فقدت الجزائر وصايتها على المئات من المساجد في فرنسا في السنوات الأخيرة، وبات الخطر يهدد القليل الذي تبقى، بعد أن أضحت شبكة مؤسسة محمد السادس المغربية، منافسا شرسا أكثر تنظيما، في استقطاب المساجد التي بناها الجزائريون بعرقهم وأموالهم، وهو ما يستدعي إنشاء مؤسسة قادرة على إحداث التوازن.
فمن مجموع ما يقارب الألفي مسجد كانت تعمل تحت وصاية مسجد باريس، لم يتبق فعليا غير حوالي 220 فقط، في مشهد يكشف حالة التقصير التي تطبع أداء الجهات المخولة بتسيير هذا الإرث الغزير الذي تمتد جذوره إلى ما قبل الاستقلال .
يقول عبد الرحمان غول، وهو رئيس جمعية مسجد مرسيليا، الموجود قيد الانجاز: “عدد المساجد التي توجد تحت وصاية مسجد باريس حاليا، انحصرت إلى حدود 220 مسجد فقط، هي التي يؤمها أئمة قادمون في إطار بعثات وزارة الشؤون الدينية، أما البقية فلم تعد للجزائر وصاية عليها. هذه هي الحقيقة”، وعن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، يضيف: “هذا راجع للسياسة المتبعة من طرف الدولة الجزائرية، المساجد لا يتذكرونها إلا عند الانتخابات فقط”. وتابع غول في اتصال مع “الشروق” من مرسيليا: “الكثير من مسلمي فرنسا لا يجدون في دليل بوبكر، الصفات التي يجب أن تتوفر في عميد مسجد بحجم مسجد باريس، فكيف يسمعون له؟ يا أخي، لو تدخل مكتب دليل بوبكر، لا تشعر وكأنك في مسجد، حتى في وقت الصلاة.. مسجد باريس كان معلما ومرجعية دينية بحق، لكنه فقد رسالته، وأصبح مجرد ناد سقط في ألاعيب السياسة”.
ويعترف مسؤول الإدارة بمسجد باريس، محمد ونوغي، بحدوث نزيف في المساجد التي كانت تحت وصاية مسجد باريس، غير أنه يهوّن من الأمر، حيث يحصر عدد المساجد التي لا تزال تحت وصاية المسجد بحوالي 400 مسجد.
يقول ونوغي في اتصال مع “الشروق” من باريس: “حقيقة كانت هناك مساجد أكثر تابعة للمسجد، غير أن ظروفا ساهمت في الوضعية الراهنة، منها الأزمة التي ضربت البلاد في التسعينيات، في ذلك الوقت ترك الكثير من الجزائريين تسيير المساجد، خوفا من أن تطالهم تهم، وحينها حل محلهم الإخوة المغاربة الذين استغلوا الظرف جيدا، وهذا عامل لا يجب إغفاله”. لكنه يعطي للقضية بعدا آخر ويشير إلى أن البدايات الأولى للمشكلة كانت في مطلع الثمانينيات، عندما أنشأ الرئيس الفرنسي السبق، فرانسوا ميتران، مجلس الديانة الإسلامية، وكان الهدف منه إنهاء المرجعية الدينية لمسجد باريس على مساجد فرنسا، وهو ما سمح فيما بعد بظهور المساجد التابعة لمختلف الجاليات الموجودة في فرنسا، مثل المغربية والتركية وغيرها، والتي تجلت من خلال تجمع مسلمي فرنسا (مغربي)، واتحادية الأتراك.
كما برر المسؤول بمسجد باريس خسارة الجزائر للكثير من مساجد باعتبارات لها علاقة بالتنشئة الاجتماعية والثقافية الدينية للجزائريين، وقال: “المعروف عن الجزائري أنه يميل إلى الثقافة اللائكية ربما لاعتبارات تاريخية، فهو تجده سخيا في التبرع بالمال لبناء المساجد، لكنه لا يحرص على تسييرها، عكس ثقافة الإخوة المغاربة المعروفين بثقافتهم الدينية، فهم وإن كانوا ليسوا أسخياء مثل الجزائريين، إلا أنهم يحرصون على الحضور والمشاركة في تسيير المساجد”.
العامل الآخر يقول محمد ونوغي، “الذي أدى إلى ما نحن عليه، هو عقلية الجزائري. فمثلا الجزائريون الذين ينتخبون في جمعيات المساجد بفرنسا لا يستمعون لتوجيهات قناصلهم، بالتصويت مثلا ضد جنسيات أخرى، في حين أن المغاربة عندما يطلب منهم قنصلهم إقصاء الآخرين من جنسيات أخرى، لا يناقشون بل يصبح الطلب أمرا، وبسبب هذا خسرنا الكثير من المساجد التي جمعياتها الدينية مختلطة، وهي مساجد معروفة”، يضيف المتحدث.
ولذلك، يرى المسؤول بمسجد باريس أنه لا بد من إنشاء مؤسسة تابعة للقانون الجزائري، على شاكلة مؤسسة محمد السادس، التي عادة ما تستولي على المساجد التي يسيطر الإخوة المغاربة على جمعياتها الدينية مباشرة، وهنا يقول: “لقد أنجزنا دراسة متخصصة من أجل إنشاء مؤسسة، لكننا اكتشفنا أن القانون الفرنسي لا يخدمنا، لأنه يفرض تعيين متصرف إداري فرنسي على رأسها، لذلك لن نجد أحسن من إنشاء مؤسسة خاضعة للقانون الجزائري، غير أن هذا يتطلب دعما من الحكومة”.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=873