محمد علي لعموري
سؤال ” عبيط ” لكنه ذو دلالة ، راودني هذا السؤال وأنا أشاهد فيلما أمريكيا في إطار تجزية الوقت في فترة الحجر الصحي وملازمة البيت وعدم مخالطة الناس والتواصل مع الأقرب منهم عن بعد..
هذا السؤال قد يكون راود الملايين ممن يؤمنون بالحب قيمة للتعايش والعيش المشترك بين البشر ، ففيروس كورونا بعد أن بث الرعب في النفوس ، ودفع الدول لسد الحدود في وجه بعضها البعض ، وفرض حظر التجوال مساءا ، وقيد حرية الحركة نهارا ، وباعد بين الناس ، فألغيت بسببه مسلكيات التواصل الإنساني من تسالم بالأيدي وعناق وقبل وحتى العلاقات الجنسية ، قلت بعد أن عطل كل أشكال الحياة الإقتصادية والإجتماعية الدافئة والمنتعشة ، يكون قد انتصر لمفهومه الخاص للحب ، فحتى أصغر الكائنات الحية يمكنها أن تحب.
فالحب عاطفة خفية تظهر من خلال العرض الذي يقدمه المحب فينعكس على الواقع ، وهذا ما فعله فيروس كورونا ، فقبل أن نلعنه علينا أن نلعن أنفسنا لأننا ضيعنا الحب ، فربما جاء هذا الفيروس ليعلمنا كيف نحب : نحب أنفسنا بعد أن كرهناها ، فخوف كل واحد منا على حياته هو حب الذات الذي لم نستطعمه في غمرة الإلتهاء بالحياة الصاخبة التي كنا مغمورين بها ، الفيروس كورونا علمنا النظافة والإنتفاض ضد المألوف وتغيير العادات السيئة ومراجعة الذات ، والتفكير بعمق في أسئلة لم نكن نطرحها قبل مجيء الجائحة.
أسئلة وجودية بالأساس عن معنى الإنسان ؟ قيمة الحضارة ؟ معنى العلاقات الإنسانية التي دمرتها النزعة الفردانية ؟ معنى النجاة الجماعية بعد أن برهن الفيروس على أنه ديمقراطي أكثر منا وغير عنصري ويمكنه إحداث التغيير في العالم وفي العلاقات الدولية وإعادة ترتيب أوراق النظام العالمي الذي كانت تمضي فيه الدول دون ضابط من شأنه إعادة الإعتبار للإنسان وللبيئة وللصحة وللعلم وللطب ولمجموعة أمور عادت لحتل المراتب الأولى في سلم التفكير..
فيروس كورونا ليس ضد الحب وإلا لما أوقف الحرب وأوقف كل من شأنه تدمير الكوكب الذي نعيش فوقه.
الحب في زمن كورونا ليس شيئا سوى هذا العمق الفلسفي في اكتناه سر وجود الإنسان وقيمة الحياة حتى لو أدى ذلك إلى سقوط ضحايا بدون تدمير للبنى وللعمران، فقد فعلت الحروب أعظم وأكثر مما قد يفعله فيروس خفي علمنا شيئا لا ولن تعلمنا إياه المدارس والجامعات..
فيروس كورونا ليس ضد الحياة بل ضد حياة جشعة خسيسة خبيثة كنا نعيشها فيما بيننا أساس الكذب والخداع والنفاق والخبث والكراهية التي هي عكس الحب حتى ونحن نتشدق به بيننا دون أن يتجلى في العلاقات البشرية بيننا.
لهذا بدل أن نخشى كورونا علينا أن نخشى ما تمضي إليه البشرية من هلاك ودمار وحروب وإبادة ، وبدل أن نكره هذا الفيروس الذي زعزع يقينياتنا المغشوشة ، علينا أن نطرد الكراهية من القلوب التي ألفت كيف تكره دون أن تتعلم كيف تحب ، فالحب والكراهية وجهان لعملة واحدة منا من يرى في وجه الحضارة سوى توظيف القوة لفرض السيطرة والتبعية ، فأدركت أوروبا القريبة منا أن مركزيتها الثقافية والإقتصادية ليست سوى بنيان هش سرعان ما انفضح أمام الجائحة ، الشيء الذي يضع مستقبل الإتحاد في الميزان ؟
أمريكا التي تسعى لتبقى سيدة العالم وتقاتل هنا وهناك ليستمر النظام العالمي أحادي القطبية علمها فيروس كورونا التواضع في ظل وجود رئيس فيدرالي متعجرف ، فظهر ترامب وهو يصلي من أجل هزم الوباء..
دروس كثيرة يعلمنا إياها فيروس كورونا ، حتى أنه ناب عن الدولة في التخفيف من أعبائها تجاه المسنين ، فأراحها وأعفاها من التخلص من الفئة غير النشيطة ، والتي تعمر طويلا وبالتالي تنهك خزينة الدولة ، يحدث هذا بالتحديد في الغرب الذي يعرف نسبة مرتفعة من المسنين..
سيعلمنا كورونا بعد رحيله كيف نعود لحياتنا الإجتماعية بشكل صحيح بعد أن نستعيد الدفء ونعانق بعضنا بحرارة ونتصالح مع أنفسنا ونتبادل التحايا والتهاني ونشرب الشاي ونأكل الحلوى انتشاءا بعودة الحياة بطعم جديد وتصور جديد وفكرة جديدة..
لهذه الأسباب أشك من جهتي كإنسان وكمتفكر في معاني هذه الظرفية أن يكون فيروس كورونا كارها للحب.
Source : https://dinpresse.net/?p=7894