جمعها: د. يوسف الحزيمري
إن لله في أيام دهره نفحات يضاعف فيها الأجر والثواب، والعمل فيها بالطاعات والقربات غير العمل في غيرها، فعلى المسلم أن يعرف أوقات هذه النفحات ليغتنمها ويسد النقص والخلل الواقع في أعماله التي يتقرب بها إلى الله، ومن هذه الأيام شهر رمضان المبارك.
وإليك أخي المسلم عشرة نصائح على سبيل التذكير لا الحصر لاغتنام الأجر والثواب في شهر رمضان الفضيل وهي كالتالي:
تب إلى الله عز وجل: يأمر الله عز وجل عباده جميعا بالتوبة إليه “وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ” [النور: 31]، وبابه عز وجل مفتوح على الدوام ويقبل التوبة عن عباده ويغفر ذنوبهم ويردهم إليه ردا جميلا فهو الغفور الرحيم،”وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ” [الشورى: 25]، وبذلك يستقبل العبد شهر رمضان بصفحة بيضاء يملؤها بالحسنات والله يضاعف لمن يشاء، ويجد العبد بذلك حلاوة الإيمان في قلبه، وهو ما يستشعره المؤمنون في هذا الشهر الكريم.
صل صلاتك في وقتها ومع الجماعة واحرص على النوافل: “إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا” [النساء: 103]، وعليه فعلى المسلم أن يحرص على أداء صلاته المفروضة في وقتها وفي جماعة، لأن صلاة الجماعة تفضل عن صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة والله يضاعف لمن يشاء، وعليك بصلاة النافلة لأنها إنما جعلت إلا لسد الخلل والنقص في المفروضات، فاضبط أخي المسلم ساعتك البيولوجية، ونم في الوقت لتصحى في الوقت وتؤدي طاعتك كما ينبغي، واستعن بالساعة الالكترونية للتذكير بأوقات الصلوات والله الموفق إلى الطاعات.
أنفق في سبيل الله ولا تخش شيئا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه، (انْفِقْ يَا بِلالُ! وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي العَرْشِ إقْلالاً)، وعن عن عمر قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ما عندى شىء، ولكن استقرض حتى يأتينا شىء فنعطيك، فقال عمر: يا رسول الله هذا أعطيته ما عندك فما كلفك ما لا تقدر عليه، فكره النبى صلى الله عليه وسلم قول عمر حتى عرف فى وجهه، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخف من ذى العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف البشر فى وجهه بقول الأنصارى، ثم قال: بهذا أمرت) (الترمذى فى الشمائل، والبزار، والضياء) [كنز العمال 18637]» وقال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر (أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك). فأنفق أخي المسلم مما رزقك الله ولا تخش الفقر أو الإقلال فتلك من حبائل الشيطان يخوف بها عباد الله ويعدهم الفقر والله يعدكم مغفرة منه وفضلا، فثق في وعد الله وأنفق من القليل والكثير، وسبل الإنفاق معلومة وميسرة بإذن الله.
اجعل لك وردا من كتاب الله: إن القرآن الكريم هو حبل الله الممدود من السماء فتشبتوا به عباد الله، فهو كتاب عقيدة وأحكام وتذكير، ما فرط الله فيه من شيء، فأقبلوا عليه بقلوب واعية، واجعلوا له أوقاتكم بالتلاوة والحفظ والتدبر، فلقد يسره الله للذكر فهل من مذكر، والتقنية اليوم وفرت على المؤمن المصحف الشريف فهو معه على كل أحواله، وارتفع عنه العذر أو التعلل، وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم إذا أقبل رمضان أو قفوا مجالس العلم وأقبلوا على كتاب الله، واعلم أخي أن بكل حرف تتلوه حسنة، فلا تفرط فيها واملأ صحيفتك بالحسنات والله يزيد لك فيها “إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ٢٩ لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞ ٣٠ ” [فاطر: 29-30]
حسِّن أخلاقك في رمضان: يقول صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وإن من مقاصد الصوم تحقيق التقوى وهي فعل المأمورات واجتناب المنهيات، وقد أمرنا الله عز وجل بأن نعبده كأننا نراه فإن لم نكن نراه فهو يرانا، وهو مقام الإحسان وهو استشعار مراقبة الله عز وجل، وهو يشمل شعب الإيمان الكثيرة قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) والصوم أيها الأفاضل مدرسة تربية على الأخلاق الفاضلة كالصبر والحلم وتحمل الأذى من الآخرين، فحاول أن تحصل على شهادة أخلاقية في هذا الشهر الكريم.
صِلْ رحمك وعُد المرضى منهم ينسأ لك في عمرك ويبسط لك في رزقك: حاول أخي الكريم أن تصل رحمك في هذا الشهر الكريم، فصلة الرحم لها أجر عظيم عند الله ووصف الواصلين بأولي الأباب ﵟإِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٩ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلۡمِيثَٰقَ ٢٠ وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَيَخَافُونَ سُوٓءَ ٱلۡحِسَابِ” [الرعد: 19-21]، وقاطعها توعده الله عز وجل وذمه في كتابه وحكم عليه بالخسران واللعنة ﵟوَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ” [البقرة: 27] “وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ” [الرعد: 25].وعن أبي هريرة، مرفوعاً: (من سره أن ينسأَ له في أَثَره، وُيبْسَطَ له في رِزْقِه، فَلْيَصِلْ رَحِمه)، فإذا أردت أن يبارك الله لك في عمرك ويبسط لك في رزقك وينميه فصل رحمك حتى الذين يقاطعونك منهم.
احرص على حضور مجالس الوعظ والإرشاد وتجنب مجالس اللهو واللعب: أمرنا الله عز وجل أن نحرص أنفسنا مع الذين يذْكرون ويذَكِّرون به، قال تعالى: “وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا” [الكهف: 28] أي احبسها معهم على أداء الصلوات بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ. ولا تصرف بصرك إِلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورجل يقرأ سورة الحجر، أو سورة الكهف، فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم»، فإذا استطعت أخي الفاضل أن تصبر نفسك في بيوت الله والاستماع إلى دروس الوعظ والإرشاد فافعل، يحي بذلك قلبك ويزداد إيمانك ويتجدد ماء الحياة فيه فإنها يهيدهم الله بإيمانهم.
اذكر الله عز وجل على كل أحوالك، واشكره على نعمه بكثرة الدعاء: قال تعالى: ﵟوَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ﵞ [البقرة: 186]، إن من علامات الرشد في المؤمنين الإقبال على الله عز وجل بالذكر والدعاء، وقد مدح الله عز وجل الذاكرين الله والذاكرات “ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّار” [آل عمران: 191]، وذم المنافقين الذين لا يذكرون الله إلا قليلا “إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا” [النساء: 142] وتوعد المستكبرين عن ذلك بالنار “وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” [غافر: 60]، فلا تغفل أخي المسلم عن الذكر والدعاء أينما كنت ماشيا أو قاعدا أو مستلقيا ففضل الذكر والدعاء عظيم وأجره عميم.
حافظ على صيامك من كل شيء يخدشه: إذا زرعت نبتة فأنت ترعاه بالسقيا والتشذيب حتى تؤتي أكلها، فكذلك صومك أيها الأخ الكريم هو نبتة عليك رعايتها بالسقيا وهي العمل بالطاعات والقربات واغتنام الأوقات المباركات والأماكن التي تضاعف فيها الحسنات، وبالتشذيب وهو اجتناب المنهيات والابتعاد عن المنكرات وأماكنها والأماكن التي تحضر فيها الشياطين، فاحرص على أن لا ترى عينك إلا خيرا، ولا تسمع أذنك إلا حسنا، ولا تمش قدمك إلا إلى أطهر البقاع، ولا يدخل فمك إلا حلالا طيبا والله الموفق لكل ذلك، ولا تكن كالتي ﵟنَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗاﵞ [النحل: 92].
اسأل الله الإعانة والتوفيق وقبول الأعمال: ترك لنا أبونا إبراهيم دعاء خلده الله في كتابه “رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٢٧” [البقرة: 127] “وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ” [البقرة: 128]، فالله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ماكان خالصا لوجهه الكريم بعيدا عن الرياء والسمعة التي تدخل الأعمال، لذلك أمرنا الله عز وجل بهذا الدعاء ليتقبل منا أعمالنا ويحصيها علينا في سجل الحسنات، واعلم أن الهداية والتوفيق للعمل الصالح من الله عز وجل ﵟوَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖﵞ [الأعراف: 43]. فاحرص على هذا الدعاء عقب كل عمل صالح.
ربنا ارحم عبادك المؤمنين من أهل السموات والأرض، واختم لنا بخير، وافتح لنا بخير، وبارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بالآيات والذكر الحكيم، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وآخر دَعْوانَا أن الحَمدُ لله ربِّ العَالَمين، وصلّى الله على النبي الكرِيم، وعَلى آلِهِ وصَحبهِ أجْمَعين.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20912