أدى أميرالمؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم صلاة الجمعة بمسجد “العلامة عبد الله كنون” بمدينة طنجة الذي دشنه جلالته بالمناسبة.
وبين الخطيب، في مستهل خطبتي الجمعة، أن الله بعث نبيه المصطفى، صلى الله عليه وسلم للعالمين، وجعله خاتما لكل الأنبياء والرسل، وأنزل عليه آخر كتبه الذي شمل ما جاء في الكتب السماوية التي سبقته فهو، إذن، نبراس تهتدي به البشرية جمعاء على اختلاف أجناسها وألسنتها وطباعها، كما أنه كتاب هداية وإرشاد.
وأوضح الخطيب أن القرآن الكريم جاء بقواعد كلية في تشريعاته وأحكامه العامة لتنظيم شؤون الأفراد والجماعات بما يكفل لهم الحياة السوية في دنياهم وأخراهم، كما جاءت السنة النبوية الشريفة شارحة لهذه الكليات والأصول ومفصلة لكل مجمل من آيات القرآن الكريم.
وأضاف أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان وقدِ انعقد عليها إجماع السابقين واللاحقين منَ المسلمين، كما أنها الشريعة الخاتمة التي نسخ الله بها ما قبلها منَ الشرائع، وأوجب الحكم بها والتحاكم َ إليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتوجه الخطاب بها إلى أهل الأرض كافة، من آمن منهم بالله واليوم الآخر، فلا بد، إذا، أن تكون منَ الصلاحية بحيث تلبي حاجاتِ البشرية في مختلِف أعصارها وأمصارها، وتحقق مصالحها في كل زمان ومكان.
لذلك، يقول الخطيب، فإن هذه الشريعة بنيت فيها الأحكام على المقاصد والمصالح في واقعها، وفي تغيرها بتغير الزمان والمكان، كما رسمت إطاراً عاماً وحدوداً أخلاقية يتطور المجتمع ويتحرك في نطاقها، تاركة للأجيال المتوالية تحقيق متطلبات العصور في ظل تغير الظروف الاجتماعية، عن طريق اجتهاد الفقهاء.
وذكر بأن المسلمين كانوا دائماً، في كل عصر وتحت أي ضغط، قادرين على التماس شريعتهم في مناهج حياتهم، ومنها استمدوا دائماً قوتهم على مواجهة التحديات، مبرزا أن بناء أحكام الفقه الإسلامي قائم على أساس الموضوعية والعدل والحق المجرد، والتحرر من كل دافع من عصبية أو مصالح ذاتية أو أنانية أو منافع شخصية ومكاسب فردية.
وأكد الخطيب أن الشريعة الإسلامية جمعت بين طرفي الواقعية والكمال، فهي تنظر إلى واقع الناس وتستجيب لحاجاتهم وتلبي الضرورات التي تحدث لهم، دون أن تهمل العادات والنظر إليها على نحو يحكم وحدة المجتمع، كما تقوم على جلب مصالح الناس ودفع الضرر عنهم وتحقيق العدالة، وتجعل الأصل في الأشياء الإباحة، موضحا أن الشريعة الإسلامية في أحكامها ومقاصدها كلها أخلاقية وتربوية، تجعل من القوانين مثلا عليا تكفل تحريك الضمير، بعد تربيته، ليكون حارساً أميناً على تطبيقها، كما أنها، قبل ذلك كله وبعده، ملزمة، لأنها من صنع الله تبارك وتعالى الذي ترد إليه الأمور كلها .
وأضاف الخطيب أنه لمواجهة الأمور والحوادث المتجددة في حياة الناس، يأتي الاجتهاد والقياس الذي لا يقدر عليه بشروطه إلا ذوو العلم والاختصاص، يبينون للناس ما هو حكم الله في ما يعرض لهم من الأمور والمشاكل، وأن هذا البيان من العلماء هو ما يسمى بالفتوى، أي بيان الحكم الشرعي فيما استجد من الأمور، مبرزا أنه، لهذه الاعتبارات المتعلقة بشروط المُفتي، وهي العلم والنزاهة والرشد والبعد عن الشهوات ولا سيما شهوة الزعامة والشهرة مع التحلي بالحكمة والاعتدال وقراءة العواقب، وجب على الناس ألا يقصدوا بطلب الفتوى إلا من توفرت فيهم هذه الشروط.
وبين الخطيب أن هذه الشروط لا تتوفر في الغالب في الفرد الواحد، ولا سيما في هذا الوقت الذي أدرك فيه الناس حكمة الإسلام في ترجيح الحق الذي يصدر عن الجماعة بدل الاطمئنان إلى ما يصدر عن الفرد الواحد، خصوصا في أمور الدين التي يتوجب فيها التيقن والاحتياط، داعيا جميع الناس إلى أن ينتبهوا إلى المصدر الذي تأتي منه الفتوى وإلى من يطلبها وإلى الغرض من طلبها، وأن يصموا آذانهم ويعرضوا بعقولهم عن كل مصدر مشبوه في هذا الموضوع.
وابتهل الخطيب في الختام إلى الله تعالى بأن ينصر أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، عنوان عز هذه الأمة المتشبثة بأهداب عرشه المنيف، ومحط آمالها في غد مشرق زاهر، وإن من أعماله، حفظه الله، في حماية الدين أن فسح للعلماء مجال العمل للاجتهاد ووفر لهم وسائل النصح والإرشاد وحملهم مسؤولية الإفتاء وصيانته من عبث التلاعب والجهل والتطرف والإفساد، وبأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
كما تضرع إلى العلي القدير بأن يغدق شآبيب عفوه وسحائب مغفرته ورحمته على الملكين المجاهدين جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، ويكرم مثواهما ويطيب ثراهما.
Source : https://dinpresse.net/?p=3004