يعد الإرهاب ظاهرة معقدة متعددة الأوجه، ما يجعل مكافحته تتطلب نهجا شاملا يستهدف تحديد هوية الإرهابيين وتقويض أنشطتهم، وتحليل أساليب الإرهاب ودوافعه وسبل تمويله، إذ إن فهم هذه العناصر أمر جوهري لتعزيز الأمن العالمي والتصدي للتهديدات الإرهابية.
وتتمحور جهود المنظمات الدولية ودول العالم ومنها المغرب، حول الردع والكشف والتعطيل، وهي الأسس التي تعتمد عليها التدريبات الشرطية الهادفة إلى مكافحة استخدام المواد الكيميائية في العمليات الإرهابية.
ويتخذ الارهاب أشكالا متعددة تشمل الجريمة المنظمة في مناطق النزاع، والمقاتلين الإرهابيين الأجانب، والعمليات الفردية التي ينفذها من يُطلق عليهم “الذئاب المنفردة”، إضافة إلى الاعتداءات التي تستخدم فيها المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والمتفجرات.
ومن أبرز التحديات التي تواجه العالم اليوم قدرة الجماعات الإرهابية على تحريض الأفراد، لا سيما الشباب، على مغادرة بلدانهم للالتحاق بمناطق النزاع، كما هو الحال في العراق وسوريا وليبيا سابقا، وفي الوقت الراهن يتم التركيز على افريقيا خصوصا في دول الساحل، حيث تعتمد هذه الجماعات بشكل متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي لاستقطاب المجندين ونشر أيديولوجياتها المتطرفة.
وتعمل الأجهزة الأمنية في مختلف الدول على تبادل معلومات الاستخبارات والتنبيهات المرتبطة بالأنشطة الإرهابية، مما يساعد في كشف المشتبه بهم وإحباط عملياتهم قبل تنفيذها، ويعتبر المغرب رائدا في هذا المجال.
ويقدم الإنتربول مثلا دعما للدول الأعضاء لمواجهة هذه المخاطر عبر تنسيق الجهود بين مختلف الأجهزة الأمنية والرقابية، بما في ذلك الشرطة والجمارك وأجهزة مراقبة الحدود والقطاع الصحي العام والجيش وأجهزة الاستخبارات والهيئات البيئية، وتشمل الجهود المبذولة في هذا الإطار تحليل بيانات الاستخبارات، وبناء القدرات من خلال التدريب، وتوفير الدعم الميداني للدول التي تواجه تهديدات مباشرة.
وتأتي هذه الجهود في سياق القرار 1540 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2004، والذي يشدد على أهمية التدابير الأمنية على الحدود ودور أجهزة إنفاذ القانون في منع انتشار الأسلحة المحظورة والتصدي لمحاولات استغلالها من قبل الجماعات غير الحكومية.
ويعد اليوم الدولي لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، الذي يصادف 12 فبراير من كل عام، مناسبة عالمية لتسليط الضوء على خطورة الظاهرة وحشد الجهود الدولية لمواجهتها.
والتطرف العنيف يشكل خطرا واسع النطاق يؤثر على السلام العالمي وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، إذ لم يعد مرتبطا بجغرافيا محددة أو بإيديولوجية بعينها، بل أصبح خطرا متحركا يتبنى أساليب جديدة وينتشر عبر الوسائل الرقمية، وهو ما ساهم في إعادة تشكيل مفهوم الإرهاب على مدى السنوات الأخيرة.
وتعكس أفعال الجماعات المتطرفة، مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام، مدى خطورة هذه الظاهرة، خاصة مع استخدامها المتزايد للفضاء الإلكتروني كأداة لنشر إيديولوجياتها واستقطاب المقاتلين وتوجيه العمليات الإرهابية عن بعد.
ورغم أن التطرف العنيف لا يمكن تبريره، إلا أن انتشاره لا يأتي من فراغ، إذ يجد بيئة خصبة في المجتمعات التي تعاني من انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الحوكمة الرشيدة والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، وغالبا ما تستغل الجماعات الإرهابية هذه الظروف لتجنيد الأفراد، مستندة إلى خطاب الكراهية والوعد بالتغيير الجذري، مما يجعلها مصدر جذب خاصة للشباب الذين يشعرون بالإقصاء.
وأدركت الأمم المتحدة خطورة هذا التهديد، وأعلنت الجمعية العامة، بموجب قرارها 243/77، يوم 12 فبراير يوما عالميا لمكافحة التطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب، بهدف رفع مستوى الوعي العالمي حول هذه الظاهرة وتعزيز التعاون بين الدول لمواجهتها.
وأكد القرار أن المسؤولية الأساسية في التصدي للإرهاب تقع على عاتق الدول الأعضاء، كما شدد على أهمية دور المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية، والقيادات الدينية، ووسائل الإعلام في دعم هذه الجهود، كما أكد على أن الإرهاب والتطرف العنيف لا ينبغي ربطهما بأي ديانة أو عرق أو ثقافة.
وأطلقت الأمم المتحدة خطة عمل لمنع التطرف العنيف، قدمها الأمين العام في 15 يناير 2016، والتي لقيت ترحيبا من الجمعية العامة، وتهدف الخطة إلى وضع نهج شامل يتجاوز الحلول الأمنية التقليدية، ويركز على معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الأفراد نحو التطرف، عبر تعزيز التنمية والتعليم والعدالة الاجتماعية.
يعد اليوم الدولي لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب دعوة إلى المجتمع الدولي للعمل المشترك لمواجهة هذا التهديد المتنامي، فالمواجهة الأمنية وحدها لا تكفي، بل لا بد من حلول بعيدة المدى تستند إلى التعليم والتوعية وتعزيز قيم التسامح والعدالة وحقوق الإنسان.
إلا أن هذا اليوم يمر دون زخم إعلامي أو فعاليات بارزة، رغم التحديات المستمرة التي تفرضها هذه الظاهرة على الأمن والاستقرار العالمي، ويثير غياب التركيز على هذا اليوم تحديات حول ضرورة الاهتمام الدولي بتعزيز الجهود الرامية إلى مكافحته بشكل فعال ومستدام.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23418