هل كان الخضر (صاحب النبي موسى) مُجرماً؟

عمر العمري
2020-10-09T11:24:13+01:00
آراء ومواقف
عمر العمري9 أكتوبر 2020آخر تحديث : الجمعة 9 أكتوبر 2020 - 11:24 صباحًا
هل كان الخضر (صاحب النبي موسى) مُجرماً؟

بالمفهوم الغيبي (الباطن) كان “الخضر” عبداً صالحاً، بل كان عالما عظيما.. ولكن بالمفهوم القانوني والحقوقي (الظاهر) كان يستحق الإعدام..

لن يقبل أيّ قانون وضعي كيفما كان شكله، ولا هويّة مَنْ سنَّه، أن يعتدي شخصٌ ما على سفينة في ملك الغير، فيخرقها أو يهتكها ويُعرِّض ركّابها لخطر الغرق أو الموت. ويترتب عن هذا الجرم مسؤولية مدنية، وأيضا مساءلة جنائية.. لكن “الخضر”، وكان بصحبته النبي موسى، ركبا معاً سفينةً في عرض البحر، فقام بتخريبها أمام أعين أصحابها.

ثم قام “الخضر” بـ”جريمة” قتلٍ في حق غلام أو طفل، دون سابق معرفة بالضحية، ودون مبرر ظاهر، أو حتّى أن يكون في إحدى حالات الدفاع الشرعي عن النفس. وهي “جناية” يمكن أن تصل عقوبتها إلى الإعدام، حسب كل شرائع الدنيا..

لقد ارتكب “الخضر” جريمتين يعاقب عليهما القانون الوضعي، وأيضا جميع الأديان السماوية التي تحرم الاعتداء على ملك الغير وتوجب القصاص في القتل بغير الحق، كما أن النبي موسى، يُتابع بالعقوبات الجنائية على أساس المشاركة في الجريمة، أو في أفضل الأحوال يعاقب بعدم التبليغ عن وقوعها..

لكنّ القرآن الكريم في حادثي تخريب السفينة وقتل الغلام زكّى أعمال “الخضر” وأثنى عليها واعتبرها أعمالا صالحة، وأنَّ مَن قام بها هو عبدٌ صالحٌ آتاه الله العلم والرحمة، أي جعله عالما ورحيما.. (فوجدا عبدا من عبادنا آتَيْنَاهُ رحمة من عندنا وَعلَّمْناه من لَدُنَّا علما).

فالخضر برّرَ هذه الأعمال “الإجرامية” ـ من حيث الظاهر ـ على أساس أنّ تخريب السفينة كان من أجل إحداث عيبٍ فيها، حتّى لا يستولي عليها ملكٌ غاصبٌ، وبالتالي كان رحيماً بأصحابها المساكين، فهم كانوا أمام خيّارين، إما خرقُ السفينة، أو غصبها بالكامل من قبل الملك الظالم، وبطبيعة الحال قبِلوا بأخفّ الضررين.

وأمَّا تبرير “الخضر” لقتله الغلام من دون جريرة، فقد علِم كفرَه وطغيانه، وعقوقَه لوالديْه، أي عَاقَبَه على جرائم لم تحدث بعدُ، وكان الهدف من وراء القتل أن (يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا).

لماذا القرآن يحكي لنا هذه القصة التي تتعارض (في الظاهر) مع مبادئه العامة، ومع قوانين الإنسان الوضعية، التي تحرم الظلم والاعتداء على الغير؟ هل كان القرآن يحكيها للخضر ولموسى وقد غادرا الحياة؟ وهل كان يقصها لنبيّه محمد وقومه دون غيرهم؟

من وجهة نظري، إن المعنيين بقصة الخضر مع مساكين السفينة، أو مع الغلام الكافر، أو مع اليتيمين، صاحبَيِ الكنز المدفون، هم الذين يعيشون زماننا هذا. إن ما قصّه القرآن هو توجيه مبكر للبشرية من أجل اكتشاف أسرار علم الخضر وإخضاعه للبحث والتجربة الحسّية..

هي ليست قصة للتسلية أو العبرة أو الموعظة، فليس هذا موضوعها، وإنما هدفها استفزاز العقل البشري بالسؤال التالي: ما طبيعة هذا العلم الذي مكّن صاحب النبي موسى من معرفة الملك الغاصب، والصغير الكافر، والكنز المدفون؟

أعتقد أن القرآن يريد توجيه العقل البشري، عبر إخضاع هذه القصة للبحث العلمي، إلى أن هناك إمكانية لاكتشاف قواعد هذا العلم “اللّدني”، ومحاكاة التجربة من جديد، والاستفادة منها من أجل إيجاد حلولٍ للمشاكل المستعصية في وقتنا الراهن، وعلى رأسها الأمراض المزمنة والفتاكة..

بمعنى آخر، يمكن بواسطة هذا العلم أن يقوم الإنسان المعاصر بما قام به الخضر في الماضي، أو أكثر من ذلك، فيمكنه تحديد هوية المجرمين، واكتشاف الجرائم قبل وقوعها، وتمييز الكافر من المؤمن كما علم الخضر بكفر الطفل وهو صغير، ومعرفة كل مدفون تحت الأرض على الإطلاق..

أرى أن “الخضر” وضع اللبنات الأولى لتأسيس علم عظيم بمقدوره تجاوز الأبعاد المتعارف عليها علميا، وأن الوقت حان لتشرعَ العلوم الحديثة في تلمّس طريقها نحو اختراق كل الحواجز الممكنة، لاكتشاف ما وراء المادة، وهذا هو المقصود من قصة الخضر..

أعتقد أن “الخضر” كان عالما عظيما، ويمكن للإنسان المعاصر بدوره أن يتجاوز ما توصل إليه هذا العبد الصالح من علوم، وعندما قال: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)، لهوَ دليلٌ على أن هذا الرجل استطاع أن يخرق الحاجز الكائن ما بين عالم الأمر وعالم الخلق..

ملحوظات هامة:
1 ـ مصاحبة النبي موسى وهو من أولي العزم من الرسل للخضر دليل على أن هذا الأخير كان رجلا عاديا لكنه بذل مجهودا جبارا ليكون عالما..
2 ـ كانت “الثقوب السوداء” خرافة فيما قبل، لكن منح جائزة نوبل لسنة 2020 لأبحاث في هذا المجال إشارة إلى أن الفيزياء الحديثة بدأت تدق أبواب عالم الأمر..
4 ـ جمعُ الخضر بين العلم والرحمة هو توجيه للعقل البشري الراهن من أجل أن تكون الاكتشافات العلمية في خدمة الإنسان وليس لصنع أسلحة الدمار الشمال للقضاء عليه..
3 ـ ربما ستتاح لي الفرصة مستقبلا للتعريف ببعض الأبحاث العلمية التي قطعت أشواطا كبيرة في تخطّي الحواجز العلمية التقليدية..

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.