2 يونيو 2025 / 11:32

وقفة مع الدراسات القرآنية القديمة

محمد أومليل

الدراسات القرآنية، بشكل عام، مرت عبر مراحل وتحقيب زمني محدد؛ بدءا ب”القديمة” وانتهاء ب”المعاصرة” مرورا بـ”الجديدة” و”الحديثة”.

أربع مراحل، نقصد ب”المعاصرة” زمنيا؛ أواخر القرن العشرين والفترة الراهنة وآخر ما ظهر من دراسات قرآنية.
أما باقي المراحل الثلاثة فقد تم تقسيمها زمنيا إلى خمس سنوات لكل مرحلة على أساس التقويم الهجري.
أربعة مراحل يجمع بينهم عموم وخصوص؛ هذا الأخير رهين بـ”قانون التطور” وما يبرزه من ارتفاع السقف المعرفي بين الفينة والأخرى بحكم السيرورة والصيروة التاريخيين عبر أجيال وتراكم معرفي وتطور نوعي، بقدر ما يمتد الزمن بقدر ما تتوسع المعارف وتتطور مع الاختلاف في الدرجة بين جيل وآخر؛ يتضح ذلك من خلال المقارنة بين “الدراسات القديمة” و”الدرسات المعاصرة”؛ البون شاسع ولا مجال للمقارنة؛ إنه قانون التطور!
إذا كان “الفصل الثاني” تم تناوله بناء على النقد والتقويم-كونه شارحا لـ”موانع الفهم والاستمساك”، عنوان الفصل، لذا، فالنقد والتقويم أمر ضروري منهجيا- فـ”الفصل الثالث” سيتم التفصيل فيه بمعزل عن النقد والتقويم، بل سنحاول جهدنا ما أمكن بأن نلتزم بقدر من الموضوعية مقتصرين على التوصيف والتقييم، أي سنقتصر على رصد ما تم إنجازه، فقط، في القرون الخمسة الأولى؛ على غرار ما تقوم به العلوم التالية: علم تاريخ العلوم، علم الاجتماع المعرفي، علم الانثروبولوجيا المعرفي، علم الاجتماع بشكل عام.
موضوع “الدراسات القرآنية” له صلة بتلك العلوم، لذا، سوف نعتمدها من حيث كلياتها العامة وقواعدها الأساسية.
“الدراسات القرآنية القديمة” بدأت شفاهة (رواية) طيلة ما يزيد عن قرنين؛ بدءا من نزول الوحي وما تلاه من تبليغ الرسول، صلى الله عليه وسلم، الوحي كما أنزل عليه وبكل صدق وأمانة، ثم تم تدوينه في المصاحف من قبل “كتبة الوحي”؛ بعض الصحابة الذين يتقنون الكتابة، ثم مرحلة جمع أبي بكر، ثم جمع عثمان بن عفان وما قام به من عملية توحيد المصحف ونسخه ونشره عبر أربع نسخ إلى البصرة والكوفة والشام واحتفظ بالنسخة الرابعة للمدينة، وقيل خمس، وقيل ست، وقيل سبع؛ يطلق عليه: “المصحف الإمام”.
وما تلى ذلك، في ظرف قرنين، من إضافات وتحسينات؛ تنقيط، تشكيل، تهميز، تقسيم..، إلى غير ذلك مما تمت إضافته في العهد الأموي.
أما تدوين أوليات الدراسات القرآنية؛ بدأ في بداية العهد العباسي الموسوم ب “عهد التدوين”.
آنذاك، بدأ التدوين في مجال القراءات والتفسير وقواعد التجويد، فما لبثت أن تفرعت “الدراسات القرآنية القديمة” بحيث شملت؛ أسباب النزول، الناسخ والمنسوخ، أصول التفسير، المصاحف، المكي والمدني، التوقيفي والتوفيقي، القطعي والظني، المجمل والمفصل، المطلق والمقيد، المحكم والمتشابه، العام والخاص، الوجوه والنظائر، الرسم، الخط، الغريب، المفردات، المعاني، البلاغة..، إلى غير ذلك مما تم تأليفه في “عصر التدوين” حول “علوم القرآن” على وجه الخصوص.
ما تقدم ذكره أعلاه تم في حدود خمسة قرون؛ شملت العهد النبوي والعهد الأموي وقرابة أربع قرون من العهد العباسي.
كل ذلك أنجز في حدود السقف المعرفي لتلك الفترة الزمنية التي كانت تسودها الثقافة الشفاهية ( المعتمدة على الرواية) وانتشار الأمية (من حيث القراءة والكتابة)، أي: كانت الكتابة نادرة جدا وحروفها لم تتجاوز خمسة عشر حرفا، المتداولة آنذاك، كان المكتوب يدون من خلال ذلك العدد من الحروف ويقرأ سليقة واعتمادا على ما هو متداول ثقافيا واجتماعيا؛ كما يقرأ الصيدلي ورقة الدواء، من قبل الطبيب، المكتوبة بخط لا يفك شفراته غير الصيدلي. وقس على ذلك كل أنواع التواصل الكتابية بين طرفين تجمع بينهما صناعة معينة أو ثقافة خاصة بهما.
بالإضافة إلى شح ما يكتب عليه من مواد بدائية مثل: الحجارة، اللخاف، العظام، الخشب، العسيب، الجلود..
كل ما تم تحصيله وتدوينه، في القرون الخمسة الأولى من تاريخ المسلمين، رهين بذلك السقف المعرفي والجو الثقافي العام؛ من خصائصه وسماته ما تم ذكره أعلاه؛ تعد مرحلة بدائية مقارنة مع السقف المعرفي المعاصر، بحيث لا مجال للمقارنة.
حسب الشروط الموضوعية، آنذاك، أول كتاب دون، بذلك الحجم الذي كان يزن ثمانية كيلو من أوراق الجلد، هو “المصحف الإمام” المنسوب لعثمان بن عفان!
ما قبل “عصر التدوين” لم يكن هناك أثر لتأليف الكتب نظرا لعدم وجود الشروط المناسبة للتأليف والتدوين.
عموما، دراسة القرآن، التي اقتحمها علماء مسلمون في عهد مبكر من تاريخ المسلمين، ليس بدعة وأمرا محدثا في الدين بل لها أصل وسند من القرآن الكريم الذي ورد فيه لفظا: “دراسة القرآن”.
ما أجملناه في هذه الفقرة سوف يتم التفصيل فيه ضمن الفقرات القادمة بحول الله وتوفيقه.