سعيد الكحل
ملحوظة: إثر الهزيمة المدوية للبيجيدي في انتخابات 8سبتمبر 2021، أصدرت أمانته العامة بيانا تعتبر فيه (أن النتائج المعلنة نتائج غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي والتجاوب الواسع المواطنين مع الحزب خلال الحملة الانتخابية). فقيادة الحزب لا تقر بالأخطاء والجرائم التي ارتكبها وزراء الحزب في حق الشعب.وتنويرا للرأي العام جاءت هذه المقالات لتبسط جملة من تلك الأخطاء والجرائم في حق الشعب والدستور والوطن ، والتي بسببها مُني الحزب بهزيمة نكراء.
طبيعي أن تتردى الأوضاع الاجتماعية لغالبية المواطنين بسبب فشل البييجدي في حسن إدارة الشأن العام وتهميشه للطاقات والكفاءات الوطنية في مختلف المجالات .الأمر الذي انعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين. ومن أبرز الأمثلة على هذا الفشل:
1 ــ عجز رئيس الحكومة على رأس لجنة كلفها جلالة الملك ، في فاتح أكتوبر 2018، ببلورة وعرض برنامج مشاريع وإجراءات لتأهيل قطاع التكوين المهني خلال مدة ثلاثة أسابيع ، فمدد له جلالته المهلة . إلا أن النتائج تبدو متواضعة انطلاقا من مؤشرات النمو(2.8%مـا بيـن2018 و2019 .) والتشغيل (انتقـل صافـي إحـداث فـرص الشـغل مـن حوالـي 144.000 منصـب إلـى 69.000 منصـب فـي المتوسـط السـنوي علـى التوالـي بيـن 2000 ــ2009 و2019-2010( راجـع وزارة الاقتصاد والماليـة وإصـلاح الإدارة، بناء علـى بيانـات المندوبيـة السـامية للتخطيـط) . وعرف معدل توفير فرص ولـوج النسـاء للشـغل تدهـورا واضحـاً، حيـث انتقـل مـن 30 % فـي عـام 1999 إلـى 18.6% فـي عـام 2019( أنظـر المندوبيـة السـامية للتخطيـط(.
2 ــ عجز الحكومة عن حماية المستهلكين: بخلاف ما يزعمه البيجيدي في برنامجه الانتخابي 2016 من “تقوية تنظيمات الدفاع عن مستهلكي ومستعملي الخدمات الصحية وحمايتهم، من خلال إرساء آليات ملائمة، وتوفير المعلومة حول الحقوق التي على العموم معرفتها وممارستها، ووضع أنظمة فعالة والمركزية لتدبير الشكايات”. فإن رئيس الحكومة لم يقم بأي إجراء إزاء تردي الخدمات الصحية وطول مدة المواعيد التي تتجاوز في بعض الحالات السنة.
إن البيجيدي “يفاخر” بتعميم بطاقة الراميد لكنه يتجاهل الواقع الصحي المتردي الذي يفرض على حملة هذه البطاقة الوقوف في طوابير طويلة أمام المستشفيات ، كما أنه ترك المواطنين بين مخالب لوبيات صناعة الأدوية وكذا المصحات الخاصة. الأمر لا يقتصر على قطاع الصحة فقط ، بل أيضا قطاعات أخرى على رأسها قطاع المحروقات ، بحيث لم يصدر عن رئيس الحكومة أي قرار ضد شركات توزيع المحروقات التي راكمت 17 مليار درهم بشكل غير قانوني وفق ما كشف عنه تقرير لجنة التقصي البرلمانية حول تحرير أسعار المحروقات.
الأمر الذي يؤكد ما قاله عبد اللطيف الجواهري ،والي بنك المغرب (سبتمبر 2017)، بأن “ليس هناك أي استفادة للمواطن المغربي من الانهيار الكبير لأسعار النفط عالمياً، ولا يستفيد منها سوى شركات توزيع المحروقات”،وأن “شركات توزيع المحروقات والحكومة متواطؤون بشكل مباشر، في إغناء تلك الشركات على ظهر المواطن الذي لازال يشتري المحروقات بنفس السعر حينما كان البرميل يتجاوز 140 دولاراً”.
3 ــ تراجع الحكومة عن قرار تسقيف أسعار المحروقات، بحيث سبق أن هدد لحسن الداودي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة سابقا ،من داخل قبة البرلمان يوم 27 نوفمبر 2018 ، الشركات بتسقيف الأسعار .وقال فيما بعد ، في حديث صحفي ( “لا يوجد أي رجوع إلى دعم الدولة للمحروقات لأننا سنقوم بتسقيف الأرباح، سواء ارتفع الثمن أو انخفض”. وأن “هامش ربح الشركات وصل في بعض الأحيان إلى 2.13 درهما، والمستهلك هو من يؤدي الثمن، واليوم قدم المجلس رأيه الذي كنا ننتظره ولم يتبق لنا إلا البحث عن حل في صالح المستهلك المغربي الذي لا يدافع عنه أي أحد في تقاريره” ليؤكد أن قرار تسقيف أسعار المحروقات “لا رجعة فيه”. ها قد مرت أربع سنوات على هذا التهديد دون أن تجرؤ الحكومة على تنفيذ قرار التسقيف .
بدل أن تتصدى حكومة البيجيدي بكل شجاعة سياسية لنهابي المال العام وتغوّل شركات توزيع المحروقات وتقدم حصيلتها للناخبين التي يزعم رئيس الحكومة أنها “مشرفة” ، أصر البيجيدي ، بكل خسة ووقاحة ، أن يسطو على البرامج والمشاريع والأوراش الكبرى التي أعطى جلالة الملك انطلاقتها ويشرف على إنجازها .
هكذا نجد البرنامج الانتخابي للبيجيدي 2021 يدعي (ولأجل تعزيز قيم التضامن بين الأجيال وتقوية التماسك الاجتماعي، يقترح الحزب “تعميم التعويضات العائلية لحوالي سبعة ملايين طفل في سن التمدرس، أي ثلاثة ملايين أسرة خلال سنتي 2023 و2024″، و”إصلاح نظام التقاعد، وتعميمه لفائدة حوالي خمسة ملايين من المغاربة الذين يمارسون عملا ولا يستفيدون من معاش في أفق سنة 2025. وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025، لتشمل غير الأجراء، وكل من له شغل قار”.
ومعلوم أن العاهل المغرب أتخذ قرارا تاريخيا، في أبريل 2021، يقضي بتعميم الحماية الاجتماعية على جميع المواطنين ابتداء من 2021 ليكتمل في 2025. مما يعني أن البيجيدي لا دخل له في هذا القرار .
كما سمح البيجيدي لنفسه السطو على المشاريع والأوراش الكبرى التي عرفتها وتعرفها مدينة الرباط ، بحيث نقرأ في برنامجه الانتخابي ل2021 : ( تحولت مدينة الرباط العاصمة الإدارية للمغرب، مؤخرا في عهد المجلس الجماعي الذي يقوده العدالة والتنمية، ممثلا في محمد صديقي، إلى مدينة المشاريع والأوراش الكبرى بعدما غير مشروع “الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية” معالمها، وبدأت ثماره تظهر في البنيات التحتية والثقافية والمعالم التاريخية التي ساهم المجلس الجماعي في تمويلها وتدبيرها).
علما أن هذا المشروع الكبير الذي غيّر معالم مدينة الرباط هو تحت إشراف جلالة الملك ، وأن الاعتمادات المالية المرصودة له حوالي تسعة ملايير و425 مليون درهم، بينما لم تتجاوز المساهمة المالية لجماعة الرباط 710 مليون درهم حصلت عليها من القروض وليس من فائض الميزانية.
إذن، بالإضافة إلى أن جماعة الرباط ساهمت بأدنى قسط في المشروع الذي تستفيد منه الجماعة نفسها ، فإن صرف الميزانية المخصصة لهذه الأوراش تظل بيد الولاة وليس بيد رئيس الجماعة الترابية للرباط .مما يعني ألا فضل للبيجيدي في هكذا مشروع . فالمجالس الترابية التي تفشل في تدبير قطاع النظافة لا يمكن أن تضع الدولة تحت تصرفها الملايير لإنجاز الأوراش الكبرى .
يتبع ..
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15548