محمد جناي
يؤثر التعصب الديني على المجتمع بشكل سلبي من خلال زعزعة وتهديد السلم الإجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد ويحل محل الحب والمودة بين أفراده؛ الكره والبغضاء بدلا عنه، وهذا من شأنه أن يجعل المجتمع ضعيفا مفككا ويصبح أرضا خصبة لظهور الصراعات و النزاعات والخلافات وربما يتطور الأمر لتصبح حروب تسفك فيها دماء الأبرياء، وتنتهي بالمجتمع إلى نشوء الكراهية والتكفير وربما استحلال الدماء .
لم تكن الديانات في يوم من الأيام هي مصدر الإرهاب والعنصرية ، ولكن قد تكون المشكلة في أزمة أصابت شرذمة قليلة من المنتسبين لتلك الأديان، ولعلنا نتذكر ، تلك المذبحة الرهيبة للمسلمين في أحد مساجد نيوزيلندا، فهل هذا مبرر يجعلنا نعتقد أن المسيحية وجميع المسيحيين ليسوا سوى برابرة وإرهابيين؟
كثيراً ما ورد إسم “هيباتيا” في العديد من الكتب والروايات مثل رواية “عزازيل” للكاتب يوسف زيدان ورواية “هيباتيا” للروائي الإنجليزي تشارلز كينجسلي-Charles Kingsley, ومن خلال هذا المقال البسيط سنذكر باختصار حياة عالمة الرياضيات والفيلسوفة السكندرية وسبب اغتيالها الوحشي وكيف قتلت؟
كانت “هيباتيا ” أول امرأة يبرز اسمها في الرياضيات والفلسفة، وكان لهاعدة إسهامات مثل؛ رسم مواقع للأجرام السماوية، اختراع مقياس ثقل السائل النوعي وغير ذلك ، قُتلت هيباتيا على يد المسيحيين؛ وذلك لاستمرارها وبقائها على الدين الوثني وجهرها بذلك وعدم إخفائها لمعتقداتها؛ ولخوف المسيحية من تأثير هيباتيا على الناس الذين تحولوا من الوثنية إلى المسيحية خوفا من الاضطهاد ، قاموا بخطفها وجرها في الشوارع وهي تحت التعذيب، كما أنهم قاموا بحرقها وكشط جلدها بقذائف المحار، وقاموا أيضا بأخذها إلى الكنيسة وتجريدها من ملابسها وتمزيق أطرافها، وكل ذلك كان بعد اختفاء دعم الحكومة لها والتوقف عن حمايتها، وكانت التهمة جاهزة وهي تمسكها بوثنيتها، والخروج على مفاهيم الكنيسة بابتكار نظريات علمية تضلل البشر، وممارسة الفلسفة التى اعتبرت “سحرا” فى ذلك الوقت،والذي قاد مهمة قتل “هيباتيا “هو كيرلس وهو أحد أبرز الأساقفة في الاسكندرية.
والتي اتخذت من أفلاطون معلما، واعتنقت مذهبه المبني على الحقيقة، وأعلنت اعترافها بالحقيقة فوق كل شيء، وأن القانون أقوى من الطبيعة، كما آمنت بالحريات، حرية التفكير وحرية اعتناق الدين، وحرية الإيمان، ورفضت تمامًا الإيمان المجرد الذى يخلو من التساؤلات والتأمل ورحلة الشك وصولًا لليقين والحقيقة، وكان لها قول مشهور حول التفكير والتأمل، حيث كانت تقول «حافظ على حقك فى التفكير، فحتى التفكير الخاطئ أفضل من أن لا نفكر على الإطلاق»، فلم يشغلها سوى بالفكر والفلسفة التى كان يعتبرها رجال الدين المسيحى وقتها «أواخر القرن الثالث الميلادى» سحرًا، ويتهمون كل فيلسوف يدعو للحقيقة والتأمل والتعقل ساحرًا زنديقًا، ورغم أنه لا توجد مصادر تاريخية تؤكد بحسم هل كانت هيباتيا مسيحية أم أنها لا تؤمن بأية ديانة فقد حاصرتها الاتهامات بالزندقة والكفر. لم تكن الفيلسوفة الزاهدة من الدنيا إلا من العلم ذكية وجميلة العقل فقط بل كانت جميلة القلب والوجه أيضًا، فقد أحبها بشدة كل تلاميذها الذين كان يعتنق كثيرون منهم الديانة المسيحية، وهو ما يؤكد لنا أنها لم تكن كافرة أو كارهة لدين، أو حتى تدعو للكفر، هى فقط تتأمل وترفض المسلمات، ورغم كل المعارضات التى واجهتها الفيلسوفة على تدريسها للفسلفة حتى وصولها عميدًا لجامعة الإسكندرية ومحاربة فكرها واتهامها فهى حتى هذه النقطة لم تواجه معارضة شرسة من رجال الدين المسيحي الذين رفضوا أفكارها، ورفضوها في المجتمع، لكنها حتى الآن لا تؤثر فى أحد، لكن الخطر الحقيقى بدأ مع بدايةالتفاف جمهور المثقفين حولها، مما وضع الكنيسة فى حرج بسبب تأثيرها الذى بدأ يظهر عليهم ومن بعدهم عامة الشعب.*
نشأت “هيباتيا” في بيئة مضطربة دينياً، حيث شهدت الإمبراطورية الرومانية تحولاً من الدولة الوثنية إلى مجتمع مسيحي وثني واحتلت الديانة النصرانية الأغلبية شرق الإمبراطورية وخاصة في الإسكندرية ، نتج عنها نشأت العديد من الصراعات بين الطائفتين بمصر وحاولت كل منهما السيطرة لتسود عقيدتها على البقية سواء بطرق شرعية أم لا.
لم يكن قتل “هيباتيا”، من قبيل المصادفة فقد شهدت فترة القرن الرابع الميلادي فى مدينة الإسكندرية العديد من الممارسات العنيفة، كان من بينها اقتحام عناصر للجماعات المتطرفة لمكتبة الإسكندرية التى كانت صرحا من صروح العلم، والاعتداء على المعابد الإغريقية والرومانية، وهدم التماثيل وحرق الأبحاث العلمية والخرائط التى انتمت إلى العصر “الوثني”، فى الوقت الذى حاول بعض أصحاب الدين الجديد “المسيحية” اثبات ولائهم لدينهم وتجنيب كل ما يمكنه تعكير صفو المؤمنين به.
ويرجح الكثير من المؤرخين أن معتقداتها الوثنية المخالفة للمجتمع قادتها إلى حتفها بهذه الطريقة الوحشية والدموية ، إذ اجتمع الغوغاء عليها؛ فعذبوها وقتلوها بقسوة، مدفوعين بشائعات تدخل فيها خلاف ديني وسياسي بين أسقف الإسكندرية وحاكمها.
وعندما عمت الفوضى الإسكندرية عقب هذه الأحداث المتلاحقة. وتأزمت العلاقة بين حاكم الإسكندرية والمسيحيين فيها، بينما أشيع عن ” هيباتيا” أنها تمارس السحر الشيطاني، وأنها وراء كل القرارات التي يتخذها حاكم الإسكندرية بسبب حقيقة تقريبه لها واستدعائها في كثير من الأوقات،أراد المسيحيون إنهاء هذا السحر الذي تمارسه “هيباتيا ” على حاكم الإسكندرية، و طبقا لمجموعة من الروايات، قام أحد القضاة بخداعها واستدراجها إلى الكنيسة، وجردت من ملابسها بالكامل، ورُجمت بالحجارة ثم سُحلت في الشوارع حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.
*موقع”انفراد”هيباتيا..رفيقة الحقيقة وضحيتها: بتاريخ: الأربعاء، 30 مايو 2018
المصدر : https://dinpresse.net/?p=11723