وقفات نقدية حول قراءة طه عبد الرحمن وأحمد عصيد للقضية الفلسطينية

دينبريس
2025-01-03T08:04:21+01:00
كتاب الأسبوع
دينبريس3 يناير 2025آخر تحديث : الجمعة 3 يناير 2025 - 8:04 صباحًا
وقفات نقدية حول قراءة طه عبد الرحمن وأحمد عصيد للقضية الفلسطينية

منتصر حمادة
هذا أحد أعمال الباحث المغربي محمد زاوي متناولا بالنقد قراءات عدة أقلام محلية وإقليمية للقضية الفلسطينية، مع رهان جريء وصريح عنوانه أخذ مسافة نظرية من مجمل هذه القراءات، والاحتفاظ بالتالي، بهامش حرية أكبر في معرض تقييم هذه الرؤى. جاء الكتاب موزعا على مقدمة وعشرة فصول وخاتمة، (صدر الكتاب عن دار “إحياء”، مراكش ومؤسسة “ما يسطرون”، ط 1، نوفمبر 2024، 157 صفحة).

نبدأ بإشارة جاءت في الخاتمة، وجاء فيها أن “غياب الوعي ليس هو ما تعانيه القضية الفلسطينية فحسب، وإنما هناك فوضى عارمة أخطر بكثير من ذلك، سببها تعدد المتحدثين بمرجعيات إيديولوجية مختلفة. والحال هذه، لا تكون فلسطين وقضيتها هي منطلق التحليل والنظر، بل تمثلات كل متحدث انطلاقا من إيديولوجيته حول القضية.

في باب الأمثلة التي يشتغل عليها المؤلف انطلاقا من الأرضية أعلاه، نذكر أقلام المرجعية الإسلامية وأقلام المرجعية الحداثية. اختار على سبيل المثال طه عبد الرحمن في التيار الأول، وهذا هو موضوع الفصل السابع، مع الإشارة هنا إلى أن المرجعية الإسلامية هنا تفيد المرجعية الصوفية وليس المرجعية الإسلامية الحركية، بصرف النظر عن تحولات في خطاب طه عبد الرحمن، تفسر توظيف تلك التحولات من قبل الإسلاميين، وخاصة التيار الإخواني، لكن هذا موضوع آخر، كما اختار المؤلف أحمد عصيد في التيار الثاني، وهذا موضوع الفصل الثامن، إضافة إلى وقفات محمد زاوي عند معالم ثلاثة أطروحات في معرض فهم الكيان إياه: إسماعيل راجي فاروقي، إسرائيل شاحاك وعبد الوهاب المسيري، وهذا محور الفصل الرابع.

نقتصر في هذا العرض الأولي على إشارتين نقديتين في هذا السياق.

ــ الأولى تهم ما صدر عن طه عبد الرحمن في كتابه “ثغور المرابطة”، وهو الكتاب الذي كانت تبعاته سلبية على نسبة من أعماله مؤلفه، إلا عند الإسلاميين، الذين احتفوا بهذا الكتاب تحديدا، سواء تعلق الأمر إخوان المغرب والجزائر أو إخوان الوطن العربي، وليس هذا مقام التفصيل في هذه الجزئية.

نقرأ للمؤلف إذن، في معرض مناقشة القراءات النقدية التي صدرت عن طه عبد الرحمن ضد السعودية وإيران في الكتاب نفسه، أن ــ والقول محمد زاوي “هذا النموذج من الفقه والسياسة لا يفسر من واقع النظامين شيئا، أضف إلى ذلك أنهما لن يتحققا مهما حلم بهما طه عبد الرحمان، كما أن العلاقة بين السعودية وإيران لا تنتج عن حلم وإنما عن وعي قادة الطرفين بأن مصالحهما الاستراتيجية المشتركة ستتحقق بالتحالف بينهما وبعد الوعي، يأتي العمل على تنفيذ الحلف بالتدريج في واقع يتسم بالآتي: علاقة السعودية بحلفائها المدنيين في الداخل الأمريكي وخوفها على حدودها من التوسع الإيراني في المنطقة، حاجة إيران إلى أوراق ضغط في سبيل إنجاح استراتيجيتها العسكرية (النووية) ما يجعلها تقترب تكتيكيا من العسكريين في الداخل الأمريكي، علاقة كل من النظامين بمحيطهما الإقليمي وبالقوى الشرقية الصاعدة (الصين) (روسيا)… الخ.

كلها معطيات لا يستحضرها طه عبد الرحمان بل لا يكلف نفسه عناء النزول عندها. ونحن نقول: “من شأن الحلف بين السعودية وإيران أن يخدم القضية الفلسطينية كما من شأنه أن يشكل سندا قويا للمقاومة الفلسطينية، إلا أن تحقيقه في واقعه أكثر تعقيدا وخاضع لميزان القوى الدولي لا لرغبات ومثاليات المفكرين والفلاسفة” (ص 116).

ــ نأتي للإشارة النقدية التي تهم أحمد عصيد، حيث، يضيف المؤلف أن الناشط الأمازيغي، كتب في إحدى تدويناته، معلقا على اغتيال محسن فخري زاده: “لم يسبق لإسرائيل أن اغتالت فقيها مسلما أو داعية من الدعاة المفوهين أو خطيب مسجد أو أحد الرقاة الشرعيين أي من يسميهم المسلمون خطأ ب”العلماء”، إنها تستهدف العلماء الحقيقيين المختصين في العلوم الدقيقة وخاصة الفيزياء النووية لأن أساس التفوق في عصرنا هو العلم والعقلانية العلمية بجانب الديمقراطية وحقوق الإنسان طبعا، وليس التشدد في الدين وإحياء الفقه القديم والحلم بالخلافة وإشاعة الكراهية وتكريس الاستبداد والتقاليد البالية”.

وهذا قول مغرض ومدلس، ــ يضيف محمد زاوي ــ ومحرّف للحقيقة، بغرض إخراج “إيديولوجيا “المقاومة من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، ومن دائرة الصراع بين الوطن العربي والإمبريالية الجديدة وما محسن فخري زاده، كعالم نووي إلا النموذج الذي أساء عصيد قراءته، أو لعله قرأه قراءة زائفة ولا ترى الحقيقة كما هي” لأنه “لا الكيان الصهيوني يغتال علماء الفيزياء النووية وحدهم وإلا ففي أي خانة من الاغتيال سندخل اغتيال: أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وعباس موسوي وموسى الصدر… إلخ؟ ولا الإمبريالية تغتال المتخصصين في العلوم الدقيقة والتكنولوجيات، وحدهم، وإلا في أي خانة سندخل اختفاء المهدي بن بركة وموت عزيز بلال في ظروف غامضة، واغتيال كل من حسين مرة ومهدي عامل… إلخ؟”. (ص 126)

في معرض الرد على السؤال المؤرق الذي جاء فيه: “ماذا يقول التفكير السياسي في فلسطين؟”، نقرأ لمحمد زاوي ما يلي: القضية الفلسطينية هي “محط صراع جيوستراتيجي عالمي وإقليمي أيضا، [حيث إن] كل دولة تكيف القضية وفق مصالحها، وتسعى إلى استثمارها لصالح ما يخدم استراتيجيتها من لا يعي هذا البعد في القضية سيسقط لا محالة في استراتيجية دول أجنبية مصالحها قد تكون على النقيض من مصالح دولته.

يقول مَن لا يعي البعد السياسي للقضية كلاما كبيرا يدعي النطق باسم شعوب العالم كلها باسم الإسلام باسم الإنسانية وعوض ان يكون جزءا من استراتيجية دولة يعيش وتدبيرها، يصبح مجرد رجع صدى لإيديولوجيات تخدم دولا أجنبية لا القضية الفلسطينية”، مضيفا أنه “لم يسقط في هذا الشراك عامة الناس وحدهم، بل فلاسفة ومثقفون وساسة، غيبوا بُعد الدولة في القضية، فألقوا بأنفسهم في استراتيجيات أجنبية، ويزعمون أنهم يحسنون صنعا”. (ص 141).

هذا غيض من فيض كتاب قيم يستحق التنويه على مضامينه النافعة للقراء، بما في ذلك النخبة البحثية المتتبعة للموضوع، بصرف النظر عن عدتها النظرية ومرجعيتها الإيديولوجية، وإن كانت الوقفات النقدية التي جاءت في هذا العمل القيم، لا تصب قط في مصلحة تلك النخب المؤدلجة يمينا [بما في ذلك اليمين الإسلامي الحركي] ويسارا.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.