قال الله تعالى في محكم التنزيل:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِين} [سورة الروم الآية 22].
هذه الآية الكريمة صريحة في كون تعدد اللغات واختلاف الألسُن يعد مظهرا باهرا من مظاهر عظمة الله وقدرته وبديع صنعه. والحقيقة أن كل شكل من أشكال التنوع والاختلاف في هذا الكون هو في الحقيقة آية من آيات الله ونعمة من نعمه. فالتنوع اللامتناهي يدل على القدرة اللامتناهية وعلى الإبداع اللامتناهي.
ومن فوائد نعمة التعدد والاختلاف أنه يكسر الرتابة والملل، ويضع أمام الناس حياة غنية شهية، وخيارات متنوعة كثيرة، لأسماعهم وأبصارهم وألسنتهم وأذواقهم وأكلهم وشربهم… وعلى سبيل المثال: ما من إنسان إلا وله طعام مفضل هو أشهى ما يشتهيه ويلتذ به، وله عكس ذلك أيضا. ولكن إذا أطعمناه دوما أشهى أكلاته وحدها، دون تنويع فيها ومعها، فسوف يملها ويكرهها، وربما يفضل الجوع عليها، وسيجد نفسه في يوم من الأيام يشتهي ويطلب الأكلة التي كان يمجها ويرفضها. وهكذا في كل شيء…وهذا مجرد جانب من جوانب آية التنوع ونعمته.
وأنا مرارا أجلس للاستماع والاستمتاع، بالنظر والإنصات إلى أشخاص يتحدثون بلغات لا أفهم منها شيئا، كالتركية والروسية واليابانية. لكني أقف متأملا في نطقهم وألفاظهم ونبراتهم وطرائقهم في التعبير… ولكن عجبي لا ينتهي حين أفكر وأتأمل كيف أني لا افهم من هذا المتحدث حرفا واحدا، بينما غيري يفهمونه فهما تاما وحرفا حرفا! ثم أتعجب أكثر حين أفكر في وجود آلاف اللغات ومئات الآلاف من اللهجات على هذا المنوال! (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِين).
على هذا الأساس أنظر إلى الجهود الجارية في بلادنا لصيانة اللغة الأمازيغية وترقيتها وتقويتها. ورغم أنني لا أعرف أحدا يقف ضد هذا الهدف المشروع والنبيل، إلا أنني أقول: إن من يقف ضده فإنما يقف ضد آية من آيات الله وضد نعمة من نعمه، مثلما أن من يؤيده فإنما يحتفي بآية من آيات الله ويعظمها.
والحقيقة أنني لا أخشى على هذا المشروع إلا من المغالين والمؤدْلَجين والذين في قلوبهم مرض. ولكن الأيام – طالت أو قصرت – كفيلة بتعريتهم والحكم عليهم، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [سورة البقرة: 220].
{jathumbnail off}
Source : https://dinpresse.net/?p=2921