محمد أكعبور ـ باحث في الخطاب والإعلام الديني
يوم 06 أبريل 1947 ستعرف مدينة الدار البيضاء أحداثا دموية لصرف نظر السلطان عن الرجوع لزيارة طنجة المقررة وفق برنامج سياسي وديني وعلمي محكم، ممثلا في الخطاب السياسي التاريخي ليوم 10 أبريل 1947 واللقاء الدبلوماسي هناك، وكذا الخطاب الديني ليوم 11 أبيرل 1947.
الرحلة الغالية إلى طنجة العالية:
هي إذن رحلة وفق برنامج عملي محدد بتواريخ لتنفيذ المشاريع السلطانية كما يلي:
يوم 09 أبريل 1947 تاريخ الزيارة الملكية وهناك ألقى جلالة السلطان محرر الأوطان خطابه التاريخي عن مطلب الاستقلال وبذلكم أعلن أن طنجة علوية وليست دولية، مما جاء فيه ” كان العلم بينا منبثق الأنوار، متبلج الأسرار، فهجرناه حتى أظلمت سبلنا وعظمت بالجهل حيرتنا [1]”
10 أبريل 1947 جلالة السلطان استقبل الأعيان والممثلين الدبلوماسيين[2].
11 أبريل 1947 السلطان يخطب ويؤم رعاياه بالجامع الأعظم بطنجة .[3]
13 أبريل 1947 السلطان يعود إلى الرباط[4].
وقفة مع الشخصية الدينية للسلطان سيدي محمد بن يوسف “كان السلطان محمد بن يوسف تقيا ورعا، محافظا على الطقوس والشعائر الدينية، كما كان يحب العلم والعلماء، فما أن يحل رمضان حتى يلزم عاصمة مملكته الرباط ويواظب على تلاوة القرآن في التراويح الليلية التي يقوم بها طرفي الليل”.[5]
سأهتم بهذه الرحلة الغالية إلى مدن الشمال ومنها طنجة العالية من الناحية العلمية والدينية في سياقها التاريخي وفي السياق الحديث للاستلهام منها العمل الديني والوطني والتنموي الذي يقوده الملك محمد السادس.
وإن كانت رحلة دبلوماسية فهي أيضا رحلات ويحدثنا خطاب طنجة التاريخي الذي سنورد مقاطع منه عن تلكم الرحلة للتدليل على ذلكم:
لقد أكرم الله المغاربة يومها ب” نعمة اجتماع بين قلوب اتحدا وجهتها وصفت محبتها وأخلصت له عملها ذلك وصف المؤمنين…..” [6]
رحلة دينية : 11 أبريل 1947 السلطان يخطب ويؤم رعاياه بالجامع الأعظم بطنجة.
مما جاء في تلكم الخطبة المنبرية: بالجامع الأعظم بطنجة والتي كان عنوانها الأبرز النصيحة.
“ما كان للمسلمين إذا دعوا إلى التعاون على الأعمال البِرية والمصالح الاجتماعية وتأسيس الجمعيات التعاونية والشركات الاقتصادية واللجان التعليمية أن يتكاسلوا عن مد الساعد وتخفيف الشدائد بعد ما سمعوا الخطاب الإلهي: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان….
ونحن بما استرعانا الله من أمركم وحملنا من شأنكم لا نألوا جهدا في الدفاع عن حوزتكم …لا نعلم وسيلة لخيركم إلا نتخذها، ولا طريقا لنجاحكم إلا نسلكها ….فمهدنا لتعميم التعليم الأسباب وفتحنا في وجوه الطلبة الأبواب وأعدنا لكليات العرفان بهجتها وأقمنا معالمها[7] “.
وانطلقت الرحلات وهي:
رحلة علمية: “ولما علمنا أن لا حياة لهذه الأمة إلا بما تقدم به سلفها الكريم أخذنا على عاتقنا نشر العلم سواء منه الجديد والقديم…..وذلك لاكتساب وسائل السعي إلى الأمام في سبل الرقي ” .[8]
رحلة التحرر: “جئنا نتفقد شؤون طنجة وكل أرجائها تفقد الأب الحنون، الذي يشعر بكل ما عليه من الواجبات، المساعد للقيام بتنجيزها ليريح ضميره ويرضي ربه وينهض ببلاده نهضة تسترد ما مضى لها من مجد”[9]
رحلة سياسية: ” فانتقلنا عند كل مناسبة إلى كل جهاتها من مغربها إلى المشرق، وآن الأوان أن نزور عاصمة طنجة التي نعدها من المغرب بمنزلة التاج من المفرق فهي باب تجارته ومحور سياسته …..فجددنا بها عهد زيارة جدنا المقدس مولاي الحسن [10]”
رحلة سيادية: ” وما يجب أن تطمح إليه من استرداد الحقوق،…..ولكم سرنا تجديد العهد بكل هذه البلاد التي حل بها ركابنا الشريف ما يخوله الانتساب إلى العرش الذي عمل منذ قرون بكل ما أوتيه من قوة على حفظ كيان الأمة وسلامة أجزائها وسعادة مختلف طبقاتها [11]”.
رحلة دبلوماسية: ” اتفقت جل الكتابات التي تناولت بالتحليل والتعليق رحلة السلطان سيدي محمد بن يوسف إلى طنجة بأنها كانت تشكل حدثا بارزا في تاريخ المغرب، ذلك أن السلطان كان يهدف من ورائها إلى التأكيد على مغربية طنجة ……كما أنه كان يريد أن يبرهن للعالم أجمع أن سكان المناطق الشمالية يعتبرون من رعاياه، وأنهم يتمتعون بنفس العطف الذي يتمتع به رعاياه في مجال منطقة النفوذ الفرنسي”.[12]
الرحلة السلطانية إلى العريقة التطوانية:
يوم 9 أبريل 1956م ، ليزف منها خبر استقلال مدن الشمال.
خطبة الجمعة التاريخية لجلالة السلطان الإمامِ الهُمامِ المغفورِ له محمدٍ الخامس والتي ألقاها ب “المسجد الأعظم” بمدينة تطوان أواخر عام 1957 .
مذكرا في الخطاب الديني الجامع بالمسجد الجامع في الأمة ضد الاستعمار الجامح بأن ”الاستقلال لا يدوم إلا بصالح الأعمال والاستقرار وكذا الاستقامة على الفضيلة والأخلاق النبيلة” [13].
إن محمدا الخامس الملكَ السطانَ والعالمَ الإمامَ ليتعبر بحق أبَ الأمة وزعيمَ المقاومة، بالعلم والحلم واجه المستعمر وكافح من أجل الاستقلال، رافضا في الوطن الاستغلال، مواجها سبل وخطط التغرير مما أقدم عليه من جميل التقرير.
ولنستمع إلى هذا المعجم الوارد في تلكم الخطبة وهو فريد في المبنى حافل بالمعنى: البعث والإحياء والأمة والإيمان والعمل والاستقامة والإحسان والخير والشر
والمسؤولية والتكليف والفضائل وشكر النعم وكفرانها.
ومن خلال تلاوة تلكم الخطبة التأصيلية نستفهم :
التأسيس للخطاب الديني الذي يمزج القضية الوطنية والدينية وما أحوجنا اليوم إلى سماع وإسماع هذا الخطاب إذ لم ينفك الخطاب الديني عن الخطاب الوطني بالمغرب يوما .
الدور العلمي والديني والوطني لمدن الشمال في عهد الملك محمد السادس.
والآن مع محطات دينية نموذجية بالشمال للملك محمد السادس وفق تحقيب كرنولوجي بحسب ما يسمح به الزمن العلمي:
بمدينة تطوان: الملك محمد السادس يوم 15 دجنبر 2000، كلمة سامية خلال تنصيب أعضاء المجلس العلمي الأعلى ورؤساء وأعضاء المجالس العلمية الإقليمية.
مما زرد فيها : ” في غمرة المباهج والإشراقات الروحية لشهر الصوم الكريم يسعدنا ونحن في مدينة تطوان العريقة أن ننصب المجلس العلمي الأعلى الذي نرأسه والمجالس العلمية الإقليمية التي تنتظم تحت إشرافنا.
وإذا كنا في هذا نسير على سنة أسلافنا الميامين ونواصل نهج والدنا المقدس الملك الحسن الثاني عليه في العناية بالعلم ورعاية العلماء وإقامة المؤسسات العلمية فإننا نسعى إلى بعث جديد لهذه المجالس حتى تواكب التطور الذي يعرفه المجتمع المغربي وما نتطلع إليه من إصلاح وتغيير.
إننا نريد من مجالسنا العلمية أن تكون مجالا رحبا يتيح للعلماء أن يؤدوا رسالتهم الدينية والوطنية بدءا بتأطير المواطنين والمواطنات أينما كانوا لتحصين عقيدتهم وحماية فكرهم وإنارة عقولهم وقلوبهم بما يجعلهم مؤمنين ملتزمين بدينهم ومقدسا تهم غير مهددين بتيارات التشويه والتحريف.
وهذا يقتضي توسيع نطاق الوعظ والإرشاد والدروس التوجيهية والمساهمة الفاعلة في عملية محو الأمية التي أمرنا بفتح المساجد لها والمواظبة على تنظيم دورات تكوينية للقيمين الدينيين بتنسيق مع وزارتنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية مع ضرورة الاهتمام بالمرأة وإشراكها في المجالات الحيوية التي هي جديرة بالإسهام فيها”.[14]
بمدينة تطوان: الملك محمد السادس يوجه خطابا من داخل مسجد محمد السادس بتطوان يوم 28 رمضان 1429 الموافق لـ 7 شتنبر 2008 خلال ترؤس الملك محمد السادس الدورة العادية للمجلس العلمي الأعلى حول إعادة تنظيم المجالس العلمية وتعميمها معلنا أيضا عن برنامج “ميثاق العلماء” [15] الذي يهدف إلى تطوير الخدمات الدينية وتأطير المواطنين من خلال تأطير أئمة وخطباء المملكة من خلال الاستناد إلى المرجعية الدينية المغربية وفاء للثوابت الدينية والوطنية ممثلة في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وتصوف الإمام الجنيد وإمارة المؤمنين الحامية للملة والدين .
ومما ورد في ذلكم المقام السامي مما قاله حامل أشرف الصفات والأسامي “هدفنا الأسمى، تعزيز المساهمة الفاعلة لعلمائنا الأفاضل، في المسار الإصلاحي والتحديثي الذي نقوده في سائر المجالات، ولا سيما قيامهم بتعزيز الأمن الروحي للأمة بتحصين عقيدتها السنية السمحة……
كما تولينا تجديد وإعادة تنظيم المجلس العلمي الأعلى، والمجالس العلمية المحلية، وفق منظور طموح يكفل الارتقاء بالخطاب الديني إلى ما نتوخاه، بحيث يستوعب واقع الحياة المعاصرة ويحصن شبابنا من فقدان المرجعيات واستغلال الدخلاء والمتطرفين…….
ولهذه الغاية، ندعو لتفعيل خطة ” ميثاق العلماء” وفق برنامج محدد، يشرف عليه المجلس العلمي الأعلى، بتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، داعين الحكومة لإمدادها بكل الوسائل اللازمة لإنجازه. برنامج يقوم على التعبئة الجماعية والخطاب الديني المستنير المناسب لمدارك المخاطبين وواقعهم المعيش.
وفي نفس السياق، أقمنا هيأة مرجعية تختص وحدها بإصدار الفتاوى الشرعية، صيانة لها من تطاول الخارجين عن الإطار المؤسسي الشرعي، لإمارة المؤمنين، الذي نحن مؤتمنون عليه.
وعلى الصعيد التربوي، فقد شمل هذا التوجه الإصلاحي، كافة المؤسسات ذات الصلة بالتعليم العتيق والتربية الإسلامية.”[16]
وأهدف من إيراد هذه النماذج من الخطاب الملكي إلى الاقتراب من ذلكم الدور العلمي والديني لمدن الشمال بصفة عامة وبتطوان بصفة خاصة .
بمدينة الحسيمة: الرسالة السامية للملك محمد السادس، الموجهة للمشاركين في اللقاء الأول للعالمات والواعظات والمرشدات المؤطرات للشأن الديني بالرباط 24 رجب 1430ه/17يوليوز2009[17]
بمدينة المضيق: الملك محمد السادس يؤدي صلاة الجمعة بمسجد محمد السادس، يوم 24 غشت 2015[18]
بمدينة الفنيدق: الملك محمد السادس يؤدي صلاة الجمعة بمسجد محمد الخامس، يوم 18 سبتمبر 2015[19]
بمدينة طنجة : الملك محمد السادس يؤدي صلاة الجمعة بمسجد النصر، يوم 09 أكتوير 2015[20]
بمدينة طنجة :الملك محمد السادس يؤدي صلاة الجمعة بمسجد الأندلس، يوم 16 أكتوير 2015[21]
وإن أداء صلاة الجمعة بإحدى مساجد المملكة للملك محمد السادس وهو يتفقد أحوال رعاياه المستمسكين بحبل الله المتين وعمل المغاربة الوطني والديني المكين لهو أكبر تجل لتجديد البيعة؛ الركن التعبدي الذي يضمن السير الطبيعي للمعاش ويقي من فتنة المعاد وهذه البيعة الشريفة تجددت للملك محمد السادس في كل مساجد المملكة الجامعة على المنابر المسجدية وعلى الكراسي الوعظية في مناسبات دينية واجتماعية عقب الانتهاء وفاء لسنة المغاربة في الدعاء للسلطان بالنصر والعز وحفظ الأوطان.
بمدينة تطوان: 17شتنبر2015 الملك محمد السادس يعطي انطلاق الموسم الدراسي 2015/2016.[22]
بمدينة تطوان: 17 أكتوبر 2015 الملك محمد السادس يفتتح برنامج التنمية المجالية للحسيمة الموسوم ب ” الحسيمة منارة المتوسط”.[23]
بمدينة تطوان: خطاب الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى 20 لعيد العرش المجيد يوم 29 يوليوز2019.[24]
بمدينة تطوان: حفل استقبال بمناسبة الذكرى 20 لعيد العرش يوم 30 يوليوز 2019.[25]
بمدينة تطوان: الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى 21 لعيد العرش المجيد يوم 29 يوليوز 2020.
بهذه الإيرادات النموذجية، من أجل تعزيز تلكم الوقفات مع الرحلة الغالية إلى تلكم المناطق الشمالية العالية في سياقها التاريخي والسياسي والوطني المشحون بالأحدث؛ وفي السياق الحالي حيث المسيرة التنموية متواصلة ما جعل المنطقة استراتيجية صناعيا وسياسيا في كونها المعبر الأوروبي نحو افريقيا وبوابة المغرب نحو الضفة الشريكة في الاقتصاد والسياسية مما أفرغت فيه كثير الجهود ونفذت لحسابه عديد المواثيق والعهود، حاولت الاقتراب من الموضوع قدر المتيسر من المراجع والزمن البحثي رابطا السابق من الحدث التاريخي باللاحق من الأحداث الدينية والعلمية والوطنية والتنموية في العهدين المحُمدَيْن مع قطع وعد على النفس للرجوع إفرادا ببحث للعهد الحسني في ولايتي العهد والمُلك في مناطق الشمال وفي المغرب عموما ذات اليمين وذات الشمال.
ـــــــــــــــــ
الهوامش :
[1] خطاب طنجة 10 أبريل1947 مجلة دعوة الحق عدد خاص398 بذكرى ثورة الملك والشعب رمضان 1431ه/غشت2010م
[2] كرونولوجيا مسيرة التحرير بقيادة الملك محمد الخامس ذ/محمد المغراوي. المرجع ذاته
[3] المرجع ذاته
[4]المرجع ذاته
[5] رحلة محمد الخامس إلى طنجة 9-13 أبريل 1947الدكتور محمد الناصري منشورات :المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الطبعة الأولى2007
[6] خطاب طنجة 10 أبريل1947، دعوة الحق، مذكور
[7]محمد الناصري، مرجع مذكور من خطاب الجمعة يوم 11 أبريل 1947
[8] خطاب طنجة 10 أبريل1947، دعوة الحق ،مذكور
[9] المرجع ذاته
[10] المرجع ذاته
[11] المرجع ذاته
[12] الجذور التاريخية لثورة الملك والشعب من خلال رحلتي فاس 1934وطنجة 1947، ذ/أحمد البوزيدي، مجلة دعوة الحق شعبان 1429ه/2008عدد 390خاص بثورة الملك والشعب شعبان –رمضان شوال 1426ه/ أكتوبر-نونبر-دجنبر2005[13]محمد الخامس، نشرة الأئمة والخطباء فصلية تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية س 3 ع خطبة منبرية بالمسجد الأعظم بتطوان لجلالة المغفور له
[14] /www.maroc. ma موقع البوابة الوطنية، الكلمة السامية التي ألقاها الملك محمد السادس خلال تنصب المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية
[15] www.habous.gov.m كرونولوجيا الشأن الديني في المغرب من 1999 الى 2021 ، موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية:
[16] مجلة المجلس، عدد 6 صفر 1430ه/فبراير2009 م، يصدرها المجلس العلمي الأعلى
[17] مجلس المجلس، عدد 8-9 محرم1431ه/يناير2010م يصدرها المجلس العلمي الأعلى
[18]www.habous.gov.m كرونولوجيا الشأن الديني في المغرب من 1999 الى 2021 ، موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
[19] المرجع ذاته
[20] المرجع ذاته
[21] المرجع ذاته
[22] المرجع ذاته
[23] المرجع ذاته
[24] المرجع ذاته
[25] المرجع ذاته
المصدر : https://dinpresse.net/?p=17285