نظرة في العمل التطوعي… والتصوف المنافق

مصطفى اكن
2019-11-01T23:29:58+01:00
آراء ومواقف
مصطفى اكن9 مايو 2013آخر تحديث : الجمعة 1 نوفمبر 2019 - 11:29 مساءً
نظرة في العمل التطوعي… والتصوف المنافق

د. مصطفى اكن*
د. مصطفى اكن*
يعتبر العمل التطوعي سواء كان فرديا أو جماعيا من بين أهم الأعمال ذات البعد الاجتماعي التي من شأنها أن تعود بالنفع على عموم المواطنين، وقد جعل فيلسوف النهضة مالك بن نبي رحمه الله المجتمع الذي يسود فيه مناخ المبادرة وتخبو فيه عقلية الانتظارية مجتمعا مستعدا للنهضة، في حين رأى المجتمعات ذات النزعة الانتظارية مجتمعات سلبية لا يمكنها أن تنهض إذ هي “متصوفة اجتماعيا”، والفرق الوحيد بين هذا النوع من التصوف وبين التصوف الديني أنه استعاض عن السبحة بورقة التصويت يوم الاقتراع، فأصحاب المذهب الثاني يتناولون السبحة وينتظرون الكرامات الربانية والفتوحات الإلهية، فيما يجري أهل المذهب الجديد مجرى انتظار الدولة أن تقوم بكل شيء بعد الإدلاء بالورقة السبحة..

إن المجتمعات التي تعطي العمل التطوعي المكانة اللائقة به، والتي تبقي جزء من مسؤولية التنمية ملقاة على عاتقها، هي بالضرورة مجتمعات الضمير الجمعي فيها متقد، وهي التي تستطيع إحراج إدارتها عن طريق المساهمة في الحل بدل الركون إلى المشكل والاكتفاء بنقده أو ربما المساهمة في تزكيته و تكريسه، إن هذه المسلكيات ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى كي نستطيع بناء نهضة المجتمعات العربية خصوصا في حلتها الجديدة التي فرضها سياق الربيع العربي، إذ لا يمكن أن يقوم بالاصلاح من ينتخب فقط، بل التعاون مطلوب قطعا، فالتركة عظيمة والخراب موغل، ولابد لتجاوزه من تآزر المعنيين.. والمجتمع المدني يقع في قلب الخارطة..

ولأن قطاع الصحة من بين القطاعات الحساسة التي تنهض بالمجتمع متى انتهضت وتنزل به متى انخرمت، فهي مؤشر دقيق على مدى تقدم المجتمعات، إذ كلما كان الولوج إلى العلاج سهلا لدى عموم الناس، ازداد منسوب الأمن الصحي لديهم وارتفع منسوب الاحساس بالكرامة الذي يعتبر شرطا ضروريا من أجل تحقيق الانتاج والاقلاع، ومن ثم كان مؤشر التنمية مرتفعا،  فإن النهوض بها كان من أولى الأولويات.. والمسؤولية طبعا تقع على الدولة باعتبارها المتدخل المباشر، لكن أيضا على هيئات المجتمع المدني وموظفي الصحة والأطباء خصوصا سواء فرادى أو منظمين في جمعيات..

إن الفاعلين في قطاع الصحة خصوصا الأطباء مدعوون اليوم للاستجابة لنداء الوطن من أجل فك العزلة عن فآت عريضة من المجتمع المغربي، لم تتح لها الظروف الاجتماعية والاقتصادية  وأحيانا الإشراطات الثقافية الولوج للخدمة الصحية في شكلها العلمي والحديث، فاليوم يتوجب على الأطباء النظر بجدية إلى هذا الأمر، أولا من أجل توفير حد أدنى من الخدمات الصحية من تقصي وتشخيص الأمراض وعلاجها في الحدود التي تتيحها منح الأدوية من الدولة والمختبرات والهيآت ذات الصلة، وثانيا من خلال التواصل المباشر مع الأفراد والجماعات لبث المزيد من الوعي الصحي وإقناع الناس بجدوائية زيارة الطبيب، وأهمية ذلك في تأمين صحتهم..

ولابد من التذكير أن القوافل الطبية لا يمكن أن تقام وأن تستوفي أهدافها إلا بتدخل مجموعة من الفاعلين، في بحبوحتهم الأطباء إذ هم رأس الحربة في هذه العملية وعليهم قوام الأمر كله، ولكن بغياب الفاعلين الآخرين تفقد العملية برمتها وهجها وفاعليتها في أحايين كثيرة، فجمعيات المجتمع المدني التي لها احتكاك مباشر بالساكنة عليها أن تكون صاحبة البدار لتنظيم هذه الأنشطة الخيرية، وكلذلك الجمعيات الطلابية خصوصا التي تشتغل داخل كليات الطب والصيدلة، وإن للمختبرات والمستشفيات دورا أساسيا في تموين هذه القوافل بالأدوية والمستلزمات الضرورية، وما البلديات والجماعات الترابية وما انتحى منحاها عن هذا الأمر ببعيد، فهي صاحبة التراخيص وتوفير أماكن الفحص والمساهمة في توفير النقل وتحصيل الظروف المناسبة لإتمام مثل هذه العملية الاجتماعية،.. كل هذه الأطراف وجب اتحادها من أجل مساهمة المجتمع في سد هذا الفراغ المهول في قطاع الصحة في بلدنا والذي يكتوي بناره آناس كثيرون لا يجدون حولا ولا طولا..

قد يبو الأمر في البداية بسيطا، ولكنه خير حتما من الانتظارية وهذا التصوفِ المنافق الذي آلت إليه المجتمعات العربية، ولا مناص لنا إن أردنا تحصيل النهضة التي انبرى مفكرو العرب منذ قرن ونيف يبحثون شروطها، أن نغير من هذه العقلية التي أصابت جسدنا بالهزال لنصبح يدا واحدة تذر ديار التخلف بلاقعَ، وتشيد للتقدم حصونه المتينة، هذا وإن أول الغيث قطرة،.. وأيما مجتمع يملك الأفكار وينميها ويقنع بها لابد هي فاعلة في دنيا الناس أمرا جللا ولو بعد حين.. ومن خان أفكاره المرجعية الناظمة لإيقاع حياته المجتمعية ابتداء، صار لحنه نشازا وانتقمت منه أفكاره كما يقول بن نبي رحمه الله، وما التخلف الذي نعيشه اليوم، إلا نتاج انتقام الأفكار الكبيرة التي خناها أفرادا وجماعات حين تنكرنا لقيم الخير والتعاضد والعمل والجد والانتاج والبحث العلمي وصرنا تبعا لكل هاوية، ولن يصلح أمرنا إلا بعد تصالحنا مع أفكارنا المرجعية، آنذاك سيصير اللحن منسجما وسنجد موطئ قدم بين الأمم..

 

* مصطفى سعيد اكن:
طبيب داخلي بمستشفى محمد الخامس بمكناس

{jathumbnail off}

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.