تتبعت التفاعل الحواري والنقاش الذي أحدثته فتوى المجلس العلمي الأعلى عن حرية المعتقد (حد الردة في الإسلام)، وقبل أن أبدي بعض الآراء في الموضوع يحسن أن أشير إلى الأفكار التالية:
– إن الفتوى صادرة عن هيئة تابعة لمؤسسة دستورية مما يعني أن الفتوى يجب أن تتسم بصبغة الإلزام الذي تكتسبه من دسترة المجلس العلمي الأعلى؛
– الفتوى تم بناؤها وتكييفها فقها بناء على سؤال وجه إلى الهيئة المكلفة بالإفتاء داخل المجلس وبإيعاز منه، وفي هذه الحالة يتوجب على الهيئة إبداء رأيها الشرعي في المسألة ولا شيء غير الرأي الشرعي الملزم للمؤمن والمسلم على حد سواء؛
– أن الفتوى راعت في استصدارها مفهوم المواطنة وهو ما يلامس من خلال تنصيصها على حكم المخالف للأغلبية في الدين الإسلامي؛ حيث نصت على حريته المطلقة في المعتقد ممارسة ومدارسة؛
– الفتوى جاءت نصية ولا مجال فيها للتأويل بالنسبة لجمهور الناس وأقصد المقلد؛ فهذا الأخير التقليد أسلم له في هذه الحالة لأن الأمر يتعلق بأصل عام.
نتوجه الآن بعد عرضنا للأفكار أعلاه إلى إبداء ما عن لنا من خلال قراءتنا للفتوى وللنقاش الذي أعقبها في شكل تصريحات أو في شكل كتابات منشورة:
1- التذكير بأن حرية المعتقد – كما يروج لها اليوم- جاءت على أنقاض الحروب الدينية داخل الديانة المسيحية وبخاصة بين المذهب الكاثوليكي والمذهب البروتستانتي، ويمكن إضافة إليها الوصاية الفكرية التي كانت تفرضها الكنيسة على العقل البشري، وعلى إثر ذلك ظهرت كتابات تنويرية تدعو إلى نبذ العنف وإحلال التسامح والحرية، ومن هنا جاءت فكرة حرية المعتقد والقصد كان هو تمتيع أتباع الديانة المسيحية باختيار المذهب الذي يرونه مستجيبا لحاجاتهم الروحية ولكن داخل إطار ديني عام هو الديانة المسيحية.
2- إذا أردنا أن نسقط هذا المفهوم لحرية المعتقد على المجتمع المغربي فإننا سنجد بأن المغاربة لا ينبذون كل من خالفهم في المذهب فقها أو عقيدة، وإنما يتعايشون معه باحترام كبير، ويوفرون له المساحة كي يعبر عن آرائه المذهبية دون تقييد. والساحة الدينية اليوم داخل الوطن تعج بأفكار دينية كثيرة: فهناك الخطاب السلفي أو السلفي الوهابي، وهناك بعض الأصوات للمذهب الشيعي، وغيرها. هذا وإن كان الغالب لدى المغاربة وحدة المذهب الفقهي والعقدي، إلا أن الدولة تتسامح مع مثل هؤلاء من رعاياها كما لا تبادر إلى معاقبة الداعين إلى تناول الأكل في نهار رمضان جهارا علهم يتراجعون يوما عن ذلك، مع العلم أن الأمر يعد مسا بالنظام العام الذي من واجبات الدولة السهر على المحافظة عليه.
3- إن الفتوى وإن كانت كلاما محضا في الدين، فهي لا تخرج عن المكونات الأساسية للدولة المغربية التي أفصح عنها الدستور الأخير باعتباره وثيقة مجمعا عليها من طرف جميع شرائح المجتمع المغربي؛ دينية كانت أو حقوقية، وهكذا نقرأ في تصديره بأن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة”، وبأن “الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها”، إضافة إلى تنصيصه على أن الأمة تستند “في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد” ونقرأ أيضا في الدستور “الإسلام دين الدولة والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”.
———-
* الحسين حران باحث بسلك الدكتوراه بمؤسسة دار الحديث الحسنية تخصص الحوار الديني والحضاري. وخريج كلية الحقوق بالرباط تخصص العلوم السياسية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=1250