أحمد جاويد / کابل ــ أفغانستان
شهدت العاصمة کابل، بالأمس على الساعة الرابعة بعد العصر، هجوما جنونيا مفاجئا وسط تساقط الثلوج ويعتبر الأول من نوعه استهدف مقر وزارة الخارجية وسط المدينة، حيث حاول شخص مجهول الهوية اختراق الحزام الأمني الخارجي للوزارة فداهمت الشکوک بعض أفراد الشرطة حول أمره، نظرا لحالة التأهب والطوارئ القصوی التي تعيشها البلاد، مما اضطر المهاجم إلى الإسراع في تنفيذ عملية تفجير نفسه في وسط ملأ من الناس.
وصرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية “خالد زدران” في البدء أن عدد القتلى أربعة مدنيين، الا أن وکالة روترز للأخبار نقلت عن أحد المسوٴولين في الوزارة أن عدد القتلى بلغ عشرين قتيلا، وأن المهاجم کان هدفه المقام الوزاري نفسه.
“أحمد الله متقي” شقيق وزير الخارجية “أمير خان متقي” أدلى بتصريح مفاده أنه کان شاهدا عينيا إذ کان على مقربة من الحادث وأن مهاجما انتحاريا حاول دخول مقر الوزارة ولأنه إذ يصل إلى هدفه وکشف سره قام بتفجير نفسه وسط الجمع الغفير. ومن حسن الحظ أن الحادث وقع بعد مغادرة الموظفين أعمالهم ولم تکن هناک جلسة خاصة للوزارة؛ کما أنه لم يصب أحد من الأفراد الأجانب.
من جهته، أعلنت إدارة المستشفى الجراحي للطوارئ أنه استقبل ما يزيد عن أربعين جريحا لإسعافهم. کما صرح رئيس المستشفى “ستيفانو سونا” أن هذا هو أول هجوم لسنة 2023 م يسفر عن قتلى بالمجموعات. وهو أخطر هجوم يسفر عن أکبر عدد من الجرحى منذ بداية سنة 2022 م لدرجة أن قاعات تناول الطعام في المستشفى امتلأت بالأسرة الحاملة للجرحى. کما التقطت بعض الصور للحادث يظهر عليها جثث للقتلى والجرحى مترامية على الأرض.
ويتزامن هذا الهجوم مع الإعلان السابق لأحد المسوٴولين في الوزارة عن استقبال وزارة الخارجية وفدا صينيا على مستوى عال بعد إبرام إتفاقية واسعة النطاق قبل أيام بين الصين و أفغانستان، لم تسبق بمثيل في فترة الـ 50 سنة الماضية، للتنقيب عن النفط والغاز في شمال أفغانستان في منطقة “نهر آمو” الحدودية على مساحة 4500 کلم مربع .
ويعتبر هذا المشروع ذا أهمية عالية حيث سيغطي حجما کبيرا من حاجيات البلد، کما سيوفر فرص عمل لکثير من المواطنين کما قدرت کمية النفط في المنطقة بنحو 87 مليون برميل حسب قول “بلال کريمي” نائب المتحدث باسم طالبان .
وقد أکد “مهاجر فراهي” نائب وزير الإعلام والثقافة نبأ الإستقبال إلا أنه أبدى تشککه حول تواجد أعضاء الوفد الصيني في الحادث.
تنظيم الدولة من جهته، أعلن مسوٴوليته عن الهجوم على صفحته الإخبارية “أعماق” کما ادعت داعش أن من بين القتلى والجرحى الذين يعدون بالعشرات، دبلوماسيين أيضا . وهذا التصريح يطرح شکوکا حول الدوافع والأهداف المرامة من هذا الهجوم. فهناک جهات اعتبرته هجوما مخابراتيا تقف خلفه جهات تخطط لترسيخ عمق الأزمة الإقتصادية وعدم الاستقرار في البلد.
وقد نددت وزارة الخارجية الأفغانية بهذا الهجوم وقالت أن أعداء الإمارة الإسلامية لن يسطيعوا، في ظل حاکمية النظام الإسلامي، تحقيق أهدافهم من خلال هذه الأعمال.
يوناما أيضا، الممثل السياسي لمنظمة الأمم المتحدة، إلى جانب تنديدها، عبرت عن قلقها إزاء تردي الأوضاع الأمنية في البلد، واعتبرت أن التشدد ليس هو الحل المناسب.
حامد کرزي، الرئيس السابق لأفغانستان، هو الآخر ندد بشدة هذا الهجوم، الذي ذهب ضحيته کثير من المواطنين، أنه عمل إرهابي ضد البشرية ، مخالف للقيم الإنسانية والإسلامية .
أما رئيس الهيئة العليا للمصالحة الوطنية الدکتور “عبدالله عبد ا لله” فقد قال ان هذه الجنايات الغير إنسانية تخالف کل المعايير والقيم الدينية والإسلامية؛ ولا يمکن تبريرها بأي شکل من الأشکال.
هذا وقد نددت عدة جهات أخری بهذا العمل الإرهابي منها هيئة الإغاثة الإسلامية، الإتحاد الأوروبي، أمريکا، روسيا، باکستان، إيران و قطر و أعربوا عن تأسفهم و تضامنهم مع أسر الشهداء و المصابين .
و تواجه طالبان منذ استيلائها على القدرة في البلد ضربات قاسية و حربا يمکن أن نسميها حرب عصابات مدمرة منظمة، بارعة الدقة في انتخاب الأهداف کتفجير السفارة الروسية و الباکستانية و فندق إقامة الوفد الصيني، وغيرها کثير ، مما جعل جمهوريات آسيا الوسطى المراقبة للأحداث و روسيا بالذات تعيش في قلق و رعب و تأهب دائم و حالة استنفار .
فالإمبراطورية الروسية و هي تخوض في أوکرانيا حربا قاتلة لها و لاقتصادها و لتاريخها و لأفکارها الإستراتيجية و لا تهاب الدول العظمى مثلها بل تتحداهم و تخوفهم بما لديها وبما يمکنها أن تفعله ، نجدها تلي اهتماما لا مثيل له بالملف الأفغاني مذ خروج القوات الأمريکية من هذا البلد .
وفي الوقت الذي نجد فيه الإعلام العالمي و الأوروبي و أصحاب القرار يجودون بکل طاقاتاتهم و أوقتاتهم لخدمة القضية الأوکرانية و توجيه أنظار العالم إلى التفکر معهم في مصير الشعب الأوکراني، نجد أن روسيا متخوفة علی مصيرها بسبب سلبيات مجرى الأحداث في أفغانستان.
فهل کان اتهام روسيا للغرب و تحميله مسوٴولية تفشي الإرهاب کان مجرد ادعاء فارغ أم أن المخابرات الروسية ( الکاجبي) کانت متأکدة من الصفعة القادمة التي ستتلقاها. ما هو جدول الأعمال الأمريکي الذي رسمته في وسط آسيا بعد خروج قواتها منها . ماذا ينتظر جمهوريات آسيا الوسطى الخمسة لو ساندت روسيا في حربها على أوکرانيا . و ماذا لو نقل تنظيم الدولة عملياته إلى المناطق الشمالية لأفغانستان.
هذه أسئلة ستساعدنا في فهم الاستراتيجية الجديدة لأمريکا في هذه البقعة من العالم فالحرب الباردة ما تزال بعيدة المدی مع تطوير نوعي في الأسلوب و الأداء.
Source : https://dinpresse.net/?p=19416