توطئة :
في إحدى الليالي من ليالي الأندلس الجميلة زار شيطان الشعر أحد الشعراء العرب الموهوبين، فأوحى له ببيتين في هجاء أحد “البربر” المتنفذين حينئذ، فكاد نقده ذاك أن يكلفه روحه لولا فراره بجلده في البراري،،، لقد رأى الشاعر فيما يرى النائم (خيرا وسلاما) حلما رواه في اليوم التالي على الشكل التالي :
رأيت آدم في نومـي فقلت له *** أبا البرية إن الناس قد حكموا
أنّ البرابرة نسلٌ منك، قال *** إذن حواء طالقة، إن كان ما زعموا
بعد عدة قرون من الحدث، قرأ هذه الأبيات أحد الأمازيغ من المغرب الأقصى، فابتسم ثم ضحك ، فقرر أن يشارك هذه الأبيات كل من في لائحته من الأحباب والأصدقاء والزملاء، لعله بنشرها يلطف الأجواء، فأسرع صاحبنا إلى حاسوبه الشخصي وأطلقهما عبر الأثير في اتجاه كافة الزملاء، وما هي إلا دقائق حتى انفجرت الردود الغاضبة والرافضة والمزمجرة والمتهمة بكل الأوصاف، ففوجئ الأمازيغي المسكين بأن رسالته الخفيفة البريئة جاءت بنتيجة عكسية غير متوقعة، والسبب أن ابن بلدي الأمازيغي البريئ يجهل بأن صناديد “الحركة الأمازيغية” بالمغرب الأقصى يريدون دمغنا باتهام “معاداة الأمازيغية” وأن يجعلوا من حركتهم “بقرة مقدسة” ولا يسمح لنا – منذ ظهورهم – ان نبتسم أو نضحك أو ننتقد “بقرتهم”كيفما شئنا …..!!
لماذا “يقفز” أهل “الفز” من متطرفي الحركة الأمازيغية المغربية، بشكل هستيري أحيانا ، في كل مرة يتكلم فيها أحد الغيورين بوضوح عن الأمازيغية، هل يعني ذلك أن أبناء “تمازغا” يريدون أن يفهموننا بأن الاقتراب من الحركة الأمازيغية هو مس بالبقرة المقدسة، التي يجب تبجيلها، وكذا احترام تحركاتها العشوائية في الشوارع والطرقات، وإن كان في ذلك عرقلة لحركة السير وهي في أقصى ذروتها؟ إذن فمس شعرة منها محرم ، و من سولت له نفسه إزعاج حريتها، فهو حتما مجرم. أيريد متطرفو الحركة الامازيغية أن يفرضوا علينا قانون “معاداة الأمازيغية”، بحيث يجب على “أبناء الغزاة العرب” – كما ينعتونهم- ألا يقتربوا من البقرة المقدسة الأمازيغية، مهما ترنحت في الطرقات المزدحمة، ومهما خلفت من فوضى في حركة المرور وأربكت انسيابها الطبيعي…. وسننتظر قريبا صدور قانون في الجريدة الرسمية يحرم كل نكتة تبدأ بعبارة “هاذا واحد الشلح…” ويجرم قائلها، وتحرر في حقه لائحة اتهام بالعنصرية والتحريض على الكراهية و”معاداة الامازيغية” …
لذلك لا مناص من إيثار السلامة والاكتفاء بالنكت التي يبدأها قائلها بـ: واحد العروبي (من الوسط) أو واحد البركاني (من الشرق) أو واحد الزريكي (من الجنوب)، حيث هي الفرصة الوحيدة لقضاء وقت ممتع بتبادل ما جد من نكت ومستملحات مغربية.. بعيدا عن أي تشنج من حماة حقوق أبناء تمازغا، وعيونهم اليقظة وآذانهم الصاغية لكل همس من “أحفاد الغزاة” ومجرمي الحرب” العرب المعروفين !!!!
لقد ثار هذا التيار وأثار موجة من الغبار، حول كلمة متوازنة من الدكتور “أحمد الريسوني” ألقاها أمام أبناء وطنه هنا بالدوحة، فما نقموا من الرجل إلا أنه تجرأ وأشار في كلمته إلى أن هناك فئة وصفها بالقليلة اتخذت الأمازيغية مطية لطرد العروبة والإسلام، ولم يشفع له تأكيده في كلمته الصريحة أنه يبرئ أغلب الأمازيغ من هذه النزعة العدوانية ضد العروبة والإسلام، بقوله : “اعتقد جازما أن 98 أو 99 في المائة – من الأمازيغ – ليس لديهم شئ من هذا”، ولكن ذلك الجزء المتطرف و”الورم الخبيث” شعر بالفز فقفز قفزة أظهرت للناس أن الرسالة قد أصابته في الصميم،،، وانبرت المنابر “الحداثية” تدافع عن الحركة الأمازيغية المفترى عليها، محملة بعقدها النفسية الضاربة جذورها في أعماق القلوب المريضة…
فقد اكتشف هذا التيار ذكاء الضربة التي وجهها إليه شيخ مقاصدي يدرك جيدا ما يقول ولا ينطق عن الهوى، وراح يواجهها بشراسة، إذ تداعى هو وأنصاره ومناصروه من كل مكان لنصرة “نزعته ” المتهالكة، فقد أدركوا أن الفصل بينهم وبين باقي الأمازيغ الأحباب الأبرياء ضربة موجعة لهم، فأصروا على ضرورة البقاء بين بني جلدتنا، وحاولوا التضليل بأن الضربة الموجعة الموجهة لهم خاصة هي موجهة للأمازيغية عامة، جبنا منهم وخبثا…
لذلك هم سائرون على درب تحويل الحركة الأمازيغية إلى “بقرة مقدسة” لا يجوز لمسها أو الاقتراب منها، وما على “أبناء الغزاة العرب” إلا الشعور بالذنب على “الهولوكست” الذي اقترفوه في حق الأمازيغ، في “مظلمة تاريخية” تنتظر تقديم الاعتذار لعل أبناء “مازغ” يقبلونه ويعلنوا العفو بعد المقدرة، إنهم سائرون على درب معاداة السامية، مادام صناديدهم هم دعاة التطبيع مع العدو الصهيوني، لأن القضية الفلسطينية ليست قضيتهم، فهي صراع عربي اسرائيلي وهم ليسوا عربا !!!! وإن كان أحدهم قال في سياق حديثه عن الشيخ “الله ينعل اللي مايحشم”، فأنا أقول له في سياق ما ساقه من اعتداءات وهجومات واغتيالات أرعبته: “الله ينعل اللي يخاف ومايحشم !!!!”
إعلامي مغربي مقيم بالدوحة
{jathumbnail off}
المصدر : https://dinpresse.net/?p=467