هناك سؤال كبير يطرح نفسه بإلحاح على مستقبل تجديد قضايا الفكر الاسلامي المعاصر ، وفق متطلبات مقاصدية تستدعي توحيد صفوف الكفاءات وقدرات الموارد البشرية لعالمنا الاسلامي وإعدادها لحسن توظيف الموارد الفكرية والطبيعية والاقتصادية ، وتمكينها من منافسة حضارية عالمية. ولعله سؤال يحفزنا على التفكير في آليات جديدة،لإستثمار إمكانيات هذا العالم الكبير بوحدة عقيدته ،بلغته، بواقعه ومصيره المشترك، وتحفيز قدرة الارادة لإنجاح هذه الوحدة ، ألم يحن الوقت للمسلمين أن يتوحدوا ؟ ألم يحن الوقت للتحرر من أسر الموروث التاريخي المثقل بتكلساته الجيولوجية في نحت طبقات الصراع المفتعل؟ هل يزال صراع المشيخة و المذهب والطائفة والانتماء الضيق ، أكبر من الإسلام ومقاصده؟؟ هل يمكن تحقيق اللحظة الحاسمة التي يجعل فيها الإسلام فوق الطائفة والعرق واللغة والمذهب والانا والأنت؟ فنحن مسلموا اليوم لم نحدث الخلاف ،بل ورثناه وراثة ،وأحييناه بمنطق العصبية والانفعال فهل سنتمكن زمن الثورات، تحقيق ثورة على هذا الأسر التاريخي الذي يكبل ضمير الأمة ويعيق مشروعها الوحدوي ؟!
هذه أسئلة وغيرها تجعلنا نعيد النظر في مقاصد الوحدة الثقافية ومستقبلها في تمكين الأمة الاسلامية مستقبلا ، وهي مقاصد ترتقي بجسور وحدة الغاية والوسيلة لتحقيق أهداف التمكين الحضاري على المستويين النظري والعملي.
فالأمة الموحدة ثقافيا هي التي تجمع وتلاقي بين شعوبها للتفكر والعمل بأسلوب متقارب على الأقل في معالجة القضايا نظريا، وفي الإنجاز العملي للحياة نظماً إدارية واقتصادية وعمرانية، وفنوناً وعلاقات اجتماعية وتقاليد وعادات. فكيف يمكن أن نصحح العقيدة والرؤية الكلية القائمة عليها بحيث نجعل منهما وسيلة ومنطلقا لإيجاد وعي عقيدي صادق يتسم بالإرادة والحيوية والحركة قادر على فهم التاريخ، وتحليل عناصره، واستيعاب دروسه، وتحويلها إلى محرك للفكر والوعي بإدراك العلاقات المتينة بين سلامة العقيدة، وصحة الرؤية الكلية الشمولية ، وقوانين القوة والطاقة المادية والمعنوية، هذه القوانين التي بثها الله -تبارك وتعالى- في القرآن والإنسان والكون، وهي قوانين وسنن ثابتة يتحمل الإنسان مسئولية اكتشافها ومعرفة آليات توظيفها واستثمارها لإحداث التغيير والسير نحو تحقيق نهضة الأمة ،فالوحدة الثقافية بهذا المعنى المنهجي تبنى على أسس منهجية مشتركة في التحليل والتشاور والحوار، والتشارك والتنسيق وتبادل الخبرات والكفاءات والتنافس المحمود ، وتفضي حتما إلى احترام الفوارق وخصوصيات التنوع والاختلاف لتصل في النهاية إلى تحقيق وحدة الأمة المنشودة في الغاية والأهداف .
وبهذا المعنى يتلخص مفهوم الوحدة الثقافية في الإجابة الفكرية الواعية عن سؤال التحدي المطروح أمامنا وهو كيف تنجح الأمة في إدارة اختلافاتها ،وتحديد مقوماتها وإمكاناتها لتتشارك وتتعاون في حل معضلات الأمة ؟
كل من موقعه وبطرحه ومشروعه وآليات وطرق ترتيب أولويات نجاحه من غير ضرورة لتطابق وجهات النظر في كل شيء كما يفهم خطا من الوحدة ،قيمة الوحدة في اختلاف وتنوع طرق ووسائل تحقيق أهدافها وغاياتها .
إن غاية الوحدة تحريك مقاصد ما هو ساكن ،وإنشاء فضاء جديد وايجابي للتفكير بقضايا الأمة وعدم التراجع أمام التحديات ،لا بل البحث عن خيارات بديلة وممكنة تستطيع أن توقف التراجع وتستنهض أبناء الأمة وتغير الوقائع السلبية.
ومن ثم يمكن القول إن استشراف مستقبل الأمة القريب في ضوء المنافسة الحضارية العالمية، هو واقع يجب التعامل معه بداية بتخليص مفهوم المنافسة والمشاركة من مبادئ الصدام التي تروج لها أبواق ودوائر سياسية سوقت ولازالت لمشروع الصدام مع الإسلام بعناوين مختلفة ووسائل إعلامية ضخمة ،ولكن ما هو البديل الذي يجب أن تتجه الأمة لبنائه داخليا على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبناء المعرفة وتنمية القيم ؟ وكيف يقود الإسلام مشروع الوحدة و التنمية والبناء الحضاري الفاعل ؟
قد تختلف الإجابات حول هذه الأسئلة ماضيا وحاضرا ومستقبلا في سبيل كشف الحقيقة ولعل تناول واقع العالم الإسلامي في الوقت الراهن هو أحد السبل في تلمس أفق هذه الحقيقة، حيث إن من أهم السمات البارزة التي يتسم بها هذا الواقع العربي والإسلامي المعيش هو التجزئة والصراعات البينية، والتخلف الاقتصادي، المؤدي للتبعية للأقوى صحيح أن ثمة فارق بين الشعار أو الاقتراح، وبين البرنامج العلمي المخطط الذي يرسم هذه الحلول وهذه المجالات من خلال مشروع حضاري يقبل التنوع، ولا يمنع من القول من الدعوة إلى الوحدة في الإنتاج، الوحدة في التقارب البيني، الوحدة في المعارف، الوحدة في الإقتصاد، الوحدة في ثقافة الوحدة.
* أستاذة التعليم العالي
رئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية
المصدر: صفحة Mariam Ait Ahmed الدكتورة مريم أيت أحمد في الفيسبوك.
{jathumbnail off}
Source : https://dinpresse.net/?p=1650