انسحب الشيخ “محمد الفزازي” ليلة البارحة من المناظرة التي جمعته بالناشط الحقوقي “أحمد عصيد”، وبالمختص في علم الاجتماع “عبد الغني منديب”، على إثر تدخلات واحتجاجات قوية لبعض الأمازيغ الذين حضروا اللقاء.
وقال “الفزازي” وهو ينسحب من قاعة المحاضرات بمدرسة علوم الإعلام بمدينة العرفان بالرباط، مخاطبا الحضور “لا يمكن أن أجلس في مكان يسب فيه الإسلام”.
وجاء هذا الانسحاب بعد أن أخذ الكلمة أحد الحاضرين وقال “نحن غير عرب وغير مسلمين”، ونرفض أن يحكمنا الإسلام، معتبرا أن الأمازيغ عرفوا قيما حضارية راقية وتعايشا سلميا رفيعا قبل مجيىء الإسلام، وأن تاريخ المسلمين ما هو إلا تاريخ عنف وقتل.
وعرفت قاعة المناظرة في بعض اللحظات فوضى عارمة وملاسنات حادة بين الشيخ وبعض الحاضرين، وبدا المكان وكأنه انقسم إلى شطرين، كل فئة تدافع عن أطروحاتها الفكرية والعقدية، ولم يستطع منظمو اللقاء أن يتحكموا في مجرياته إلى النهاية.
وازداد التوتر حدة عندما تم توقيف أحد المتدخلين بسبب تفضيله الحديث باللغة الأمازيغية، وقال “عصيد” إن من لم يفهم هذه اللغة عليه “أن يطلب الترجمة ولا يمكن له أن يوقف أحدا يتكلم بالأمازيغية”، خصوصا بعدما نص الدستور على أنها لغة رسمية في المغرب.
في حين اعتبر “الفزازي” أن بعض الحضور يمارس عليه إرهابا فكريا، وانتفض قائلا “إننا نعيش تهديدا يوميا بالقتل عبر الهاتف، وعشنا إرهابا داخل السجون”، وهناك من يريد الآن أن يمارس علينا إرهابا من نوع آخر.
التثاقف الإنساني
وكانت الندوة أو المناظرة بدأت بشكل سلمي، وتناوب المتدخلون على أخذ الكلمة في إطار من الاحترام المتبادل، ودافع كل واحد على وجهات نظره الفكرية والعقدية، وقد كان موضوع المناقشة هو “أي أفق للقيم المجتمعية بالمغرب في ظل العولمة الثقافية”.
وتساءل “عبد الغني مندب”، انطلاقا من مرجعيته الأكاديمية، لماذا المسلمون وحدهم يشعرون بأن ثقافتهم مهددة من قبل الآخر، في حين أن ثقافات متعددة في العالم بأسره لا تشعر بهذا التهديد، وهي على عكس من ذلك تساهم جميعا في عولمة الثقافة.
وقال الباحث في علم الاجتماع إننا نعيش انفتاحا ثقافيا غير مسبوق في تاريخ الإنسانية، تساهم في إغنائه ما أسماه بعملية “التثاقف الإنساني”، وليست هناك هيمنة لثقافة على أخرى.
وأشار “مندب” إلى أن المجتمع يأثر في الدين من خلال قراءة وتأويل تعاليم الدين من قبل المتدينين، فكل مجتمع يريد تدبير علاقته بالدين بطريقته الخاصة.
القلق الهوياتي
وبدوره قال الناشط الحقوقي “أحمد عصيد” إنه لا يوجد نمط ثقافي أحادي يفرض قيمه على الجميع، لكن ينبغي القبول بأن هناك اختلافا إنسانيا حول منظومة القيم في العالم.
وذهب “عصيد” إلى أن المغاربة كانوا يعيشون في بيئة منغلقة على نفسها وحافظوا على قيم تقليدية متوارثة، لكن التدخل الأجنبي هز كيان البنيات التقليدية في المجتمع، واكتشف المغاربة أن هناك قيما إنسانية جديدة.
وحسب الباحث الأمازيغي، فإن الاستعمار خلق نمطين متعايشين من القيم، النط القيمي التقليدي، والنمط القيمي الحداثي، مشيرا إلى أن هذا النوع من الاختلاف والتصارع قد يوجد داخل الأسرة الواحدة، فما بالك بالمجتمع المغربي ككل.
وأكد أن المغاربة يعيشون “قلقا هوياتيا” منذ الاستقلال، يتجلى في ميلاد خطابات هوياتية مختلفة، منها ما هو رسمي، ومنها ما هو أمازيغي، ومنها ما هو عربي إسلامي.
القيم توزن يميزان الإسلام
بينما ينطلق الفزازي من أن الدين هو الذي يحدد ويحكم على قيم المجتمع، وأنه عبارة عن كل الإيجابيات التي ينعم بها الإنسان، وأن معاييره هي التي تحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول.
وأكد الشيخ في مناظرته أن الإسلام يتصدر كل القيم ويعلو عليها، وإن وجدت هناك قيم مجتمعية وتقاليد وأعراف لا تتعارض معه، فهو يباركها ويتبناها، موضحا أن هناك قيما إلاهية وهناك أخرى وضعها البشر.
وتحدث “الفزازي” عن العربية كقيمة باعتبارها لغة القرآن، واعتبر أن “عصيد ” عربي اللسان رغم أنفه، وهو الأمر الذي رفضه هذا الأخير.
علاقة الأخلاق بالدين
واختلف أحمد عصيد مع “محمد الفزازي”، في مسألة علاقة الأخلاق بالدين، فأشار الأول إلى أن هناك قيما روحية عالمية ليست بالضرورة من الدين، وأن الأخلاق أوسع من الدين.
لأن “عصيد” انطلق في نقاشه من كون الأمازيغية ينبغي أن ننظر إليها ونحكم عليها من خلال المرجعية القيمية الكونية ومن خلال المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، لأن جميع الثقافات في العالم ساهمت في هذا الإرث القيمي الإنساني بما فيه الإسلام.
وعلى عكس من ذلك، يرى الشيخ الفزازي أن القيم البشرية لا بد من قياسها بميزان الإسلام، وان قيم المجتمع المسلم تكمن في دينه وهي خاضعة لمبدأ الحلال والحرام وكل شيء محكم ومسطر وما على المؤمنين إلا أن يقولوا “سمعنا وأطعنا”.
وقد اتفق المتناظرون على بعض القيم مثل نبذ العنف والتطرف وعلى ضرورة الحوار في إطار مجتمع متعدد ومتنوع الثقافات، إلا أن قيمة الحوار والتواصل فقدت بين الفزازي وبعض الحضور الأمازيغي، الذي كان رافضا لكلام وأفكار الشيخ طيلة اللقاء.
دين بريس
المصدر : https://dinpresse.net/?p=747