منذ نزول الوحي جاء الدين الإسلامي الحنيف ليحقق مقاصد جليلة يجب على كلّ مسلمٍ ومسلمة أن يعيها ويعرفها حق المعرفة، هي حفظ الضرورات الخمس، وما فتئ العلماء يبنون الأحكام والمسائل المرتبطة بهذه المقاصد العظيمة تحقيقا للمصلحة العامة التي من اجلها شرعت الشرائع الإسلامية، فلّما غاب العلم وتفشى الجهل، ظهرت الفتن والهرج والقتل كما نلاحظ يوميا عبر وسائل الإعلام في مختلف بقاع العالم العربي والإسلامي، دون مراعاة لهذه المقاصد، ومن أجل ذلك فإنّ كلَّ عملٍ تخريبي يستهدف الآمنين مخالف لأحكام شريعة ربّ العالمين، والتي جاءت بعصمة دماء المسلمين والمعاهدين، فكيف إذا كان ذلك في بلدٍ مسلمٍ آمن، هو مهبط الوحي والرسالة والنور الذي يشع في جنبات الأرض كلها!! لا شك أن ذلك أشدّ حرمة بإجماع علماء المسلمين، فضلاً عمّا في ذلك من هتك لحرمة الأنفس والأموال المعصومة، وهتك لحرمة الآمنين المطمئنين في مساكنهم، وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار.
إن شرعية السلم في الإسلام تأتي من قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} ) البقرة:208). وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَه “.
إن أهمية السلم الاجتماعي قد تجاوزت الحق الإنساني لتجعله فريضة إلهية، وواجباً شرعياً، وضرورة من ضرورات استقامة العمران الإنساني، و إقامة مقومات السلم الاجتماعي الأساسي لإقامة الدين، فرتبت على صلاح الدنيا بالأمن صلاح الدين .
لا شك أن الإسلام – يعطى ويولى اهتماما كبيرا لمسألة السلم الفردي والجماعي الاجتماعي ويدعو إلى التحلي بالفضائل والقيم والمبادئ، وينهى عن الرذائل- وكل ما من شأنه أن يؤدى إلى زعزعة الآمن الاجتماعي – كطريق يؤدى إلى نشر الآمن الاجتماعي بين الأفراد والجماعات والأديان والأمم والشعوب.
إن السلم الاجتماعي بمفهومه الشامل معناه: أن يعيش الفرد ويحيا حياة اجتماعية آمنة مستقره على نفسه وأمواله وأملاكه ودينه ومعتقداته ومكانه الذي يعيش فيه. ذلك أن الحياة الاجتماعية الآمنة منة من الله للإنسان بصرف النظر عن عقيدته ودينه ولونه ولسانه؛ كما أن السلم يعد من أهم المقومات التي حرص الإسلام على تحقيقها بكافة الوسائل والسبل. فهو نعمة من نعم الله على الإنسان وبفضل هذه النعمة يعيش الإنسان مع نفسه ومع الآخر في أمن وأمان واستقرار والعكس صحيح. فقد ورد في دستور الإسلام مبادئ انسانيىة تحث على الأمن والتعايش السلمي ونبذ الكراهية والعنصرية والمعاداة للإنسانية جمعاء. فقد كان عمر ابن الخطاب رضى الله عنه –قاضيا على المدينة المنورة عهد أبى بكر الصديق، وقد طلب من أبى بكر إعفاءه من القضاء فقال أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال : لا ياخليفة رسول الله، ولكن ليس بي حاجة عند قوم مؤمنين: عرف كل منهم من له من حق فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر فى أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم افتقدوه وإذا افتقر أعانوه وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب واسوه؛ دينهم النصيحة، وخلقهم الآمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ففيم تختصمون؟.
انه وصف رائع وجميل لمجتمع أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة على هدى من أخوة إنسانية ودينية آمنة . وما يتمتع به من سلام وأمن اجتماعيين. قاما على منهج الإسلام الذي رسم الطريق لبناء مجتمع ينعم فيه أفراده بالأمن في ظل وحدة العقيدة.
إن النصوص القرآنية فيما يخص السلم والأمن الاجتماعيين في مجملها تنهى عن الاسائة الى الغير والكراهية والحقد والانتقام وزعزعة أمن وسلامة المجتمع، وتدعو إلى إنشاء المجتمع الآمن والمتزن، من شأننا إذا التزمنا بهذا النهج القويم في عالمنا اليوم سيؤدى بنا حتما إلى نشر قيم السلم والأمان والاستقرار بين الأفراد والمجتمعات وحماية وحفظ الأمن والآمان للمواطنين.
إن دين الإسلام هو منبع ومصدر الأمن، وهو يبنى الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية بين المواطنين على أساس استتباب الأمن في النفوس وفى القلوب وفى العقول وفى المجتمعات والدول وبدون ذالك لن تستقيم الحياة. والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على أهمية وضرورة الأمن، وعلى أن من حمل على المسلمين السلاح أو بمجرد التهديد به ,فليس منهم، فقال صلى الله عليه وسلم: “من حمل علينا السلاح فليس منا “. ويوضح رسول السلام والانسانية جميعا أهم سمات المؤمن الصادق في إيمانه، وهي سمات الأمان، فيقول صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن من آمنه الناس على دمائهم وأموالهم) .
إن صناعة السلم ليست مسؤولية جهة دون أخرى، بل لابد من تظافر جهود الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني والدولة في تحقيقه وتزكيته، ولن يكون ذلك إجمالاً إلا بإيمان عميق، وخلق وثيق، وتحديد دقيق مَن العدو ومن الصديق؟!، ويتم الإعداد لمقاومة العدو الحقيقي، فبغيره نحن أعداء بعضنا، وسيوفنا إلى رقابنا، وغضبنا نار حارقة لإخواننا وأخواتنا، وبني جلدتنا، أما تحديد العدو الخارجي فيجمع طاقة العداء نحو هدف حقيقي، ويبقي طاقة الود، وشعور الحب مع كل مسلم أو مواطن أو شريك أو جار حسب عدالة الإسلام التي جعلت القسط والبر لكل إنسان لم يقاتلنا أو يساند من يحاربنا.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=3002