عندما تعري المراجعات الفكرية السلفية رجعية المنهاج النبوي عند جماعة العدل والإحسان

دينبريس
2019-11-02T13:51:13+01:00
تقارير
دينبريس11 أبريل 2014آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2019 - 1:51 مساءً
عندما تعري المراجعات الفكرية السلفية رجعية المنهاج النبوي عند جماعة العدل والإحسان
الصورة غير متوفرة
الصورة غير متوفرة

شكلت إمامة محمد الفيزازي، السلفي السابق المحكوم بثلاثين سنة سجنا بمقتضى قانون الإرهاب، لصلاة الجمعة التي حضرها ملك المغرب،  يوم 28 مارس 2014 في مسجد طارق بن زياد بطنجة حدثا وطنيا ودوليامؤسس لثقافة المصالحة والصفح ضمن منظور أخلاقي وقيمي بخصوصية مغربية راقية.

يمكن قراءة هذا الحدث من منظورين اثنين، أولهما رمزية تسمية المسجد وما تحمله هذه الرمزية من إيحاءات و إحالات على الفتح و الانتصار. وثانيهما رمزية إمامة محمد الفيزازي أحد أساطين السلفية الجهادية في المغرب، وأحد أعلامها الذين يتحملون دون أدنى شك، المسؤولية المعنوية والفكرية على أحداث 16 ماي 2003 الأليمة، وما ينم عنه هذا الحدث من رسائل أهمها نبذ العنف والتطبيع مع المبادئ السمحة للإسلام كما يؤمن بها السواد الأعظم من المغاربة.
في إبان أحداث 11 شتنبر 2001، وأحداث 16 ماي 2003 ، اكتشفت شريحة كبيرة من المجتمع المغربي بكثير من الدهشة و الحيرة ما بات يعرف بالسلفية الجهادية. وإن كان المعنى اللغوي والاصطلاحي للمنعوت  لا يحمل معنى قدحيا، فالنعت أضفى صفة دخيلة على مجتمع ُجبل على قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر. في هذا السياق، اكتشف المغاربة  وجه محمد الفيزازي في أوج تمنعه ورفضه للقيم المجتمعية واختصارا، رفضه لقيم الحياة.
لست هنا بصدد الدفاع عن الشيخ الفيزازي، لكن  لكل منا جاهليته، وها هو ذا الفيزازي يتنكر لجاهليته، ها هو ذا يقر بخطيئته، ويراجع فكره، و يرد بدون مراوغة ولا أبلغ ولا أصدق “المغرب من طنجة إلى الكويرة وطني، والله ربي، و الملك أميري”.
ولعل ما يثير الانتباه هو الصمت الفصيح لجماعة العدل والإحسان حيث لم تحرك ساكنا ولم تتواصل عكس عادتها وهي التي ترفع شعار التواصل. صمت إخوة العدل والإحسان يجعل الأسئلة تتناسل الواحد تلو الآخر حول حجم صدمة هذه الجماعة مما يحدث في محيطها الجهوي والوطني.
يبدو للملاحظ بأن الجماعة تعيش خارج سيرورة الزمن، تتمنع من أجل التمنع، ترفض الدخول إلى اللعبة السياسية حتى صار رفضها مرضيا، تتربص بتجارب الآخرين دون أن تجرب أي شيء، فها هي ذي تبارك تارة لإخوان مصر التمكين في مصر، لتعود  بعد ذلك إلى أسلوب اللوم وإعطاء الدروس في التروي ورفض التعامل مع ما تسميه “الدولة العميقة”.
وها هي ذي الجماعة تغازل السلفيين تارة وتصفهم بأجمل النعوت وأكرمها، لتعود بذلك و تلتزم صمتا مريبا من المراجعات الشجاعة والبناءة لأقطاب السلفية، وهكذا تبقى الجماعة وفية لنهجها العدمي، ولمزاجها المتطير من كل خطوة يخطوها المغرب إلى الأمام في مصاف الدول المتقدمة، لأن التقدم رهين باحتواء خلافات الماضي، للتركيز على تحديات المستقبل.
السؤال الذي يطرح بإلحاح، هو لماذا تصرجماعة العدل والإحسان على أن تفوت على نفسها فرصة المشاركة في بناء الوطن، وهي التي تدعي روح الوطنية؟ إن كانت وطنية كما تدعي، رغم أن سلوكياتها ومواقفها تقول العكس، فهذه الجماعة لا تفوت فرصة للتنقيص من منجزات هذا الوطن الذي تعيش من خيراته وتنعم فيه بالأمن والأمان. وإن ذهبت تقارير مراكز بحث موثوق في صدقيتها إلى أن أغلب، بل كل الحركات الإسلامية السياسية تتبع بطريقة أو بأخرى أجندات خارجية، وهو ما أثبتته الأحداث في مجموعة من الدول.
فإن لم تكن جماعة العدل والإحسان تخدم برنامجا أجنبيا، فما يمنعها من أن تشارك بأبنائها الذين خبروا مجالات الحقوق والعلوم والسياسية في المساهمة للنهوض بهذا الوطن. إن كان من هو أعتى منها، وأعنف وأكثر راديكالية قد راجع نفسه وصار جزءا من هذا الوطن، فما الذي يمنع هذه الجماعة الهجينة من أن تشارك الفعل السياسي؟أقول هجينة لأنها  بتعبير نعوم شومسكي ذات بنية سياسية خارجية في حين أن بنيتها العميقة دعوية صوفية أو بالأحرى رهبانية.
واقع الأمر، أن ثلاث فرص أتيحت للجماعة ولم تحسن قراءتها؛ أولها، الربيع العربي حيث راهنت الجماعة على التغيير من خلال حركة 20 فبراير في حين أن التغيير الهادئ جاء من خلال دستور طموح وحداثي لم تتبين الجماعة مضامينه، رافضة رفضا مبدئيا نصوصه جملة وتفصيلا.
وثانيها، فوز حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الدينية بالانتخابات البرلمانية وما أسفر عنه الأمر من دينامية إيجابية، لكن لم تزد الجماعة إلا تعنتا وتحاملا على إخوان الأمس، وهو الأمر الذي حاول أمينها العام التكفير عنه مؤخرا عندما وصف حزب بنكيران بالحزب المجاهد، معتبرا في تعميم مقيت أن الاشتغال في وسط فاسد هو عين الجهاد.
أما الإشارة الثالثة التي لم يلتقطها رادار الجماعة ودائرتها السياسية التي تدور في فراغ وانتظارية هي المراجعات الفكرية لزعماء السلفية والمصالحة الهادئة الحكيمة مع أفراد من المجتمع  كانوا إلى زمن قريب يكفرون المجتمع والدولة معا.
وخلاصة القول، يبدو أن تسارع الأحداث أحرج الجماعة التي كانت تمني النفس بالاستحواذ على الحكم خاصة أن الجماعة ظلت حبيسة أضغاث أحلام مرشدها العام منذ سنة 2006. حيث كلما همت بالتفكير أو المراجعة إلا وصوت داخلي يذكرها برؤيا لم يكتب لها التحقيق. العجب العجب، كيف لأناس يؤمنون بالتربية والتكوين وقدرة الإنسان على تغيير نفسه أن ينكمشوا وراء فكر عدمي ومنغلق. لا عيب في أن يراجع الإنسان نفسه خاصة أن الجماعة لا تخلو من مفكرين ومنظرين ودكاترة، وشباب مثقف، لكن بالمعنى العامي المغربي” التقاف” أي العجز بكل ما تحمله الكلمة من معاني تأثير قوة سالبة للتفكير والتفاعل.
كيف أن هؤلاء وأولئك يضيعون فرصة خدمة وطنهم. هل من عقلاء بينهم؟ هل من حكماء بينهم؟ هل من متعظ من حكمة عبد الرحمان اليوسفي الذي كان محكوما بالإعدام وصار وزيرا أولا؟ هل من متفكر في كياسة وعقلانية الفيزازي الذين راجع قناعاته الفكرية بعد أن تفرقت به السبل، وأيقن  بأن الإسلام الوسطي هو المحجة التي صار عليه المغاربة منذ البدء. وهكذا، فهذا درس آخر للجماعة و خاصة للفضلاء والشرفاء لعلهم يستوعبوا أن دين المغاربة هو الإسلام الوسطي المعتدل بعيدا عن غلو الجماعات ومآربها السياسوية المحدودة الأفق.

{jathumbnail off}

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.