من تمعن جيدا في بلاغ المجلس العلمي الأعلى الصادر أمس الاثنين حول مسألة الإجهاض يمكن أن يستنتج بكل وضوح أنه كان ردا على التصريحات الأخيرة لرئيس حركة التوحيد والإصلاح “عبد الرحيم شيخي”، في ندوة فكرية نظمها أخيرا “مركز مقاصد للدراسات والبحوث” التابع للحركة في موضوع “قضية الإجهاض في المجتمع المغربي.. مقاربة شرعية وقانونية وطبية”.
أولا نذكر أهم ما جاء في تصريحات “شيخي “ثم نلتقط من بلاغ المجلس الأعلى تلك الرسائل المشفرة للإجابة عليه:
ـ قال الشيخي: “إن موضوع الإجهاض “كان بمقاربة تشاركية، وما تم التوصل إليه كان كأنه وقع بطريقة توافقية وعلينا أن نقبل به”.
ـ رد المجلس: أكد المجلس العلمي الأعلى أن رأيه بخصوص قضية الإجهاض يتمثل في أنه لن يقع تغيير على المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي “. أي أن المجلس يؤكد أنه مازال ملتزما بقضية التوافق حول الإجهاض. هذا التوافق هو ما عبرت عنه اللجنة المشكلة من وزير العدل والحريات ووزير الأوقاف الشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2015. هذا التوافق كان على أساس أن الأغلبية الساحقة تتجه إلى تجريم الإجهاض غير الشرعي، مع تحديد ثلاث استثناءات من العقاب القانوني هي: “عندما يشكل الحمل خطرا على حياة الأم أو على صحتها، وفي حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم، وفي حالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين”.
قال الشيخي: “إذا كان ما تمّ التوصل إليه مبنيا على حقائق علمية وطبية، فإننا ندعو المجلس العلمي الأعلى إلى أن يبين لنا سبب عودة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الخوض في الموضوع، وأن يقدم لنا تبريرات لنطمئن”. يريد رئيس الحركة أن يقول أن هناك من خرج عن هذا التوافق وهو المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخوضه من جديد في قضية الاجهاض وذلك بتوجيه مذكرة إلى البرلمان المغربي.
رد المجلس: أكد المجلس العلمي الأعلى في بلاغه أنه: “يمكن لكل جهة مخولة أن تعيد رأيها في الموضوع بالطابع الذي يخوله القانون”. هذا كلام موجه إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث يذكره المجلس العلمي أنه إذا أراد أن يعيد رأيه في مسألة الإجهاض عليه أن يقوم بذلك وفق القانون. أي قانون؟ يقول المجلس العلمي الأعلى هو “المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي (الباب الثامن- الفرع الأول من الفصول 449 إلى 458)”. ماذا يقول القانون؟: “من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة..”.. وماذا يقول القانون أيضا؟: “تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائتين كل امرأة أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك أو قبلت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما رشدت إليه أو ما أعطي لها لهذا الغرض”.
أشنو بغا يقول لينا المجلس العلمي الاعلى بإحالته على القانون الجنائي:
ـ أن مسألة الإجهاض هي منسجمة تماما مع الفتوى التي نشرها موقع دين بريس وهو التحريم المطلق للإجهاض إلا في حالات محدودة جدا وهي الحالات المنصوص عليها في القانون الجنائي، وهي منسجمة مع الحالات الثلاث التي ذكرتها اللجنة الملكية سنة 2015. بمعنى آخر لا جديد في هذا الباب.
ـ رأي المجلس منسجم تماما مع رؤية حركة التوحيد والإصلاح حول الإجهاض. هناك توافق تام في القضية بينهما (وغيرهما من الجهات بالمغرب) بسبب المرجعية المشتركة وهي أحكام الشريعة الإسلامية.
قال الشيخي في تصريحاته: “يجب على المجلس العلمي الأعلى أن يدلي بدلوه، وأن يبيّن لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود” في الإجهاض.
رد المجلس العلمي الأعلى: إن “الخيط الأبيض في قضية الإجهاض هو المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي (الباب الثامن- الفرع الأول من الفصول 449 إلى 458)”. يتأكد جليا بهذا الرد أن بلاغ المجلس العلمي الأعلى الصادر البارحة كان ردا على تصريحات عبد الرحيم الشيخي رئيس التوحيد والإصلاح.
قال الشيخي: “إننا ندعو المجلس العلمي الأعلى إلى أن يبين لنا سبب عودة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الخوض في الموضوع، وأن يقدم لنا تبريرات لنطمئن”.
رد المجلس: لا يليق بأحد أن يستبق جهة الاختصاص استباقا يقحم به المجلس العلمي الأعلى في نقاش غير مفتوح، كما لو أن هذا المجلس غائب عن مسؤولياته، حتى يستغل هذا الإقحام في سجال ذي طابع سياسي”. يقول المجلس للشيخي إذا كان لك مشكلة سياسية مع جهة معينة فلا داعي لإقحام العلماء فيها. ويضيف “إن الآلية التي يدخل بها المجلس العلمي الأعلى في النقاش معروفة ولا يجوز لأحد تجاهلها”. أي أن المجلس لا يتدخل في النقاش العمومي الدائر إلا وفق الاختصاصات المخولة له وفق الظهائر الشريفة الصادرة في هذا الباب..
الاستنتاجات:
ـ لا جديد في رأي المجلس العلمي الأعلى حول الإجهاض. وهو تحريمه بالمطلق إلا في حالات محدودة جدا. وهو مجرم بأحكام القانون الجنائي المغربي. وينسجم مع الحالات التي ذكرتها اللجنة الملكية.
ـ هناك توافق في مسألة الإجهاض وإذا أراد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يخوض من جديد في قضية الإجهاض فهو مقيد بأحكام القانون المغربي.
ـ بلاغ المجلس العلمي جاء ردا على تصريحات رئيس التوحيد والإصلاح. وبتحليل لخطابه ومصطلحاته يتجلى بوضوح تفاعل المجلس مع الحركة. وفي نظرنا هذه شخصنة للجدل الدائر حول الاجهاض. أي أن المجلس استعمل نفس المصلحات والتعابير الواردة في تصريحات “شيخي”. هل هو أمر مقصود أم هي هفوة من قبل من صاغ البلاغ؟ لاندري.
ـ يقول المجلس العلمي أنه لا تغيير في قضية الإجهاض “إلا بقدر ما تستدعيه المصلحة ويسمح به الاجتهاد”. إن الإحالة على المصلحة والاجتهاد يعني أن إعادة النظر في قضية الاجهاض سيكون في ظل ما تسمح به أحكام الشريعة الإسلامية التي تعتمد جلب المصالح للناس ودفع الضرر عنهم.
ـ يريد أن يقول المجلس العلمي أن هناك أحكاما قانونيا متعلقة بالاجهاض ولا يمكن تغييرها إلا بعرضها على البرلمان والمصادقة عليها. فمن أراد أن يغير القانون الجنائي عليه أن يسلك المساطر المتبعة في هذا الشأن. بالمناسبة هناك مشروع قانون يوجد الآن في رفوف البرلمان ولم يستطع أن يبت في تعديلاته منذ ثلاث سنوات لحساسية الموضوع وللتجاذبات السياسية الحاصلة فيه. ويحسم المجلس الأعلى رأيه بالقول: ” إن الآلية التي يدخل بها المجلس العلمي الأعلى في النقاش معروفة ولا يجوز لأحد تجاهلها”..
ـ هناك رد للمجلس بخصوص الدعوات المطالبة بإباحة الإجهاض. وأن أي تغيير في الموضوع لن يحصل إلا في إطار القانون والاجتهاد. وهذا ما سيدفع إلى مزيد من الجدل في الأيام المقبلة، بين الاتجاهات المحافظة والأخرى الحداثية. وهي أيضا مناسبة للمزايدة بين الأحزاب السياسية في مسألة الإجهاض..
أعده سعيد الراشيدي لفائدة دين بريس
Source : https://dinpresse.net/?p=5655