خلق رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران الحدث بخرجة لغوية ملأ بها الدنيا وشغل الناس، وأشعل على إثرها مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات ألبسه بعضها اللبوس الجنسي في بعده المبتذل المنحط،، قاطعا الشك باليقين باعتبار الخلاصة المستنتجة حقيقة لا ريب فيها، في حين برأه بعضها من هذه الشائبة، وخلع عنه رداء الذنب، باعتباره سليل حركة إسلامية ينأى أبناؤها عن الزج بأنفسهم في مثل هذا الحضيض اللغوي، وذهب آخرون بعيدا حينما اقتنصوا الفرصة ليضعوا كلام الرجل في دائرة الإفلاس الأخلاقي الذي يكشف عن لا وعي طفولي مكبوت استدعى صاحبه من خلاله فحولة جنسية تستعرض بطولة من نوع آخر جسدها كتاب روائيون في رواياتهم من خلال شخصيات لا تفهم شيئا آخر غير الانتصار الجنسي والبطولة الجنسية كما هو الشأن في رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، “والمرأة والوردة” لمحمد زفزاف.
هذه المساجلات التي اتخذت في كثير من أبعادها طابع المواجهة السياسية والإيديولوجية، والرغبة في فرض الذات ولي ذراع الآخر، بين من يرى أن الرجل سقط في شرك الخطيئة المميت، وبين من رأى أنه حافظ على عذريته اللفظية وطهرانيته، ولم يصدر عنه ما يخدشهما، كشفت عن واقع آخر انصرف طرفاه إلى التبرير، وأغفلوا الحقيقة الجوهرية ومصدر المشكل المتمثل في ظاهرة المسرحة السياسية السوقية التي انغمس فيها النقاش السياسي بالمغرب، متوسلا بلغة دارجة ألفها ولحنها وغناها مندوبو مبيعات لغة السوق السياسي، في اعتداء سافر على اللغة العربية التي تتعرض أسبوعيا لشتى أنواع الإهانة داخل قبة البرلمان، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: ” ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب(اللغة العربية)”، وقبل أن نسترسل في هذه النقطة تستوقفنا التعبئة العامة لأنصار رئيس الحكومة للدفاع عن أطروحته في التعامل مع المعارضة، والتأكيد على سلامة طويته، وانحراف تفكير المنتقدين الذين وصفوهم بذوي الرؤية الشبقية المنحرفة التي لا تستطيع أن تفسر الأشياء إلا بما تحت الحزام، وهذا الرد منهم على الخصوم بخصوص سفور زعيمهم اللغوي، هو سلاح استعاروه من خصومهم حينما كانوا ينتقدونهم على رؤيتهم لسفور الجسد الأنثوي، وطالما تعرضوا لطلق كلامي عنيف بواسطته، فيما يبدو أنها عملية تبادل أدوار غريبة جدا لا تضاهيها إلا غرابة المشهد السياسي المغربي وسورياليته، فهؤلاء المنافحون ،باعتبارهم جزءا من الحركة الإسلامية، انتقدوا كثيرا على موقفهم من سفور المرأة ودعوتهم إياها إلى الحجاب، لدرجة أن الطرف الآخر وصفهم بالمكبوتين جنسيا الذين لا يرون في المرأة إلا الجسد، وتحضرنا هنا دعوة بن كيران قبل سنوات داخل قبة البرلمان، حينما كان نائبا برلمانيا، مصورة القناة الثانية بأن “تستر نفسها” فقامت قيامة الخصوم ضده وضد خطه السياسي والفكري.
وعوض أن يتسلم هؤلاء أوراق الاعتماد من أولئك لإخلاء سبيل زعيمهم، كان أجد بهم أن يبتعدوا عن المنطق التبريري لهذه الواقعة بهذه الطريقة، لأنهم بهذا سيؤسسون لفوضى كلامية سينطق من خلالها من هب ودب بما شاء له لسانه، ومن انتقده سيواجه بذات السلاح، لقد كان أجدر وأولى أن يقر رئيس الحكومة وأتباعه بأن اللغة خانته، وبأن اختياره للكلمات لم يكن موفقا، وكان عليه أن يعتذر على اللغة المستعملة في حد ذاتها، التي استقدمها وجمع أشتاتها من سياقات الشارع، وهي لا تليق به، مهما كانت طويته حسنة، كرئيس حكومة، وكزعيم إسلامي، وكشخصية عمومية تتحدث في مكان عمومي، يفترض أن يكون النقاش فيه معبرا عن الرقي اللغوي والأخلاقي والسياسي بلسان عربي غير ذي عوج، أعتقد جازما أن السيد بن كيران كرجل تربية وتعليم قادر تماما على التزامه والإخلاص له، وقادر من موقعه كرئيس للحكومة على سن قانون يفرض على نواب الأمة السير على منواله، لوجه لغة الضاد التي يعتبر رد الاعتبار إليها من الأبجديات الأساسية لحزب العدالة والتنمية.
لقد أعلن أنصار بن كيران انتصاره من موقع هزيمته، لأنهم بهذا سيؤسسون لمأسسة لغة المسرحة السياسية السوقية، ولن يكون في وسعهم في قادم الأيام، بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها، انتقاد سلوك مماثل من هذا الخصم أو ذاك، حينما يعمد إلى استعارة المعجم البنكيراني في الرد على برلمانية من حزبهم، ماذا سيقولون حينئذ؟، هل سيكون بإمكانهم اتهامه بالإساءة والتطاول، أم تراهم سيبلعون ألسنتهم ويلتزمون الصمت، بعد أن يستحضروا من أرسى قواعد اللعبة، ومن أدخلها إلى القاموس السياسي المغربي؟، ماذا لو غادر حزب العدالة والتنمية الحكومة، وجاء رئيس حكومة آخر ليمارس التسلط اللغوي باللغة السوقية ضد برلمانيي الحزب، هل سيكون في مقدورهم حينئذ تقديم مقترح باسم فريقهم لفرض تعريب الخطاب داخل قبة البرلمان؟.
أخيرا، سنفترض أن الرجل بريء من التهمة الثقيلة التي كاله إياها الخصوم، وأنه كان خالي الذهن تماما حينما ألقى بكلماته تلك، لكن ما يجب أن نتفق عليه هو أنه كمسؤول كان عليه أن يسارع إلى وقف نزيف البهرجة السياسية السوقية داخل قبة البرلمان، لا أن ينخرط فيها بالكامل، بما جعل كلامه يخرج عن نطاق اللغة، ويسافر إلى خانة اللغو الذي يعرفه علماء اللغة بأنه كلام ناقص معنى، بما يتفق مع تلك السجالات التي شاهدناها في ذلك اليوم المشهود، والتي كانت مجرد مماحكات بدون أي معنى تربوي أو أخلاقي أو سياسي، تغيا أصحابه إفحام الآخر وإسكاته، وهذا اللغو وضع السيد بن كيران في دائرة الشبهة التي كان يجد ر به كإطار سياسي ودعوي أن يحرص على التسامي عنها، وأن يقي نفسه من الوقوع في وحلها، يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: “الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اجتنب الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه”.
لقدآن الأوان ليكف السيد بن كيران عن الزج بنفسه في دائرة الشبهة اللغوية (بفتح اللام المشددة وتسكين الغين)، ويقدم خطابا لغويا راقيا يكون آية للعالمين، يؤسس من خلاله لأسس الحوار والجدال بالتي هي أحسن، و إلا فأخشى ما نخشاه هو أن ينطبق عليه قول الشاعر العربي:
خطبت فكنت خطبا لا خطيبا أضيف إلى مصائبنا العظام.
نورالدين الطويليع
Noureddine_070@yahoo.fr
{jathumbnail off}
المصدر : https://dinpresse.net/?p=3710