أحمد جاويد ـ کابل / أفغانستان
نشرت الصحف الروسية خطاب وزير الدفاع الروسي ” سيرغيي شوغيو ” الذي ألقاه في اجتماع لوزراء دفاع الدول الاعضاء في ” منظمة شنغاي للتعاون ” المنعقد في العاصمة الهندية دلهي . وعبر الوزير عن قلقه إزاء المجموعات الإرهابية المتعددة و المتمرکزة في أفغانستان تعمل طبق جيواستراتيجية توسيعية لأنشطتها و حملاتها داخل جمهوريات آسيا الوسطى. و خص بالذکر اسم تنظيم القاعدة الذي يعمل على استعادة هيکله الإداري و العسکري .
کما أکد الوزير الروسي أيضا للأعضاء المجتمعين أن أجواء تردي الأوضاع و التدمير في جمهوريات آسيا الوسطى قد تحققت و أصبحت مهيئة بالفعل . و دعا الجميع أن يلوا اهتماما جادا بالمسٶولية التي عليهم .
و أوضحت الصحف على لسان سيرغي شوغيو أن الاستقرار الأمني في هذه المنطقة بات مهددا بسبب الغزو الفکري الارهابي الذي تقف وراءه تلک المجموعات و ذکرت منها داعش ، القاعدة ، الحرکة الإسلامية الأوزبکية ، الحرکة الإسلامية لترکستان الشرقية .
والذي تجدر الإشارة إليه أن هذا التحذير من خطر تصعيد أنشطة الجماعات المسلحة لا يعد الأول من نوعه توجهه روسيا لجمهوريات آسيا الوسطى . فالمخاوف الناتجة من هذه الجماعات دب إلى قلب قصر الکرملن علی إثر الخطأ التاريخي الذي ارتکبه السوفيات منذ فترة الحرب الأفغانية الروسية إذ تسببت في إصابة عدة رٶساء روس بجلطات في المخ و سکتات قلبية واجهوا على اثرها الموت الصدمي .ثم تنامى هذا الخوف ليصبح عقدة حسية دائمة في الأوساط الروسية عامة بعد انهيار تلک الإمبراطورية والذي کان أعظم واقعة في کل تاريخ روسيا کان لها وقع سلبي کبير علی الرئيس بوتين باعترافه . فقد أصبح الخوف مقياسا تقيس عليه روسيا قراراتها التي تتعلق بالإسلام و المسلمين عندما تمکن تنظيم القاعدة من دخول طاجکستان للمشارکة في الحرب الطاجيکية والشيشانية، و الأفغان في الحرب الأذرية ــ الأرمينية حيث استطاعت الميلشيات الأفغانية آنذاک و التي کانت تعد على الأصابع تغيير کفة تلک الحرب و ارعاب الأرمن و الروس . ثم جاءت حرب داعش ضد التحالف السوري الروسي . فتلک حرب العصابات التي أرعبت صانعي القرار في روسيا . لذلک لا عجب أن يلعبوا دور الناصح الأمين المشفق على اخوانه لأنهم أحسوا و أدرکوا ورأت أعينهم المعاناة التي کاد أن يتمزق معها کل شيء آنذاک .
و منذ عودة طالبان لسدة الحکم في أفغانستان، شهدت البلاد تکثيفا ملحوظا لعمليات عسکرية و انتحارية تبناها تنظيم داعش . و تلقت طالبان ضربات استهدفتها و استهدفت مراکزها الحکومية و مرافق أخری کالسفارة الروسية .
و يبذل کل من جهاز الأمن و استخبارات طالبان وسعهم للسيطرة على الوضع و استحکام الاستقرار الأمني الداخلي في وسط أجواء و ضغوط عالمية و تصريحات تنتقص من مجهودات القوم وتطالب بمزيد و مزيد من الإقدامات . و لقد تضاعفت التصريحات التي تحمل طالبان مسٶولية التوترات التي تعيشها أو ستعيشها جمهوريات آسيا بسبب تسريب الفکر الإرهابي کما زعم ذلک سيرغيي شوغيو و اتهم هو و غيره طالبان بالتهاون لعدم حملها محمل الجد ما تشکله أنشطة داعش و القاعدة و غيرهما من تهديد لتلک البلدان.
وھذا يوحي حسب تصريحات هٶلاء أن طالبان إنما جاءت لتٶمن تلک البلدان . في حين أنها نفسها تعاني من أزمات مماثلة بل و أکبر إذا ما نظرنا إلى عمومية الأزمة و تراکمها بجانب الضغوط الخارجية . والبعض الآخر کالولايات المتحدة فتسعی لترسيخ و تعميق النزاعات الداخلية لأي بلد و هنا لا يهمها طالب أو داعشي ، فالجميع ملقاة واحدة، تجمعهم قبلة واحدة ، و الکل يعتقد في معبود واحد ، و يٶمنون بنبي واحد و يصلون صلاة واحدة في مکان واحد اسمه المسجد . نعم هکذا يفکر الغرب الامبريالي لا غير . فتلک قناعة موروثة و مرض عضول متمکن في نفوس هٶلاء .
و أمريکا دوما سارت و ما تزال على نفس الخطوات من زراعة بذور الاختلاف و التقاتل في العالم لاعتقادها ذلک من أهم الأرکان التي يقوم عليها التمکين الإمبريالي الإستبدادي و لن يقر لها قرار أو يسعد لها بال إلا بخلق النزاعات والتطاحن بين الشعوب خاصة المنتسبين منهم إلى الإسلام ، و غرس بذور و قواعد التخلف و الفقر بکل أشکاله کل ذلک لحماية غطرستها و أطماعها المادية والمعنوية من هيمنة و استغلال لمذخرات و خيرات االشعوب. و لا فرق في ذلک بين أن تتقاتل دول غنية فيما بينها أو دول متوسطة أو فقيرة بلا رحمة إذ الاختلاف نفسه بين المستضعفين بند من بنود الرحمة التي تنص عليه الإمبريالية لإشباع غريزة الهيمنة الرومانية التي أخرجت إلی الوجود أبشع الطرق و الوسائل المتفننة في محاربة ربّ العالمين ، لم تعرفها الإنسانية عبر التاريخ . أما تنديداتهم و صرخاتهم لتشريد و قتل الأطفال و الشيوخ و النساء المستضعفين و الدفاع عن حقوق الإنسان فهي أدوار مبرمجة ضمن مسرحية ´ لکل سٶال جواب ` و يقصد من ورائها تضليل العباد و التمويه عليهم لتکف ألسنتهم عن کثرة السٶال .
ان مطالبة الغرب و الشرق طالبانَ بمزيد من الإقدامات الفوق جدية في محاربة الإرهاب و تحقيق الإستقرار الأمني في أفغانستان ليدخل ضمن استراتيجيات مرسومة توافق أهواء هٶلاء ، ولا يليق بالمسلمين أن يبالغوا في إحسان الظن .
فمن أجل تحقيق الرئاسة المادية و المعنوية للعالم فلا بد للشرق و الغرب من مزيد من التضحيات بتعريض الشعوب للتقتيل و التشريد . فاستقرارهم الأمني يکون في تقاتل و هلاک غيرهم . کما أنّ خطابات هٶلاء تتميز بالإزدواجية و الغموض في أغلب الأحوال و لا تحقق مصالح لا من قريب و لا من بعيد للمسلمين لأنهم هم المستهدفون .
أيضا شدد وزير الدفاع الروسي ـ الذي توجد لحکومته قواعد عسکرية في کل من دولتي طاجکستان و قرغيزستان ـ في تحذير وزراء دفاع منظمة شنغاي المجتمعين ، من تواجد قواعد عسکرية أمريکية في دولة أوزبکستان و أن أمريکا و حلفاءها يعززون من قدراتهم القتالية هناک ، کما يعملون على تکثيف حضورهم العسکري في المنطقة .
وبهذا يکون الوزير قد حل اللغز و الإشکال في الکلام و أقر ضمنيا بقمة الهيمنة و القوة الغربية کما أراد إقناع العالم أن بلده مهددة و مستهدفة و تُستفز . و أشار إلى مرحلة قادمة و کارثة تهدد منظمة شنغاي بمن و ما فيها .
إنها بداية حرب جديدة ، و ستکون أخطر استراتيجية و بقعة ستختارها الإدارة الأمريکية لضرب روسيا و بنفس الأسلوب الذي تستعمله الأخيرة في أوکرانيا . فهناک رمضان قديروف و القوة الشيشانية المخلصة تطحن باسم الإسلام الأوکرانيين و مجهود التحالف الغربي . و هنا قوة شعوب الترک و الترکمن و التتار السکان الأصليون لجزيرة القرم أصلِ الصراع في أوکرانيا . فهذه الشعوب ستنطحن و تطحن الروس و الصينيين باسم الإسلام کما يفعل الأوکرانيون اليوم في لعبة استنزاف القوة الروسية و استعباد دول أوروبا أکثرَ من قبل لصالح أمريکا.
و هذا الخيار الصعب ترى فيه أمريکا مفتاح البوابة لحماية سيادتها و هيمنتها على العالم ، و فسخ التجمعات المتآمرة على إقتصادها الإمبريالي . و في اعتقادي أن أمريکا ما زالت تملک أوراق ضغط کثيرة و مٶثرة و رابحة لامتلاکها قدرة سياسية متفوقة و استراتيجية اختراق عالية مبنية على التجارب و دقة المعلومات . و قد خططت لحماية مشروعها الاستعماري هذا منذ سنوات عديدة بواسطة تنويم الشعوب بالتخذير بالحقن الديموقراطية و الحقوقية التي أنستها حقيقة هوياتهم بصورة قاسية و سلبتهم القدرة علی التمييز أو التفکير حتی في المصير الذي ينتظرها . فالخير فيما اختارته و دعت إليه أمريکا ، و الشر ما رفضته و نفرت منه.
وقد تفطنت روسيا لهذه الإستراتيجية خلال فترة الإحتلال و صرحت مرات بتخوفاتها و أخذت تهول منذ قدوم طالبان و قبل الحرب الأوکرانية . و ها هي اليوم تدق نواقيس الخطر لتنبيه دول منطقة آسيا إلى مرحلة شر قادمة تستهدف اليابس و الأخضر .
والملف السوداني يعتبر في حد ذاته صفعة استخباراتية تسببت في يقظة روسيا من حلم الانتصار لتتفاجأ برسالة مشفرة أن الحرب الأوکرانية إنما هي بداية البداية . حرب الاستنزاف التي ستتوالی . فخسائر روسيا في الأرواح و المعدات ستزداد ضخامة في حين أن أمريکا لم تخسر شيئا کما يتصور الکثير من الناس . نعم ، أنّ تعلن أمريکا عن مصاريف الحرب في أوکرانيا و أفغانستان بتريليونات من الدولارات شيء ، و أن نظن نحن أنّ ذلک خسارة شيء آخر. فأجود أنواع الأشجار متوفر بکثرة في أمريکا و طباعة الدولار و تکنولوجيا ذلک من الفنون التي أتقنتها للسيطرة علی شرايين اقتصاد العالم و تجفيف دماء المستضعفين. و إن مجرد الحديث عن هذا المضوع عرض صدام حسين و غيره للتصفية الأبيض. کما أنها محور رحی الحرب العالمية القائمة اليوم بسبب عدم الثقة في مصداقية عملة الدولار.
وما تسعی القوتان العظميان روسيا والصين اليوم بالتأکيد إلی تحقيقه من خلال طلبهما عن استحياء بتداول عملتي الين و الروبل بجانب الدولار المفروض علی العالم هو الانفلات من هيمنة ومحاصرة هذا الاحتلال. الاقتصادي الأمريکي باسم عملة واحدة تتحکم في طباعتها بشکل خيالي و لو بدون رصيد . حتی القروض الممنوحة للدول بأرقام قياسية فهي من برکة هذا النوع من الدولار. و هذا يدل علی أن مافيا الدولار الأمريکية بسياستها تلک ما تزال تتحکم في اقتصاد العالم حتی روسيا و الصين . و منافسة ثم خنق و تعرية هذه العملة العالمية علی حقيقتها سيلحق أضرارا کارثية لا تُتصور بأمريکا.
والسٶال المطروح متى ستبدأ الشرارة الأولى لحرب العصابات و في أية جمهورية بالتحديد . و کيف ستُهيأ الدوافع الموجبة لاندلاع الحرب المصيرية لروسيا و الصين .
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20078