اختتمت مساء الأحد الماضي بمراكش، أشغال الورشة العلمية التي نظمتها مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، تحت عنوان “الإسلاميون ما بعد الربيع: المواقف، سؤال التجديد، الآفاق”، طيلة يومي السبت والأحد 30 و31 مارس 2013.
وتميزت الورشة بمشاركة العديد من الباحثين من شتى الحقول المعرفية، من أجل مسائلة وقراءة الواقع العربي بشكل عام في سياق صعود الحركات والأحزاب الإسلامية إلى السلطة في بعض الدول العربية، حيث وجدت الحركات الإسلامية نفسها أمام تحدي تعريف الدولة أو بالأحرى تحديد مفهوم الدولة بمعناه الحديث، بحكم أن الدولة المعاصرة ليست هي الدولة التي، قد يخلط بعض الإسلام السياسي، بينها وبين ما كان سائدا في التاريخ الإسلامي، حيث “بقي أهم إشكال يطرح على هذا الصعيد هو مسألة شكل النظام السياسي ومضمونه، سيما وأن النموذج الشمولي للحكم أصبح منبوذا لدى كل الشعوب بما في ذلك لدى الحركات الإسلامية نفسها. غير أن النظام السياسي البديل لدى هذه الحركات يبقى مجهولا على وجه العموم”، كما نقرأ في الأرضية المؤطرة لهذا اللقاء العلمي.
راهنت الورشة خصوصا على مقاربة مجموعة من الأسئلة والإرهاصات، ومنها الأسئلة التالية: هل تغيرت مواقف الحركات الإسلامية، أو ستتغير، بعد وصولها إلى الحكم؟ وهل سيتأثر الإسلام السياسي بالواقع وينتهي إلى إسقاط الواقع على النص، أم سيستمر في توجهه الرامي إلى إسقاط النص على الواقع؟ وماذا عن قضايا التجديد الفكري والديني التي يفترض فيها رفد تجربة الحكم؟ وهل تتوفر هذه الحركات على القابلية والإرادة والطاقات الفكرية التي من شانها إنجاز هذه المهمة؟ وما هي الحلول التي سيقدمها الفاعل الإسلامي في المجال الاقتصادي؟ وكيف سيتعامل الإسلاميون مع قضايا الهوية والتعددية؟ وما هو وضع المجتمع المدني في ظل “الحكومات الإسلامية”؟. وما مضمون دساتير ما بعد الربيع الثوري؟ وهل ستتخذ الحركات الإسلامية من الديمقراطية مطية للوصول إلى الحكم أم ستكرسها مضمونا؟ وما شكل الدولة ومضمونها، هل هي دول دينية أم عسكرية، أم مدنية علمانية، أم مدنية بمرجعية إسلامية؟
افتتحت أشغال هذا اللقاء العلمي بالكلمة التي ألقاها الطيب بوعزة باسم مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، وهو مدير إحدى الوحدات البحثية في المؤسسة، واعتبر أن الحراك القائم منذ سنتين في المنطقة العربية، يُشبه منعطفا في الطريق، ومعلوم أن المنعطفات تتميز بغياب الوضوح، وهذه مهام المثقف للتفكير في رؤى واضحة تساعد المتتبع على قراءة المسار الصحيح.
وللتأكيد على أهمية أدوار المثقف، أكد بوعزة أنه ليس صدفة أن تكون الثورة الفرنسية المؤرخة بداية في 1789، جاءت في أواخر القرن 18 وبداية القرن 19، حيث سبق هذا التاريخ حوالي قرن من أدبيات “الفلسفة السياسية”، وهذا ما يغيب كليا في الساحة العربية، حيث لا يوجد لدينا “روسو عربي” أو “ديدرو عربي”، أو شيء من هذا القبيل.
واختتم الطيب بوعزة مداخلته الافتتاحية بالتأكيد على أن المؤسسة تراهن خصوصا على/ في الساحة الفكرية، وأنها تفتح الأبواب للاختلاف الفكري، لأن واقعنا العربي، يضيف الطيب، في أمس الحاجة إلى التعدد في الرؤى والأفكار.
قلاقل العلاقة بين الديني والسياسي
جاءت الورشة الأولى تحت عنوان “إشكالية العلاقة بين المجال الديني والمجال السياسي”، (تسيير إدريس لكريني وإعداد التقرير إكرام عدنني)، وتفرعت على محاضرة أولى لعز الدين العلام جاءت تحت عنوان “حدود التّقاطع بين الدين والسياسة”، (أشار إلى لائحة من الأسئلة التي تطرحها العلاقة الملتبسة التي تجمع بين الدين والسياسة في المغرب الرّاهن. ومردّ اللبس هنا يعود لعوامل تختلف من فاعل سياسي لآخر. فقد يتعلّق الأمر بضعف تاريخي يكتنف الدولة نفسها، وقد يتعلّق بتوظيف هذا “المقدّس المشترك” في معمعة العمل السياسي، وقد يكون مردّه ضعف الثقافة السياسية السائدة في قطاعات واسعة من النخبة المغربية، ناهيك عن مكوّنات المجتمع بنفسه”)، وعبد الجليل أميم (علاقة الدولة بالدين) والبشير المتاقي (“الإسلاميون المغاربة وتحديات المشاركة السياسية”، واعتبر أن المتتبع للخطاب السياسي للفاعلين السياسيين الإسلاميين المغاربة، من أتباع خط المشاركة، سيلاحظ تحولات هذا الخطاب بتغير المواقع التي يحتلها هذا الفاعل أو بناء على الهامش، من الانفتاح الذي يمكن أن يستثمره في تجديد مواقفه من الدولة، قصد تحصيل وضمان فرصة المشاركة المؤسساتية”)، هشام الهداجي (“الإسلاميون ما بعد الربيع: نظرات في الدين والسياسة”، ولاحظ أنه بـ”استحضار بعض ملامح التجربة السياسية في التاريخ العربي الإسلامي أننا إزاء “مجال سياسي” مزدوج أو إن شئت القول بأنه مجال سياسي بوجهين: الأول تقليدي و الثاني حديث، الأول يستبطن ويعيد إنتاج التجربة السياسية الكلاسيكية في شكل هجين، والثاني يحاول مقاومة الأول للاستقلال عنه”)، وأخيرا، مشاركة رشيد علمي الادريسي (من خلال قراءة في كتاب هانس بلومنبرغ الذي يحمل عنوان “مشروعية الأزمنة الحديثة”، ويعد هذا العمل من الكتب الأساسية في الفكر السياسي المعاصر، حيث يتناول تطور الأنساق الفكرية منذ العصر اليوناني إلى العصر الحديث، و بروز أشكال مختلفة من العلمنة، إذ يعتبر أن علمنة الفكر هي من العوامل التي ساعدت على قيام المجتمعات المدنية الحديثة).
مستقبل الإسلام السياسي مع التدبير اليومي
بالنسبة للورشة الثانية، فقد جاءت تحت عنوان: “مستقبل فكر الإسلام السياسي في ظل احتكاك بعض رموزه بالتدبير اليومي”، (تسيير عبد الرحيم العلام، وإعداد التقرير لمحمد طيفوري)، وعرفت مشاركة هاشم صالح بمداخلة تحت عنوان “كيف يمكن تحقيق المصالحة التاريخية بين الإسلام و الحداثة؟”، ومع أن الحضور كان ينتظر أن يفكك المحاضر كثيرا في هذا العنوان، فقد ارتأى خصوصا التوقف والاستشهاد بدروس تلك المصالحة التاريخية التي جرت بين المسيحية والإسلام، معتبرا أن الهدف عندنا في الساحة الإسلامية يبقى “تحقيق المصالحة التاريخية بين الإسلام والحداثة مثلما تحققت في جهة المسيحية الأوروبية بعد المجمع الكنسي التجديدي الشهير باسم “الفاتيكان الثاني”.
كما عرفت الورشة الثانية مشاركة عبد النبي حري (“مواقف إسلامية من المسألة العلمانية”، من خلال الاشتغال على أعمال عبد السلام رفيق وسعد الدين العثماني وعبد الله أحمد النعيم، الإسلام وأخيرا عبد الوهاب الأفندي الذي أصبح محاصرا ومنفيا من طرف الإسلاميين في السودان لأنه رفع شعار نقد التجربة الإسلامية هناك)، إبراهيم أمهال الذي أمتع الحضور كالعادة وشارك بمحاضرة تحت عنوان “الإسلاميون: من شعارات الهوية إلى إكراهات الوظيفة”، إكرام عدنني (“الدولة الإسلامية بين المدنية والمدنية”، مجتهدة في الإجابة على الأسئلة التالية: “هل نجاح قوى الإسلام السياسي يسير في اتجاه الدولة المدنية الديمقراطية ـ كما طالبت بذلك الشعوب العربية ـ وأكدت على تطبيقها حركات الإسلام السياسي في برامجها الانتخابية؟ وهل ستستمر الحكومات الإسلامية في تبني مبادئ الديمقراطية و الدولة المدنية أم أنها ستتعامل معها كوسيلة مؤقتة لشرعنة حكمها في الفترة الحالية، على أن تتخلى عنها فيما بعد؟”)، وأخيرا إدريس لكريني (“الحركات الإسلامية وتحولات الحراك العربي”، معتبرا على الخصوص أن “تناول أداء القوى والتيارات الإسلامية في المنطقة العربية في ظل الحراك والثورات الأخيرة يفترض تجاوز المقاربات التعميمية التي تضع هذه الحركات بمختلف أشكالها في سلّة واحدة، خاصة وأنها تتباين وتختلف من حيث طبيعة الفضاء القانوني والسياسي والاجتماعي الذي تشتغل فيه، والذي يتحكم بشكل كبير في توجّهاتها وأدبياتها وخطاباتها”).
التعددية السياسية والتعددية الهوياتية
أما الورشة الثالثة، والتي انطلقت ابتداء من صباح الأحد، فجاءت تحت عنوان: “التعددية السياسية والدينية والإيديولوجية والهوياتية”، (تسيير عز الدين العزماني، وإعداد التقرير للبشير المتاقي)، وعرفت مشاركة محمد بنطلحة بمحاضرة تحت عنوان: “الحراك العربي ودور منظمات المجتمع المدني” (اعتبر أن “سيرورة الديمقراطية تستجيب لسيرورة اجتماعية تطالب بدولة وليدة إرادة من صنع البشر، أي دولة يستطيع المجتمع أن يغيرها ويستبدلها، بحيث تكون للمجتمع حرية الحد من السلطة السياسية ومجالات نفوذها لأن ذلك وحده يوفر الشروط السوسيولوجية لنشأة مجتمع مدني”)، عبد الرحيم خالص (“الإسلاميون في الحكم والإيديولوجية المعاصرة”، وخلص إلى أن “واقعنا العربي والإسلامي، لا يزال يعاني على مستوى الفكر والثقافة من استشراء اللاعقل على العقل، والإيديولوجية على المعرفة العلمية، والانحلال والفساد في العلاقات الاجتماعية”)، عبد الرحيم العلام (“مستقبل الدولة بمفهومها الحديث في بلدان ما بعد ربيع الثورات”، وطرح بعض الأسئلة: “هل الدولة التي تسعى لتحقيق غاية نشر الدعوة وتطبيق أحكام الشريعة دولة دينية؟ ما هي أوجه الاختلاف بين الدولة الدينية والدولة المدنية في الفكر الإسلامي؟ وهل يمكن لدولة أن تجمع بين الفلسفتين: الدينية والمدنية؟)، وأخيرا محمد طيفوري (“الديمقراطية والمواطنة والتعددية في بلدان ما بعد الثورة”، وتوقف عند ثلاثة محاور: خطاب التعددية في مقابل خطاب الإقصاء؛ سؤال المواطنة في دول ما بعد الثورة؛ واقع ديمقراطية ما بعد الثورة، متسائلا في خاتمة هذا المحور: “هل الديمقراطية في البلدان التي شملتها الثورة قائمة على أسس متينة يؤطرها تعاقد اجتماعي سليم وواضح أم أنها لا تعدو أن تكون ديمقراطية الأمر الواقع؟ وهل نحن أمام ديمقراطية حقيقة أم أمام لعبة توازنات وتعايش مفروض؟ وما يمكن أن تفضي إليه في هذه البلدان التي تشهد صعود تيار الإسلام السياسي إلى دواليب الحكم؟ وهو التيار الذي لا تتوافق مرجعيته مع ما تفرضه الديمقراطية من قواعد”).
تكريس الديمقراطية مضمومنيا وإجرائيا
أما آخر ورشات هذا اللقاء العلمي، فقد جاءت تحت عنوان: “تكريس الديمقراطية مضمومنيا وإجرائيا” (تسيير هشام الهداجي، وإعداد التقرير لعبد النبي حري)، وعرفت مشاركة عبد القادر الخاضري (“العام والخاص كمدخل لفهم العلاقة بين الدين والسياسة”، وحاول بناء نموذج نظري يسعفنا في تحليل ودراسة ما يجري اليوم من تركيب جديد لعلاقة الديني بالسياسي في الدول العربية وما نتج عن ذلك من خطاب وخطاب مضاد)، عز الدين العزماني (“الإسلاميون، السلطة وآفاق الديموقراطية في سياق الحراك العربي”، وانطلق على الخصوص من فرضية مفادها أن “الديموقراطية حتمية تاريخية في المجال العربي، وأن دخول الإسلاميين في زمن السلطة هو نتيجة طبيعية لمشروعهم السياسي القائم على مركزية السلطة، وبالتالي فإن الديناميات المدنية التي تستهدف تنوير المجتمعات وتحرير الهوية من مجال السلطة، ستؤدي إلى تنصيب الموقف السياسي القائم على تأويل ديني، وتفتح المجال للتعددية التأويلية، وهو ما يعني أن “زمنية السلطة” بالنسبة للإسلاميين هي جزء من المرحلة الانتقالية ذاتها”)، عمر السويني (“دور الثقافة السياسية في عملية البناء الديموقراطي لدى إسلاميي ما بعد الربيع”، واعتبر أن “التجارب التاريخية لإرساء الديمقراطية الكلاسيكية والتجارب الحديثة للانتقال الديمقراطي تبين الدور الكبير الذي مارسه التحول في قيم الثقافة السياسية في إرساء الديمقراطية، واحتضان مؤسساتها وقيمها”، متسائلا: “إلى أي حد آثرت وستؤثر الثقافة السياسية للإسلاميين في عملية البناء الديمقراطي خاصة ما بعد الربيع؟”)، مولاي عبد الصمد صابر (“الديني والسياسي وتوظيف الفاعلين”، مؤسسا مداخلته على الاستفسار التالي: “هل يمكن أن نعتبر السياسة هي الكهف الذي يمنع حراسه المواطنين من الانعتاق من سجن آرائها ونزواتها الدنيوية؟ أم أن الدين هو الكهف الذي يحرض كهنته على أن يبقى فيه المؤمنون مطمئنين محميين من عبث الدنيا، وأن السياسة هي الداعية إلى فك قيودهم؟”)، رشيد أوراز (“الثمار الاقتصادية للمؤسسات الديمقراطية: آفاق الربيع الديمقراطي العربي”، وكانت مداخلته عبارة عن تقديم لخلاصات ثلاث مدارس فكرية حول علاقة الديمقراطية بالنمو الاقتصادي).
الديني والسياسي تقاطعات وأسئلة التجديد
وكان مسك الختام، مع محاضرة يونس قنديل، بعنوان “الديني والسياسي.. تقاطعات وأسئلة التجديد.. حوار مفتوح”، والتي تستحق التوقف مليا، لاعتبارات عدة، أهمها أن المتدخل تحدث باسم المؤسسة المنظمة والمحتضنة لهذا اللقاء العلمي (مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”)، كما أنها تضمنت العديد من الإشارات التي تطلبت فتح أوراش علمية جديدة قادمة في الطريق، ومن المفترض أن تنظمها المؤسسة لاحقا، لعل أهمها ورش علمي لتقييم أداء المؤسسات الدينية في الساحة العربية، وهذا مرتبط على الخصوص بالجاهزية العلمية للباحثين الذين يهمهم أمر الموضوع.
انطلق يونس قنديل من التسليم بأن أحداث الحراك العربي أربكت الجميع، بدون استثناء، بما في ذلك النخبة الثقافية الذي حظيت بانتقادات شديدة في مداخلة قنديل، مطالبا إياها بأن تُنظر لأطروحات جديدة وأن تترجمها على أرض الواقع، ومعتبرا أن الحديث عن “الربيع العربي” كما صدر عن هذه النخبة، يُتجرم فعلا أزمة خطيرة تعاني منها، سواء تعلق الأمر بالنخبة السياسية أو الدينية أو الثقافية.. ومؤكدا أن الإنسان العربي الذي يقبع في الطابق الاجتماعي السفلي يبقى للمفارقة، أكثر ابتعادا عن الاستفادة من مزايا هذا الربيع.
ومرد صدمة المثقفين العرب حسب يونس قنديل، أن ما جرى تم بغير إرادة المثقفين، أو على غير ما توقعوا، كما أن الفاعل الأساسي لم يكن المثقف، متوقفا هنا عند خلاصة تكاد تكون صادمة، مفادها أن الذين صنعوا الحدث، هم الجماهير، وليس النخبة السياسية أو الإسلامية أو الثقافية أو غيرها، ولكن نفس الجماهير هي التي صوتت لصالح الإسلاميين في الانتخابات، بمعنى، يضيف قنديل، أننا سقطنا في دائرة متعددة التناقضات: هل الإسلاميون هم من يحمل القيادة عبر اختراق الوعي الجماعي وطرح أنفسهم كبديل، أم أن الجماهير اكتشفت العمق الحقيقي للحراك، وبالتالي نجد أنفسنا أمام تغيير في العقل السياسي العربي، سببه هذا العبور العربي التاريخي القسري عبر محطة الإسلاميين التي تشكل في الواقع إحدى مخلفات العصور القديمة (من الحقبة الاستعمارية إلى أزمة الدولة الوطنية بعد الاستقلال..)، وهو العبور الذي أفرز لنا تشكلات جديدة لدى الشارع تتم بمعزل عن المثقف والسياسي، معتبرا أن أهم العوامل التي خدمت مشروع الإسلاميين، كون المواطن الفرد الذي حمل لواء الاحتجاج والانتفاضة، لم يكن يحمل معه مشاريع خاصة وطرائق عملية تترجم أحلامه، وهذه مسؤولة مثقف ما بعد الحراك، كما يراهن على ذلك مشروع مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث” في سياق التفاعل المعرفي والثقافي مع أوضاع الساعة، بما يتطلب أولا الاعتراف بأن اللجوء إلى التعميم في معرض الحديث عن الإسلاميين لم يعد أمرا ممكنا حسب قنديل، ويتطلب أيضا التوقف عن اللعن، سواء لعن الإسلاميين أو الأنظمة: فالإسلاميون كانوا أكثر ذكاء، والأنظمة كانت أكثر حنكة في معرض التعامل مع الحراك، محذرا من مخاطر توظيف النص الديني في إصدار الأحكام كما هو قائم عمليا اليوم، عبر احتكام التيار الإسلامية إلى الخيار الاستنباطي للنص ومعتبرا أن الانقلاب على هذا المعطى، يتطلب الخروج من جدلية الحل العلماني أو حل الدولة الدينية، لأن البقاء في فضاء هذه الجدلية، هو عين مشروع الإسلاميين، الذين يريدون من الشارع أن نبقى حبيسين هذه الرؤية الاختزالية من أجل التحكم عبر اختزال الزمن الثقافي القديم، الذي للمفارقة، كان أكثر اتساعا من مشروعهم (لأنه يتضمن موروثا ثقافيا متعددا، منه الصوفي والفلسفي والكلامي..)، ناهيك عن كون المشروع الإسلامي حاليا أثبت أنه لا يؤمن بالتغيير إلا عبر الإمساك بالسلطة، وهنا توقف قنديل عند مثال هام ونوعي، ويتعلق بالإسلاميين المغاربة، فبحكم متابعته لأداء هؤلاء، أشار المتدخل إلى أنهم كانوا إلى وقت قريب (منذ حوالي عشر سنوات فقط، وليس منذ عقود أو قرون)، كانوا يناقشون حكم المشاركة السياسية، عبر توظيف أدبيات ابن تيميه، واليوم، أي بعد عشر سنوات، نجد هؤلاء في مقدمة العمل الحكومي.
كما وجه قنديل الدعوة مجددا للمثقفين بأن يتخلصوا من عقلية الوصاية على الإنسان، وأن يتركوا حرية التصويت على من يشاء، حتى لو انتخب في استحقاقات قادمة على من هم أسوأ من الإسلاميين، مطالبا إياهم بضرورة مساعدة هذا المواطن على التفكير السليم دون وصاية والاقتراب منه عبر اقتراح مبادرات عملية في أرض الميدان، قبل أن يفوتنا القطار ونتحدث مرة أخرى عن “الحراك” والواقع لا يزال كما هو.
مراكش: نزهة صادق
المصدر: موقع إسلام مغربي
المصدر : https://dinpresse.net/?p=955