يبدو أن التقاطبات والتجاذبات بين الأجنحة المتعارضة في الحقل الصوفي المصري قد وصل مداه في الأيام القليلة الماضية بعد ان بدت في الأفق بوادر تكريس إقصاء عدد من الطرق الصوفية من الحق في المشاركة بانتخابات المجلس الأعلى للطرق الصوفية التي تقتصر وفق القانون المنظم للمجلس على الطرق التي يحمل شيوخها الجنسية المصرية فقط.
وهو ما دفع بعدد من الطرق الصوفية الاخرى خاصة ذات الأصول المغربية مثل ( العصبة الهاشمية والكتانية الشاذلية والبرهانية والدسوقية الشاذلية والبودتشيشية القادرية) وغيرها الى التكتل في جبهة جديدة أطلق عليها اتحاد الطرق الصوفية ومطالبتها بضرورة تغيير قانون انتخاب مشيخة الطرق الصوفية وفتح باب الترشح أمام الجميع على قدم المساواة .
وهذا ما دفع بعبد الله الناصر حلمي، الأمين العام للاتحاد،الى التصريح لجريدة الدستور المصرية بان “قانون المجلس الأعلى للطرق الصوفية الحالي والذي تقوم عليه شئون المشيخة حتى الآن هو قانون ظالم ومتطرف وعنصري ولا ينتسب إلى الإسلام أو التصوف بأدنى صلة – حيث يحرم كل الطرق الصوفية العاملة في مصر أكثر من عشرين طريقة ) من المشاركة في انتخابات المجلس بحكم أن شيوخها لا يحملون الجنسية المصرية .
ولم تقتصر المسالة على هذا بل هناك حرب اخرى طاحنة تدور رحاها كذلك حول من يتولى منصب مشيخة الطرق الصوفية من جهة بين كل من الدكتور عبد الهادي القصبي الذي يتولى مشيخة المجلس والشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية الطامح الى التربع على منصب شيخ المشايخ بعد ان قضى القضاء الإداري بحل المجلس الحالي وإعادة الانتخابات و من جهة اخرى بين المشيخة الحالية و الائتلاف العام للطرق الصوفية الذي يراسه مصطفى زايد حيث وجه انتقادات شديدة اللهجة لشيوخ الطرق الصوفية المتصارعين “إننا نذكّر أنفسنا ومشايخنا أنكم قدوتنا، فلا لوم على المريد إذا حاد الشيخ عن النهج والطريق.. تذكروا أيها السادة أن مصر تمر بمرحلة من أخطر المراحل في تاريخها، مرحلة لا تتحمل أي خلاف.. ولما الخلاف أصلًا على كرسي مشيخة زائل يوما ما لا محالة؟.. أنتم بأفعالكم هذه تمكنون أعداء مصر منها”.
كما طالب بتدخل شيخ الازهر من اجل إيقاف هذه المهزلة التي يشهدها الحقل الصوفي وإيقاف الصراع حول مشيخة الطرق الصوفية لأنه لا يليق بالمتصوفة يتصارعوا حول المناصب بهذه الكيفية التي تؤدي إلى إعطاء صورة سلبية حول التصوف
الإشكال الحالي الذي يعاني منه الحقل الصوفي المصري لم يكن وليد اللحظة بل هو نتاج تراكمات تاريخية أدت إلى هيمنة قوى معينة على تدبير الشأن الصوفي بدعم من السلطة السياسية الحاكمة وهو ما أوقع التصوف في مصر في مأزق خطير بدا واضحا خلال مرحلة الربيع العربي والثورة المصرية حينما تموقعت الطرق الصوفية في صف الاستبداد ودعم الديكتاتورية ومعاداة التيارات الإسلامية الاخرى وهو ما انعكس بشكل سلبي على البيت الداخلي و على القدرة في الاستمرار كفاعل مجتمعي مفروض فيه الانحياز لمصالح الشعب و التزام الحياد في عملية الصراع على السلطة .
الصراع بين القصبي و ابو العزايم حول من يتولى رئاسة المجلس الاعلى للطرق الصوفية هو انعكاس لصراع سياسي على مستويين – اولا على مستوى داخلي يحكمه التسابق في خطب ود النظام الجديد الذي يقوده العسكر بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان ومحاولة ايجاد موطا قدم متقدم في الحياة السياسية والدينية المصرية في حالة ما اذا تولى عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر .
وهو ما عبر عنه محمد عبد الخالق الشبراوي، شيخ الطريقة الشبراوية ورئيس جبهة الإصلاح الصوفي،بقوله ( إن الطرق الصوفية في انتظار قرار مجلس الوزراء بتحديد موعد لإجراء انتخابات المجلس الأعلى للطرق الصوفية)
اما على المستوى الخارجي فالمشهد الصوفي المصري اصبح مجالا لصراع اقليمي خليجي ايراني يتمظهر في التنافس المحموم بين جناح عبد الهادي القصبي المدعوم خليجيا و جناح ابو العزايم المدعوم ايرانيا واللذان يتصارعان بشكل واسع حول اكتساح المساحات الدينية في المشهد المصري عبر بوابة التصوف.
فمن المعلوم ان الدعم الإيراني للتصوف الطرقي في مصر ينحو في اتجاه مشروع نشر التشيع و استغلال الارتباط الروحي للمصريين بأضرحة ال البيت الموجود في مصر كضريح سيدنا الحسين والسيدة زينب من اجل تحويلها الى مزارات شيعية وتحويل مواسمها الى مناسبة لممارسة الطقوس الشيعية والاستقطاب الشعبي.
أما الدعم الخليجي للطرق الصوفية فمن الناحية العملية لا يعكس توجها دينيا جديدا لدى حكام الخليج وإنما مجرد رد فعل تكتيكي من اجل مواجهة تيار الإخوان المسلمين ومحاولة خنقه على المستوى الديني بعد إن تم دعم عملية الانقلاب العسكري والسياسي التي يتزعمها المجلس العسكري والقوى العلمانية وحزب النور السلفي ويتبين ذلك من خل الدعم المالي الكبير الذي قدمته السعودية والإمارات بصفة خاصة للانقلابيين.
لقد حاولنا في متابعتنا للشأن الصوفي منذ البواكير الأولى للثورة المصرية ان نلفت الانتباه إلى خطورة توظيف التصوف في اللعبة السياسية وفي الصراع الدائر على السلطة بالشكل الذي هو عليه اليوم في مصر لأنه سيؤدي في النهاية الى تشويه التصوف وضرب منظومته الأخلاقية وهو ما يحدث اليوم بالضبط بعد الخرجات الإعلامية المؤسفة لبعض المحسوبين على التصوف في اتجاه تأييد المذابح التي ارتكبت في مصر بعد انقلاب 30 يونيو 2013 حيث انعكس ذلك بشكل جلي على البيت الداخلي من خلال الصراع على المشيخة الذي ليس في حقيقة الآمر سوى وجه أخر للصراع الدائر على اقتناص السلطة في مصر التي تتحكم فيها حاليا قبضة العسكر.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=2967