زعيم الخيرالله
الالحادُ في اللغةِ : هو الميلُ عن القصدِ ، تقول: لَحَدَ السائِلُ أَي: مالَ عن القصد ، ولَحَدَ السَّهمُ عنِ الهَدَفِ أَي : عَدَلَ عنهُ ، لَحَدَ اليهِ : مالَ ، والالحادُ : الميلُ عن القَصْدِ .
الاستخدامُ القُرآنِيُّ للالحادِ
استخدمَ القُرآنُ الكريمُ الالحادَ بهذا المعنى أَيْ مطلق الميلِ والانحرافُ عنِ القَصْدِ ، كما جاء في الآياتِ ادناه:
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ).الأعراف: الاية:(180).
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ). النحل: الاية:(103).
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).فصلت: الاية: (40).
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا).الكهف: الاية: (27).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ). الحج:الاية: (25)
(قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ).الجن: الاية:(22).
أَلْبُعْدُ السيكولوجي للالحاد في القُرآنِ الكريم
القرآنُ الكريمُ يُشخِّصُ الظاهرةَ الالحادِيَّةَ بأَنَّها أَزمةٌ نفسيَّةٌ وليست قضيةً بُرهانِيَّةٌ معرفِيَّةٌ ، فرفضُ الناسِ لقبول رسالةِ الرُّسُلِ ؛ لانهم بَشَرٌ ، وهذا بعدٌ نَفسِيٌّ في القضيَّةِ ، اذ لوكانت المسأَلَةُ قضيَّةً معرفِيَّةً لناقشوا الرسالةَ ومحتوياتها فان كانت صادقةً قبلوها وان كانت غيرَ صادقةٍ ردوها . يقول اللهُ تعالى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا ). الاسراء:الاية:(94). وهناك بعد نفسيٌّ اخر للالحاد والجحود هو الاستكبار وعدم الخضوع للحق . يقول الله تعالى:
(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ).الاعراف: الاية:(146). وهناك عاملٌ آخرُ للالحاد هو الجحود وليس مجرد عدم القبول ، فالجاحد لايقبلُ الحق ولو اتيت لهُ بكل آيَةٍ . يقولُ اللهُ تعالى:
(﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ، فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ). النمل: الايات: 12-14. وقد تكون اسباب الالحاد والتكذيب بآياتِ الله تعالى هي اتباعُ الهوى. يقول الله تعالى:
(﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ﴾ .[القمر: 1 – 3].
الالحادُ وسيكولوجيَّةُ المُلحِدُ
هناكَ دراساتٌ نَفسِيَّةٌ قامَ بها علماءُ نفسِ في دراسة البُعْدِ السيكولوجيِّ للالحادِ ، منها الدراسةٌ التي قامَ بها عالِمُ النفس ” بول فيتز” صاحب كتاب ” علم نفس الالحاد” ، وبول فيتز كان ملحداً سابقاً ورجع الى ايمانه ؛ فهو أَعرفُ ببواطن الملحد وخلجاته النفسيَّةِ ، وقد اعتمد فيتز في دراستهِ هذهِ على تحليلِ سيرِ مشاهيرِ الملحدين التي كتبوها بأنفسهم أَو كتبت عنهم وخرجَ بنظريته المسماة بالتقصير الأبَويِّ ، وخلاصة هذهِ النظرية هي : ” ان الطفلَ اذا صُدِمَ في ابيهِ وخابَ أَمَلُهُ فيهِ فانَّهُ يفقدُ احترامَهُ لهذا الأبِ ؛ وبالتالي يستحيل أَنْ يؤمنَ بالاله ؛ وذلكَ بسببِ سقوطِ المَثَلِ الأعلى الذي يعبر عنهُ الأبُ كمصدرٍ للقيم والأخلاق في سِنِيِّ الطفولةِ الاُولى ، ثمّ يمتدُ هذا السقوطُ الى جانب الاله الذي يستمدُّ منه الجانب الابوي اهميته وقيمته .
ونفسُ هذهِ القناعة التي توصلَ اليها فيتز بشأنِ الالحاد توصلَ اليها المفكر الامريكي “مورتيمور أدلر” صاحب كتاب ” كيفَ تُفَكِّرُ بالالهِ؟” ، وقد ساقَ الادلةَ على الايمان ولم يؤمن ؛ مما يدلُّ على ان الالحاد ليس قناعةً عند الملحدين . غلاةُ الملحدين اعترفوا بالاله ، فهذا السير الفرد أدلر يقول: “انِّي أرى الهَ السَّماءِ ” . وسارتر الملحد يقول: ( انّي أرى نَفسي كائنٌ لايوجد الاّ كخَلقٍ لالهٍ حكيم ٍ ). ولهذا صَنَّفَ بعضُ عُلَماءِ النفس مايسمى باضطراب الشخصيَّة الالحاديِّ . وقد رصد القرآنُ الكريم هذا الوضع النفسيَّ المضطربَ للملحد الذي نبع من ازمةٍ نفسيَّةٍ تعتملُ في اعماقِ نفس الملحد .يقول الله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). غافر: الاية: (56).
رصد الازَماتِ النفسيَّة لدى الملاحدةِ
لو قرأنا سير حياة الملاحدة نرى انهم مروا بأَزَماتٍ نفسيَّةٍ حادَّةٍ تركت تأثيرَها على نفسياتهم وانعكست على أَفكارهم .
1- فنيتشه الذي قال بموت الاله ، كانت نظريتُهُ السوبرمان ردةَ فعلٍ على ضَعفِ والدهِ وموتهِ ، وهكذا كان يرى المسيح كذلك .
2- شوبنهاور : الذي كان متشائماً وانتج لنا فلسفةً تشاؤميَّةً ، انتحر والدُهُ وهو في سنِّ السابعة عشرة من عمره مع اهمالِ امه لهُ في طفولتهِ ؛ مما جعله شديد الاكتئاب وفي النهاية ادى به الى الالحاد.
3-برتراند رسل : الفيلسوف والعقل الجبّار ، توفي والداه وهو طفلٌ صغير وتولت جدتُهُ المسيحيَّةُ تربيته تربيةً متشددةً فكان الحادُهُ ردةَ فعلٍ لكراهيته المسيحيّة التي قدمتها لهُ جدتُهُ .
4-سارتر : مفكر وروائي فرنسي تبنى الفلسفة الوجودية الملحدة ، كانت نشاتُهُ غيرَ سويَّةٍ حيثُ ماتَ والدُهُ وهو صغير وتعلَّقَ بوالدته التي تزوجت وهو في سن الثانية عشرة وبعدها بعامٍ اعلن الحادَهُ وهوَ صبي !!.
5-فرويد : عالم نفس نمساوي صاحب مدرسة التحليل النفسيِّ ، كان يشعر بالخزي من والده الذي كان ضعيفاً ومنحرفاً حيثُ عانى ابناؤهُ من انحرافاتِهِ ؛ مما جعلَ فرويد يكرههُ .
6- فولتير : ابغض والده وادَّعى انه ليس والده وانتسب الى احد الشعراء النبلاء .
7- لويد فيورباخ : ملحد متعصب استقى فرويد نظريةَ الاسقاط منه ، كان والدُهُ سيء العلاقة باسرته وهجرهم اثناء طفولته .
8- كارل ماركس: كانت علاقته بوالده غير سويَّةٍ وشعر بعدم احترامه لهُ حينما غيَّرَ ديانته وانتقل من اليهوديَّةِ الى المسيحيَّة؛ لانها توفر له حياةً افضل وفرصاً اكثر، واثر ذلك على افكاره ونظرياته وقادته افكاره الى الالحاد.
9- ستالين : كان والده قاسياً وكان يمارس معه عقوباتٍ شديدةٍ غير مبررة، وكان سِكِّيراً مما جَعَلَ ستالين يكرهُ اصحابَ السلطةِ والنفوذ . هذه عيّنات من الملاحدة الذين عانوا في حياتهم وطفولتهم ازمات نفسيَّة حادةً انعكست على تفكيرهم وقادتهم الى الالحاد.
جرائمُ الملحدين
الملحدون ليسوا اناساً مسالمين وحمامات سلام يريدون نشر السلام وينقذون الناس من التخلف والرجعيَّة كما يصورون ، فالتاريخ يحكي جرائمهم وقسوتهم وبشاعتهم ، ماذا صنعت الثورة الفرنسيَّة من مجازر وبشاعاتٍ؟، وكم ارتكب هتلر من مجازر؟ ، وكم من جرائم ارتكبها ستالين وماوتسي تونغ ؟
واختم كلامي بالقول: ان الدين ظاهرة اصيلة لانها فطرة : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).الروم: الاية: (30) ، والالحاد ظاهرة طارئة ؛ اذ لايوجد ملحد بنى الحاده على اسس علميَّة، وانما هو نتاج ازمات واضطرابات نفسية وبيئة اجتماعية ، واسئلة لم يتم الاجابةُ عنها بشكلٍ وافٍ. يقول المؤرخ الاغريقي بلوتارك عن أَصالَةِ الدين ورسوخه في النفوس:
(لقد وجدتُ في التَأريخ مُدُناً بلا حصونٍ ، ومُدُناً بلا قُصُورٍ ، وَمُدُناً بلا مدارس ، ولكن لم توجد مدنٌ بلا معابد ) .
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16415