7 سبتمبر 2025 / 10:18

هيبة أمير المؤمنين محمد السادس: بين جلال المُلك وسكينة الولاية

محمد خياري

قال العلامة محمد الأزرق وهو يلقي درسا حسنيا في باب المعنى في حضرة السلطان، مخاطبًا جلالة الملك الحسن الثاني: «أعطاكم الله هيبةً خاصة، وأنا أقولها أمام الملأ، وأشهد بها أمام الله، ولا يحسّ بها إلا من تربع هذا المنبر». وما الهيبةُ إلا إشراقٌ من نورٍ إلهي، لا تُمنح إلا لمن خُلق ليُهاب، ولا تُدرك إلا لمن خُلق ليرى ببصيرة القلب لا ببصر العين.

وها هو محمد السادس، أمير المؤمنين، وارثُ السرّ، حاملُ الولاية، لا يلبس الهيبةَ كما يُلبس التاج، بل يسكنها كما يسكن الوليّ خلوته، ويُعيد صياغتها في زمنٍ تاهت فيه الرموز، وتكاثرت فيه الأصوات، وتشققت فيه المعاني. هو لا يُجسّد المُلك، بل يُؤنسن الجلال، ويُروحن السلطة، ويُعيد للرمزية وزنها، وللصمت جلاله، وللحضور معناه.

في حضرته، لا يُقاس الزمن بالساعات، بل بالسكينة التي تسبق الكلام، وبالطمأنينة التي تسكن القلوب حين يُطلّ. في حضرته، لا يُرفع الصوت، بل يُرفع الوطن. لا يُطلب منه أن يُثبت نفسه، لأن حضوره يكفي، وصمته يُغني، ونظره يُنير.

هيبته ليست من نارٍ تُخيف، بل من نورٍ يُهدي. ليست من رهبةٍ تُرعب، بل من حبٍّ يُطمئن. هيبةٌ تُولد من الصدق، من الاتزان، من الاتصال بالله، من احترام الذات والآخر. هيبةٌ لا تُشرح، لأنها تُشعر، ولا تُفسّر، لأنها تُحسّ، ولا تُطلب، لأنها تُمنح.

في مشيته، في صمته، في طريقته في الإنصات، في اختياره للكلمات، في حضوره في المناسبات الدينية، وفي غيابه عن الجنائز، تتجلى الولاية، وتُحفظ الرمزية، وتُكرّس الهيبة كقيمةٍ لا تُمسّ. في حضوره مع ترامب أو مع بوتين، في مشاركته في دورة الاتحاد الإفريقي، وفي غيابه عن القمم العربية والإسلامية، في روائح العود والبخور التي تنبعث في مجالسه وصلواته، في الأصوات التي تصدح بـ«الله يبارك في عمر سيدي» و«الله يرضي عليكم قاليكم سيدي»، تتجلى تقاليد مرعية تُحافظ على رمزية الملك، وتُكرّس الهيبة كأمانةٍ لا كامتياز.

هذا الاعتزاز بالنفس الذي ينبعث من أمير المؤمنين هو جزء من ثقافةٍ تمارسها الملوك، الذين يمتلكون بعدًا مختلفًا عن المواطن العادي. لأنهم لا يُمارسون السلطة فقط، بل يُجسّدون الرمز، ويحملون التاريخ، ويُجددون البيعة في القلوب قبل أن تُعلن في المراسيم.

العرش المغربي ليس تاجًا على الرأس فقط، بل مسؤولية على الكتف، وبيعة في القلب، وولاية في الروح. وحين يتكلم الملك، يصمت الضجيج، لأن صوت التاريخ لا يُقاطع. وحين يظهر، ترتبك اللحظة، لأن الزمن يُعيد ترتيب نفسه حول حضوره.

في حضرة محمد السادس، تتجلى صورة الملوك الذين لا يرفعون الصوت، بل يرفعون الوطن. الذين لا يُشترون بالمديح، بل يُهابون بالصمت. الذين لا يُطلب منهم أن يُثبتوا أنفسهم، لأن حضورهم يكفي. إذا المهيبُ أطلّ، سكتتِ الريحُ، وانحنى الزمنُ إجلالًا لخطاهُ.

الهيبة الملكية في المغرب هيبةٌ روحيةٌ، سياسيةٌ، تاريخيةٌ، دينيةٌ، تتداخل فيها الرموز، وتتشابك فيها الطقوس، وتُحفظ فيها الكرامة الوطنية. هيبةٌ لا تُفهم إلا من المغرب، حيث يُخاض صراع السلطة والمعنى، ويُحفظ الحصن

النفسي من الاحترام والتقدير.

لأن الهيبة ليست امتيازًا، بل أمانة،

ولأن الجلال ليس زينةً، بل مسؤولية.

نختم كما بدأنا، بكلام الإمام الأزرق، الذي لا يُفتتح به إلا مقامُ الهيبة:

«اللهم زده هيبةً وجلالًا»،

واجعل من حضرته سكينةً للقلوب، ونورًا للبلاد، وظلًّا من ظلال الولاية التي لا تُطفأ.