وضع تنظيمات الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب.. كيف نفهم قرار ترامب؟

26 نوفمبر 2025

محمد زاوي

ربما تفاجأ كثيرون بقرار ترامب البدء في تنفيذ إجراءات قد تفضي إلى تصنيف بعض تنظيمات “جماعة الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، إلا أن الأمر كان منتظرا بإعلانه أو بغير ذلك، بالتصنيف في قائمة الإرهاب أو بتضييق الخناق الأمني والمالي والسياسي على الجماعة.. وذلك لعدة اعتبارات نذكر منها:

1-اعتبار خاص بالتحولات التي تعرفها الجماعة: فالجماعة التي راهنت عليها أطراف غربية، خاصة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعد قادرة على إنجاح الرهان.. فقد خسرت الكثير من قدراتها، وفقدت مواقعها في كافة دول الوطن العربي، بما في ذلك بعض مواقعها التاريخية كالسودان، حيث تحصنت الحركة عسكريا أكثر من ثلاثة عقود.. لقد فشل الرهان الأمريكي في تحويل الحركة إلى ورقة ناجعة بعد فتنة “الربيع” في الشرق الأوسط وعموم المنطقة العربية، بل ساهمت الأحداث المتعاقبة بعد “الربيع” في انحسار جماعة الإخوان وإضغاف قدراتها الاستقطابية، رغم محاولاتها إعادة ترميم ذاتها التنظيمية بالأنشطة “التكوينية” والخيرية العابرة للحدود، ورغم محاولتها الأخيرة بأنتاج خطاب استقطابي مصاحب لأحداث فلسطين الأخيرة.

2-اعتبار خاص بالتحول الدولي: إذ تجاوزت هذه التحولات الحركة بشكل كبير، فلم تعد تفهم بأي طريقة ستتفاعل مع هذا الحدث أو ذاك، ولم يعد لها مخاطَبين في مختلف دول العالم، بل أصبحت على هامش الفعل السياسي والإيديولوجي في دول منفاها، من قبيل تركيا وقطر.. فلم تكن الحركة تؤثر سابقا في هذه الدولة من صميم قدرتها على التأثير، وإنما من وجود نوع من التقاطع بينها وبين الأنظمة التي تستضيفها وتُؤويها. وكذلك تأثيرها زمن “الربيع”، كان نتيجة انخراطها في استراتيجية أكبر منها في الشرق الأوسط، وهي استراتيجية المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وأداته الاستخباراتية “cia” عبر وساطات وحاضنات إقليمية، أبرزها قطر وتركيا.. لقد تراجع نفوذ المجمع الصناعي الأمريكي (العسكري) الذي دافع عن الإسلاميين ودعا إلى توظيفهم منذ البداية، داخل الولايات المتحدة وخارجها؛ بل إن هذا المجمع نفسه لم يعد يثق إلى حد بعيد في قدرات الإسلاميين، ولا يستمر في توظيفهم إلا كمرحلة انتقالية يبحث فيها عن أدوات جديدة.. يدخل العالم مرحلة جديدة من الصراع والتنافس الاقتصادي والإيديولوجي، وقد أصبحت جماعة الإخوان بكافة امتداداتها المباشر وغير المباشر غير مؤهلة لهذه المرحلة.

3-اعتبار خاص بالإدارة الأمريكية الجديدة: وهي إدارة دونالد ترامب، المدعوم أمريكيا بالمجمع الصناعي المدني، بل هو جزء منه كرأسمال ضخم.. وقد استقرت قناعة مراكز وخبراء وباحثي ومهندسي هذا الرأسمال على قناعة تفيد: الخروج من دائرة الصراعات الإيديولوجية والسياسية التي استثمرها الإسلاميون لصالحهم قرابة قرن من الزمن، بهدف التفرغ إلى منافسة الصين اقتصاديا، ومن أجله ترميم الاقتصاد الصناعي والتكنولوجي الأمريكي بعد عقود من هدمه على يد “اقتصاد السيطرة”، اقتصاد الحروب والتوترات والنزاعات الحدودية والدعارة والقمار والمخدرات وابتزاز إدارات الدول بـ”الديمقراطية والحقوق”. هذا هو العامل الرئيسي في وجود تناقض بين الإدارة الأمريكية الجديدة وكافة تنظيمات الإسلامي السياسي السلمية أو العنيفة، السنية أو الشيعية.. إنها في تناقض استراتيجي مع: تنظيمات “الإرهاب المتأسلم”، وجماعة الإخوان وامتداداتها المباشرة وغير المباشرة، والتنظيمات الشيعية الخمينية المحافظة داخل إيران وخارجها.

4-اعتبار خاص بدول المنطقة العربية: وأغلبها حليف وشريط لترامب، أو تلك التي لا تعد شريكة له كتونس لكنها تعتبر تنظيم “الإخوان” تهديدا لاستقرارها السياسي.. القرار الذي اتخذه ترامب يجعل الولايات المتحدة الأمريكية شريكة في تناقض إدارات دول الوطن العربي مع “الإخوان”، وبالتالي مع استراتيجية المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية.. من شأن القرار أن يخفف أو ينهي الضغط على خارجيات الدول العربية، هذا الضغط الذي مورس عقودا تحت قناع “القبول بالتعددية والإسلام المعتدل”.. فكان في حقيقته مجرد ابتزاز أمريكي تمارسه “CIA” عندما تمتلك نفوذا داخل مؤسسات الإدارة الأمريكية، عبر عدة وسائل من بينها: الدفاع عن تمثيلية الإسلاميين، وعن الديمقراطية والحقوق التي توصلهم إلى السلطة.. ألم يهدد الرئيس الأسبق للولايات المتحدة باراك أوباما بالتدخل عسكريا بعد تنحية “الإخوان المسلمين” عن حكم مصر؟! ألم تفرض الخارجية الأمريكية رقابة على انتخابات ما بعد “الربيع” حتى تؤول للإسلاميين؟! ألم تعطِ هيلاري كلينتون أوامرها من مطار طرابلس لمتطرفي “الإرهاب المتأسلم” قبل أن يجدوا طريقها إلى معمر القذافي؟! لقد ظل الإخوان منذ نشأتهم ورقة من أوراق الضغط الأمريكية على الدول العربية، لكن هذه الورقة قد احترقت، أم الجهة الضاغطة لقد تراجع نفوذها أمريكيا ودوليا..

خصصنا هذا المقال لتفسير قرار دونالد ترامب، في مقال قادم نناقش تداعيات القرار على جماعة الإخوان المسلمين وامتداداتها المباشرة وغير المباشرة.

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

“الإسلام الإخواني”: النهاية الكبرى

يفتح القرار التنفيذي الذي أصدره أخيرا الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والقاضي ببدء مسار تصنيف فروع من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، نافذة واسعة على مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز أثرها حدود الجغرافيا الأميركية نحو الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي بأكمله. وحين تصبح إحدى أقدم الحركات الإسلامية الحديثة موضع مراجعة قانونية وأمنية بهذا المستوى من الجدية، فإن […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...