التحليل في أفق تكييف المنهج الغربي وتحويل النظرية الغربية لتناسب النص العربي، أو أن يتم استنباط المنهج انطلاقا من النص وهو التوجه الذي يميل إليه المؤلف.
ومن بين الخلاصات التي يذكرها المؤلف الدكتور خالد التوزاني في كتابه: “أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية” قوله: “إن أدب العجيب باعتباره حصيلة أدبية وفكرية وثقافية، يمثل نشاط البنية الذهنية الشعورية واللاشعورية في ارتباط بالظواهر الاجتماعية، ليس حكرا على ثقافة دون أخرى، فهو وإن حضر في الغرب باسم “الفانتاستيك”، فهو عند العرب “عجيب” قديم ومتأصل ومتجدد باستمرار في بنية التفكير العربي”. ليؤسس بهذه النتيجة بعدا عالميا للعجيب ونمطا إبداعيا لا تخلو منه ثقافة من الثقافات، ينبغي أن يُعامل انطلاقا من الثقافة المحلية بعيدا عن أي إسقاط خارجي عنها.
ومما يعزز من أهمية كتاب “أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية” ويرفع من قيمته العلمية كون مؤلفه الدكتور خالد التوزاني باحث أكاديمي مغربي متخصص في الأدب المغربي والأندلسي والتصوف ونقد الإبداع، حاصل على شهادة الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية، حول موضوع العجيب في الكتابات الصوفية، بميزة مشرف جدا مع التنويه بالعمل الجاد والعمل على طبع البحث، من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس/ المملكة المغربية. وهو أستاذ باحث ومؤطر في مجالات الفكر والإبداع الصوفيين والتدقيق اللغوي وتقييم البحوث الأكاديمية، وهو حاصل على شهادة الإجازة في علم النفس ودبلوم مركز تكوين الأساتذة وشهادة الماجستير في الأدب المغربي، كما استفاد من عدة دورات تكوينية وتدريبية في مجالات تخصصه، وهو عضو في عدة مؤسسات علمية منها عضو مؤسس للمركز الأكاديمي الدولي للدراسات الصوفية والجمالية. وله مجموعة مقالات ودراسات نشرت في عدد من المنابر الإعلامية الورقية والرقمية، ومن أبرز كتبه: جماليات العجيب في الكتابات الصوفية، وهو الكتاب الأطروحة الذي نال به المؤلف شهادة الدكتوراه، وهو من منشورات مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة بوجدة التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالمملكة المغربية.
{jathumbnail off}
Source : https://dinpresse.net/?p=3738