زعيم الخيرالله
المشهدُ العِراقِيُّ الحاليُّ يُعَبِّرُ عن هذهِ الازمةِ، عن هذهِ الاشكاليّة، وهي عدمُ تحديد الحدودِ، ورسمِ المفاهيم بين السلطةِ والدولة. من الضروريِّ جداً تحديدُ المفاهيم، وعدمِ التداخلِ بينها. وهذا الوعيُ يُعّبِّرُ عن حالةِ نُضجٍ فكري، ومغادرة لمرحلةِ الطفولةِ الفكريّة.
الحكومةُ وَوَعيُ السُلطةِ
الحكوماتُ العِراقيّةُ المتعاقبةُ بعد 2003 م، وبعد غياب الدولة، وحل مؤسساتها كحل الجيش العراقيِّ، الذي هو مؤسسة دولة، وان كانت الحكومات المتعاقبةُ على حكمِ العراق قبل سقوط النظام السابق، جعلته اداة سلطوية تخدم مصالحها ضد تطلعات الشعب.
حكومات ما بعد 2003م، كانت على وعيٍ كبيرٍ في السلطةِ وآلياتها، وكيفيةِ تقاسم المناصب والمواقع، وتوزيع الثروات. حتى الدستور صُمِمَ ليُعَبِّرَ عن سلطة المُكَوِناتِ، لا عن دَولةِ المواطن. هذا الوعي المتقدم في السلطة وآلياتها، صاحبَهُ غيابٌ كبيرٌ لوعي الدولة وحاجاتها وحسنِ إدارتها. فلا خدمات ولا تعبيد طرق، ولاتوفير خدمات، ولا مشاريع جادة لتوظيف العاطلين، ولا توفير فرص عمل للخريجين. ( وهذه الامور تتعلق بوعي الدولة، وهي كلها غائبة ).
المحاصصة مشروع سلطة، ووعي سلطة، وليسَ مشروع دولة، ولا وعي دولة، وفهم للمواطن وتوفير حاجاته، وتوفير الخدمات له. الفساد المالي، والرشاوى، والصفقات المشبوهة، كان وعياً متقدماً للسلطة، وتوزيع مناصبها وثروات البلاد بين المتحاصصين، من أحزاب وقوى وتكتلات، وقوميات، وطوائف.
المواطن وغياب وعي الدولة
والمواطن كذلك، شريحة واسعة منه، لا تميز بين السلطة والدولة، ولاتميز بين حدود الدولة وحدود السلطة. المطالب الحقة للمتظاهرين مشروعة، والتظاهرات السلميّة مطلوبة، وهي تعبر عن الضغط على السلطة.. ولكنّ القتلَ الدمويُّ الساديُّ الذي مارسته شريحةٌ من المتظاهرينَ، وحرق الممتلكات العامة، وتعطيل المنافذ الحدودية، وإجبار الطلاب على ترك مقاعد الدراسة؛ دليل على أن هناك شريحة لا تميز بين السلطة والدولة. خطابات المرجعية كانت دائماً تضع النقاطَ على الحروف، وتميّز بين الأمور؛ حتى لايقعَ اللبسُ والخَلطُ. حتى في فقهنا، هناك مفردة ” وجوب حفظ النظام” اي المصالح العامة للناس، وهذه المفردةُ تؤكد على وعي الدولة، حتى وان كنا مختلفين مع نظامها السياسي.
وهذه العقليّةُ، التي لا تفرق بين مفهوم الدولة ومفهوم السلطة، أشار اليها الكاتب اليابانيُّ (نوتوهارا)، في كتابه: ( العرب وجهةُ نظرٍ يابانيّة )، فيقول:
( العرب لايفرقون بينَ الدولة والحكومة، حيث انهم يدمرون الممتلكات العامة؛ لاعتقادهم بأنها ممتلكات الحكومة، وليست ممتلكاتهم).
الغربيون وعوا العلاقة بين السلطة والمواطن فنظموها بالعقد الاجتماعي، حتى يضعوا الحدود بين السلطة والدولة، وموقف المواطن منهما.
في نظري هذهِ هي الإشكاليّة العميقة. لو حافظ المتظاهرون على سلميتهم، ولم يسمحوا لأصحاب الأجندات التي تريد حرف مسار التظاهرات المطلبيّة، ولو امتلكت الحكومة بصيرة ووعيا في الدولة ووظائفها؛ لكانت الأوضاع مختلفة تماماً.
يمكن للمظاهرات السلمية، أن تضغط على الحاكمين ليغيروا بوصلتهم باتجاه وعي الدولة ومتطلباتها، وبعيدا عن وعي السلطة ومحاصصاتها، وفسادها. يمكن ان تضغط المظاهرات على الحاكمين لتجعل منهم رجال دولة، يحملون هموم الدولة، وخدمة مواطنيهم، بدل ان يكونوا طلاب سلطة ، يفكرون بهمومهم الشخصية، ومصالح كتلهم وأحزابهم.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=5217