ذ. محمد جناي
يحتفل المجتمع العالمي بيوم حقوق الإنسان كل عام في 10 ديسمبر وهو احتفال بذكرى اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948م الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقد كان للشريعة الإسلامية السبق على المواثيق الدولية كافة، وذلك في تأصيل حقوق الإنسان ، وينبغي العلم أن هذه الحقوق لا تقتصر على المسلم دون غيره، بل على كلِ البشر، ففي الحديث: «أَلَا مَن ظلمَ مُعاهَدًا، أوِ انتقَصَه، أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئًا بغَيرِ طِيبِ نفسٍ، فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ» رواه أبو داودَ
وعند تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945 أكدت الدول المؤسسة على إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية في كرامة وقيمة الشخصية الإنسانية والمساواة في الحقوق بين النساء والرجال ، كما عبرت عن تصميمها على بناء عالم يحترم ويحافظ على حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا دون تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو اللغة،ويجسد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد في العام 1948 هذا التصميم ، حيث شهد التاريخ للمرة الأولى الاتفاق على عدد من الحقوق والحريات الأساسية التي تم التوافق عليها دوليا، وتم الاعتراف بنصوص الإعلان كمعيار مشترك لكافة الشعوب والأمم، فأصبحت نصوص الإعلان، مصدر إلهام للعديد من الدول عند وضع دساتيرها وقوانينها الوطنية ، وأصبح الإعلان العالمي ، والذي تم ترجمته إلى أكثر من 350 لغة ، الصك المعياري الأشهر لحقوق الإنسان.
ولم يكن العالم الإسلامي بمنأى عن المشاركة في تفعيل هذه المنظومة الحقوقية العالمية والإضافة إليها، بما يعبر عن رؤية الحضارة الإسلامية إلى حقوق الإنسان ، فهناك مجموعة من المنظمات والهيئات العربية والإسلامية ، التي اهتمت بإغناء منظومة حقوق الإنسان ، مثل منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو، واللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان ، كما صدرت عدة مواثيق تدعم هذا الاهتمام ، مثل الميثاق العربي لحقوق الإنسان ، وميثاق حقوق الطفل العربي، وإعلان حقوق الإنسان في الإسلام، وعهد حقوق الطفل في الإسلام ، ومواثيق أخرى.
وقد أصدرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو – من جهتها ، مجموعة من الكتب والدراسات حول حقوق الإنسان في الإسلام التي تركز على مدى توافق الشريعة الإسلامية مع التشريعات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بصفة عامة، و بحقوق المرأة والطفل والأقليات واللاجئين بصفة عامة، كما أن المنظمة معنية بتطوير منظومة حقوق الإنسان من خلال اتفاقيات التعاون التي تجمعها مع العديد من الهيئات الدولية ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة في مجال حقوق الإنسان، للتعريف بوجهة النظر الإسلامية، من خلال الأنشطة ذات الصلة التي تنفذها.
ما هي حقوق الإنسان؟
هي حقوق نتمتع بها جميعنا لمجرّد أننا من البشر، ولا تمنحنا إياها أي دولة، وهذه الحقوق العالمية متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو نوعهم الاجتماعي، أو أصلهم الوطني أو العرقي أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر، وهي متنوّعة وتتراوح بين الحق الأكثر جوهرية، وهو الحقّ في الحياة، والحقوق التي تجعل الحياة جديرة بأن تُعاش، مثل الحق في الغذاء والتعليم والعمل والصحة والحرية.
حقوق الإنسان ليس لها تعريفا محددا بل هناك العديد من التعاريف التي قد يختلف مفهومها من مجتمع إلى آخر أو من ثقافة إلى أخرى، لأن مفهوم حقوق الإنسان أو نوع هذه الحقوق يرتبطان بالأساس بالتصور الذي نتصور به الإنسان، لذلك سوف نستعرض مجموعة من التعاريف لتحديد هذا المصطلح: يعرفها “رينية كاسان” وهو أحد واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنها (فرع خاص من الفروع الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس استناداً إلى كرامة الإنسان وتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني، ويرى البعض أن حقوق الإنسان تمثل رزمة منطقية متضاربة من الحقوق والحقوق المدعاة). أما الفرنسي “ايف ماديو” فيعرفها بأنها (دراسة الحقوق الشخصية المعرف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى). أما الفقيه الهنكاري “أيمرزابو” فيذهب إلى (أن حقوق الإنسان تشكل مزيجاً من القانون الدستوري والدولي مهمتها الدفاع بصورة مباشرة ومنظمة قانونا عن حقوق الشخص الإنساني ضد انحرافات السلطة الواقعة في الأجهزة الدولية، وأن تنمو بصورة متوازنة معها الشروط الإنسانية للحياة والتنمية المتعددة الأبعاد للشخصية الإنسانية).
وجميع التعريفات الآنفة الذكر تعكس وجهة نظر الكتاب الأجانب، أما فيما يخص الكتاب العرب فإن “محمد عبد الملك متوكل” يعطي تعريفاً شاملا وواسعا إذ يعرفها بأنها (مجموعة الحقوق والمطالب الواجبة الوفاء لكل البشر على قدم المساواة دونما تمييز بينهم).ويرى الأستاذ “باسيل يوسف” فيرى أن حقوق الإنسان (تمثل تعبيراً عن تراكم الاتجاهات الفلسفية والعقائد والأديان عبر التاريخ لتجسد قيم إنسانية عليا تتناول الإنسان أينما وجد دون أي تمييز بين البشر لا سيما الحقوق الأساسية التي تمثل ديمومة وبقاء الإنسان وحريته). أما “محمد المجذوب” فيعرفها بأنها (مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته والتي تظل موجودة وإن لم يتم الاعتراف بها، بل أكثر من ذلك حتى ولو انتهكت من قبل سلطة ما).
أما الأمم المتحدة فقد عرفت حقوق الإنسان بأنها (ضمانات قانونية عالمية لحماية الأفراد والجماعات من إجراءات الحكومات التي تمس الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية، ويلزم قانون حقوق الإنسان الحكومات ببعض الأشياء ويمنعها من القيام بأشياء أخرى)، أي أن رؤية المنظمة الدولية لحقوق الإنسان تقوم على أساس أنها حقوق أصيلة في طبيعة الإنسان والتي بدونها لا يستطيع العيش كإنسان.
وصفوة القول ، فالأمة العربية والإسلامية تتطلع ، بعد ثورات التحرير التي أطلقت الحريات، وأَذكت روح النهضة الشاملة لدى مختلف الفئات، إلى علماء الأمة ومفكريها المثقفين، كي يحددوا العلاقة بين المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية السمحاء ومنظومة الحريات الأساسية التي أجمعت عليها المواثيق الدولية، وأسفرت عنها التجربة الحضارية لأغلب الشعوب الإسلامية، تأصيلا لأسسها، وتأكيدا لثوابتها، وتحديدا لشروطها التي تحمي حركة التطور وتفتح آفاق المستقبل.
وهي حرية العقيدة وحرية الرأي والتعبير، وحرية البحث العلمي، وحرية الإبداع الأدبي والفني، على أساس ثابت من رعاية مقاصد الشريعة الغراء، وإدراك روح التشريع الدستوري الحديث، ومقتضيات التقدم المعرفي الإنساني، بما يجعل من الطاقة الروحية للأمة وقودا للنهضة، وحافزا للتقدم، وسبيلا للرقى المادي والمعنوي، في جهد موصول يتسق فيه الخطاب الثقافي الرشيد مع الخطاب الديني المستنير، ويتآلفان معا في نسق مستقبلي مثمر، تتحد فيه الأهداف والغايات التي يتوافق عليها الجميع.
ــــــــــــــــــــ
هوامش
(1):حقوق الإنسان أسئلة وإجابات ، ليا ليفين، إصدارات اليونسكو ، الطبعة الخامسة 2009، ترجمة علاء شبلي ونزهة جيسوس إدريسي، ( صدر هذا الكتاب بدعم من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ).
(2):نص وثيقة الازهر للحريات العامة وحقوق الانسان لتكون اساس الدستور الجديد 2012،الأزهــر الشــريف،مكتب شــيخ الأزهــر،بيان الأزهـــــــر والمثقفـين،عن منظومة الحريات الأساسية .
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16114