محمد عسيلة ـ طالب باحث في ماستر الدين والثقافة والهجرة، جامعة محمد الخامس، الرباط، وأستاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
أثارت حالة الحرمان للأقليات المسلمة، وعلامات تزايد الإسلاموفوبيا، والمخاوف بشأن الاغتراب والتطرف و الهويات المتحركة والدينامية، نقاشًا حادًا في الاتحاد الأوروبي حول الحاجة إلى إعادة فحص عضوية المجتمع وتماسكه وسياسات الاندماج.
فلقد أدت سلسلة من الأحداث، مثل هجمات 11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة، واغتيال ثيو فان كوخ المخرج السينمائي في هولندا، وتفجيرات مدريد ولندن ، والجدل الدائر حول الرسوم الكاريكاتورية، إلى تفاقم وضعية و حالة المسلمين حتى في المخيال الشعبي الاوروبي. فعم التذمر والخوف و الاستياء في نفوس العديد من المسلمين و طُرح السؤال عن جدوى الاندماج الفاعل وكذا البقاء تحت وطأة التهميش في هذه الديار الاوروبية.
السؤال المركزي الذي ينتابنا كباحثين هو:
كيفية تجنب التعميمات النمطية وتجاوز أدوار الضحية ونظريات المؤتمرة من جهة وتقليل المخاوف وتقوية التماسك الاجتماعي في مجتمعاتنا الأوروبية المتنوعة، مع مواجهة التهميش والتمييز على أساس الأصل العرقي أو الدين أو المعتقد من جهة أخرى؟
أصبح المسلمون الأوروبيون بشكل عام مزيجا متنوعا من المجموعات العرقية والانتماءات الدينية والمعتقدات الفلسفية والسياسية والميولات العلمانية واللغات والتقاليد الثقافية. وهم يشكلون ثاني أكبر مجموعة في المجتمع الأوروبي متعدد الأديان و الثقافات. فبهذا يصح لنا بدءً القول أن المجتمعات المسلمة لا تختلف عن المجتمعات الأخرى في تعقيدها ونوعية أسئلتها المعرفية والوجودية والائتمانية بلغة الدكتور طه عبد الرحمان.
فإلى ماذا يمكننا أن نرد هذا العداء اذا كانت هذه الفئات المسلمة تساهم في البناء الحضاري والاقتصادي وتساهم في التنوع الثقافي وتقوي الترسانة الاقتصادية لهذه القارة العجوز؟
يمكن أن يُعزى التمييز ضد المسلمين إلى المواقف المعادية للإسلام، ولكن أيضًا إلى المشاعر العنصرية وكره الأجانب، حيث غالبًا ما تكون هذه العناصر متشابكة بشكل لا ينفصم و الى ضعف التكوين المعرفي لهؤلاء الذين يمارسون هذا العداء بعد سبق إصرار وترصد.
فعلينا البحث في المجالات الرئيسية للحياة الاجتماعية للمسلمين للوقوف على هذه المساهمات المجالية، مثل التوظيف والتعليم والتكوين والإسكان والمساهمات الضريبية التي تنعش الاقتصاد الاوروبي ومعاينة كذلك القضايا والنقاشات الفكرية والاكاديمية والسياسية التي اتخذت من الاسلام والمسلمين موضوعا لها: ما نوعيتها وتأثيراتها وأهدافها وسياساتها ومخرجاتها؟
كما علينا الوقوف بعد جمع المعلومات والبيانات المتاحة على مظاهر الإسلاموفوبيا في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتفكيك هذا العداء الى ما هو سيكولوجي / نفسي و تاريخي وزمني وهل هناك اختلاف في هذه الاسلاموفوبيا في الدول الاوروبية.
وفي هذا السياق علينا كذلك الوقوف على مبادرات الجاليات المسلمة ومنها المغربية التي تركز عليها الحكومات والمجتمع المدني. كما تدعو هذه الوقفة الى معاينة ودراسة وتحليل السياسات العمومية التي تتبناها حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الأوروبية لمكافحة الإسلاموفوبيا وتعزيز التكامل والتماسك الاجتماعي.
كما تستدعي هذه الوقفة تفكيك التطرف بكل تلويناته من داخل المجتمع والمؤسسات حيث إن الإسلاموفوبيا والتمييز والتهميش الاجتماعي والاقتصادي كلها تلعب أدوارًا أساسية في خلق السخط والعزلة في صفوف المسلمين وخصوصا الشباب منهم. فيشعر المسلمون أن قبول المجتمع لهم يتطلب بشكل متزايد “استلابهم” واستسلام هويتهم الإسلامية. هذا الشعور بالإقصاء له أهمية خاصة بالنظر إلى المشاكل التي يطرحها الإرهاب.
حان الوقت الآن أكثر من أي وقت مضى لبدء حوار هادف بين الثقافات وتعزيز المبادرات العملية لتقريب المجتمعات من بعضها البعض وتحدي التحيز والاغتراب والتهميش. يجب أن تأخذ السياسات في الاعتبار أن المجتمعات المسلمة بشكل عام واجهت منذ فترة طويلة تمييزًا مباشرًا أو غير مباشر، مما أثر على فرص العمل والمستويات التعليمية وأدى إلى التهميش الاجتماعي. يجب أن تأخذ السياسات في الاعتبار تنوع المجتمعات المسلمة وأن تُستكمل بتدابير داعمة من حيث الاتصال والتوعية وبناء القدرات والإدماج.
فلقد أصبح من الضروري أن تطبق جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التوجيهات المناهضة للتمييز والاستفادة بشكل أفضل من إمكانيات و طاقات المسلمين الذين أصبحوا جزء لا يتجزأ من الحضارة والثقافة والمخيال الاوروبي، وعلى هذه الحكومات ان تقوم جميعها بمكافحة التمييز وتعزيز المساواة بين كل الاطياف المجتمعية دون سن قوائم مجحفة اتجاه الأقليات. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=18059