محمد علي لعموري
توقف القلب والدماغ فجأة بعد تعب ومرض وشيخوخة وتصلب الجسد، وفاضت الروح خارجا عن جسد كان يحمل كيانا كبيرا وشخصية استثنائية داخل الجغرافية الفكرية العربية.
نوال السعداوي تغادرنا بعد مسار طويل في العطاء والنضال من أجل كرامة الإنسان، ومن أجل امرأة بدون مساحيق تتجمل بها من أجل رجل لا يرى في المرأة سوى جسدها، ومن أجل امرأة قوية وحرة وقادرة على رد العدوان الذكوري عن كرامتها وكيانها داخل المجتمع.
غيب الموت امرأة قالت “لا” للرجال الكبار قبل أن تكون من أوائل النساء اللواتي طلقن أزواجهن.
أول “لا” قالتها نوال السعداوي كانت لوزير الصحة الذي أرادها طبيبة تابعة لقراراته، فاستقالت من الوزارة لتتفرغ للكتابة وللبحث العلمي، وثاني “لا” كانت لمن تزوجها حين أرادها زوجة وهي لم تخلق لتكون زوجة خادمة لزوجها وتابعة لسلطته، وثالث “لا” ستقولها للرئيس الأسبق أنور السادات حين شاركت في انتفاضة ما سمي في بداية الثمانينات بخريف الغضب، ليتم اعتقالها كناشطة حقوقية لتباشر التحريض ضد السلطة من داخل السجن دون أن تنسى كتابة مسودة مذكراتها داخله بواسطة قلم حواجب على ورق مرحاض.
ورابع “لا” كانت للرئيس محمد حسني مبارك حين جادلته قائلة له ما لم يستطعه مخلوق من الذكور والإناث : ” أنت لا تحترم المثقفين”.
وحين قامت الثورة في مصر عام 2011 كانت من أولى الناشطات الحقوقيات حضورا في ميدان التحرير، جنب شباب كان في حاجة إلى تأطير وإلى عراب من طينة وحجم وقامة نوال السعداوي.
كتبت كثيرا عن الفكر الذكوري كاشفة عن نظامه المهيمن الذي يجعل المرأة مواطنا من الدرجة الثانية مقارنة بالرجل، ثم كتبت عن الإنسان المصري الفقير المهمش الذي يعيش جهلا مركبا وتجهيلا ممنهجا من طرف السلطة السياسية والسلطة الدينية. فجاءت روايتها ” سقوط الإمام” أدبا ناقدا لذوبان السلطة السياسية في السلطة السماوية.
وحين كتبت مسرحيتها ” الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة” قامت الدنيا ولم تقعد، فكفرها شيوخ الفتنة وفقهاء السلطة، ووضعت ضمن قوائم الموت ورفعت ضدها دعاوى حسبة للتفريق بينها وبين زوجها باعتبارها مرتدة عن الإسلام كذا ! فقط لأنها تختلف مع مفكرين إسلاميين وفقهاء متزمتين كانوا يقفلون باب الإجتهاد في الدين بدعوى أن النص مقدس، بينما هي كانت دوما مع تغليب المصلحة حين تعارضها مع النص.
تجاوزت مؤلفات نوال السعداوي الخمسين كتابا ما بين دراسات جادة وروايات ومسرحية وسير ذاتية، وكانت أستاذة محاضرة في عواصم غربية، في الوقت الذي كانت ممنوعة من الجامعات المصرية والإعلام المصري.
تعرضت للنقد الجارح عدة مرات من طرف من كانوا منزعجين من صوتها الحر واصفين إياها بالعجوز الشمطاء ! لأنها كانت لا تتجمل ولا تضع مساحيق ولا تصبغ شعرها الأبيض الذي غزاه الشيب، ومع ذلك فقد كانت نوال السعداوي نبراسا للنسائية العربية التي تسعى لكسر الطابوهات الدينية والسياسية، وذلك لتحرير الشرط الإنساني من الفكر الديني/الذكوري.
عاشت نوال السعداوي صامدة في وجه الأعاتي مواصلة الكفاح لعقود دون أن تكل أو تتعب، وحين خطف نور بصرها أحست بدنو نهايتها، لأنها بدون قراءة وبدون كتابة لا يمكن لها أن تعيش قوية كانت تعودت، لأنها فقدت أهم سلاح كان يقوي من عزيمتها، إنه القلم الذي طالما حاربت به فكرا ذكوريا له حضور في كل بيت وكل مؤسسة من مؤسسات المجتمع المصري.
اليوم لا نقول أن نوال السعداوي رحلت، فهي لم ولن ترحل ما دامت قد تركت للأجيال القادمة إرثا مرجعيا في مجال النهوض بمستوى المرأة العربية وبمستوى الوعي لدى النساء العربيات، فقط نقول أن الموت قد غيب الجسد إلى الأبد، لكن روحها مبثوثة في كتبها الباقية ما بقي الفكر العربي شاهدا على إسهامها الكبير في نقد الفكر الذكوري.
Source : https://dinpresse.net/?p=13943