هل يمكن أن تكون مدونة الأسرة المغربية بوابة الاجتهاد المتجدد؟

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس1 يناير 2025آخر تحديث : الأربعاء 1 يناير 2025 - 4:54 مساءً
هل يمكن أن تكون مدونة الأسرة المغربية بوابة الاجتهاد المتجدد؟

الدكتور محمد بشاري

المغرب، كما هو دأبه، أثبت مرة أخرى قدرته الفريدة على تحقيق توازن نادر بين الأصالة والحداثة، وهذه المرة من خلال تعديلات جوهرية في مدونة الأسرة. هذه التعديلات لم تكن مجرد تغييرات قانونية عابرة، بل جاءت كتعبير عن رؤية شاملة تسعى للملاءمة بين متطلبات العصر الحديث وثوابت الشريعة الإسلامية، مع احترام الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمغاربة.

في صميم هذه التعديلات، يظهر اجتهاد مقاصدي عميق ينبع من إطار إمارة المؤمنين، التي تُشكّل الركيزة الشرعية والسياسية للحفاظ على الهوية الدينية للمغرب. فالملك محمد السادس، بصفته أمير المؤمنين، قاد هذه الإصلاحات برؤية تستند إلى ضرورة المواءمة بين روح الشريعة وواقع العصر، مستنيرًا بمبادئ العدل والإنصاف.

المدونة، بما حملته من تعديلات، جاءت لتجيب على أسئلة طالما أرّقت المجتمع المغربي: كيف يمكن التوفيق بين حقوق المرأة ومبادئ الشريعة؟ كيف نحمي الأسرة المغربية في ظل التغيرات الاجتماعية؟ وكيف نضمن التوازن بين الحقوق الفردية والثوابت المجتمعية؟

هذه الأسئلة الكبيرة أُجابت عنها تعديلات المدونة بحذر ووعي، بعيدًا عن الاستسلام لأي تيار متطرف أو تراثي متجمد.

ما يُلفت الانتباه في هذا المسار أن المعارضة للتعديلات لم تكن دينية محضة، بل غالبًا اجتماعية وثقافية. فالبعض اعتبر أن تقييد تعدد الزوجات أو تحديد سن الزواج بمثابة تهديد للنسيج الثقافي التقليدي، بينما رأى آخرون أن الإصلاحات قد تؤثر على نسب الزواج والإنجاب.

إلا أن هذه الاعتراضات كانت فرصة لتحويل النقاش إلى مستوى أكثر علمية، حيث أصبحت الأدلة الإحصائية والدراسات المجتمعية هي المرجع، وليس التصورات المجردة.

اللجنة المكلفة بصياغة التعديلات نجحت في خلق حوار داخلي بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، للوصول إلى توافقات تمثل جميع الأطياف. هذا النهج أغضب تيارين رئيسيين: التيار المتطرف الذي يسعى إلى إلغاء كل ما له صلة بالمرجعية الإسلامية، والتيار التراثي الذي يحاول فرض وصايته على الشأن الديني، متجاوزًا الخطوط الحمراء لإمارة المؤمنين.

هذه التعديلات ليست فقط انتصارًا للمرأة أو للأسرة، بل هي انعكاس لقدرة العقل المغربي على الإبداع والاجتهاد.

لقد استلهم المغرب تجارب دول أخرى مثل ماليزيا وإندونيسيا، ولكنه صاغ رؤيته الخاصة التي تتلاءم مع هويته وتاريخه.

ما يجعل التجربة المغربية فريدة هو قدرتها على تحويل المدونة من نص قانوني جامد إلى نموذج فكري واجتماعي متكامل.

هذا النموذج يُبرز أهمية الاجتهاد كأداة ديناميكية للتعامل مع تحديات العصر، ويدعو إلى التفكير المتجدد كضرورة لضمان استمرارية تطور المجتمع.

لكن، يبقى السؤال المفتوح: هل ستستمر المدونة في تطوير نفسها لمواجهة تحديات جديدة، أم أن الاجتهاد سيتوقف عند حدود هذه التعديلات؟

وكيف يمكن أن يُسهم هذا النموذج المغربي في تحفيز دول إسلامية أخرى لإيجاد حلول مشابهة تجمع بين الماضي والمستقبل؟

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)

التعليقات تعليقان

  • Dr Abdoulkarim Abbo YérimaDr Abdoulkarim Abbo Yérima

    التغيير لا بد منه.فانه ضرورة اجتماعية ومطلب شرعي، غير أن التعيير المنشود تغيير يستوعب الاخداث ويقدم حلولا تنبني على ثوبت الأمة وذاكرتها.
    المتغيرات هي موضوع الاخذ والعطاء بخلاف الثوابت ،

  • Dr Abdoulkarim Abbo YérimaDr Abdoulkarim Abbo Yérima

    التغيير لا بد منه. وافصل التغيير ما ينبني على الثوابت ويقويها ، ثم يحاور في المتغيرات بالاخذ والعطاء.
    فلاينقل نقل ذبابة ولا يتجمد.