3 أغسطس 2025 / 13:55

هل كانت الأندلس مقاطعة مورية: مغالطات وإضاءات

سليمة عبد الجليل بنجلون. باحثة مغربية متخصصة في التاريخ. تقيم في أمريكا

عندما بفترى باحث رأسماله مجموعة من الفيديوهات على التاريخ

القول بأن “الأندلس كانت مقاطعة مورية” هو كذبة تاريخية فجة لا أساس لها علميًا ولا تاريخيًا، وتخالف جميع المعطيات النصية والأثرية والكرونولوجية. إليك تحليلًا علميًا لهذه المغالطة:

أولًا: لا وجود لكيان سياسي اسمه “الدولة المورية” حكم الأندلس.

مصطلح “موري” (Mauri) كان يستخدمه الرومان لوصف الشعوب البربرية-الأمازيغية التي كانت تقطن شمال غرب إفريقيا (ما يعرف اليوم بالمغرب والجزائر)، خاصة في مملكتي موريطانيا القيصرية وموريطانيا الطنجية. لكنه لم يكن اسمًا لكيان سياسي واحد، بل اسمًا عامًا إثنيًا-جغرافيًا أُطلق من الخارج.

أما الأندلس، فكانت جزءًا من الإمبراطورية الرومانية تحت اسم “هيسبانيا”، ثم جزءًا من مملكة القوط الغربيين، وبعد الفتح الإسلامي أصبحت ولاية تابعة للخلافة الأموية ثم العباسية، قبل أن تنفصل تدريجيًا مع ظهور الإمارة الأموية ثم الخلافة الأموية بالأندلس (القرن 8-10م).

ثانيًا: المور لم يؤسسوا ولا حكَموا الأندلس كوحدة سياسية

رغم أن بعض الجند البربر الذين شاركوا في فتح الأندلس في القرن الثامن الميلادي كانوا يُوصفون بـ”المور” في الكتابات اللاتينية (مثل موروس = أسود أو بربري)، إلا أنهم:

لم يكونوا سلطة حاكمة مستقلة.

ولم يشكلوا كيانًا سياسيًا موريًا حاكمًا للأندلس، وكانوا يخضعون للسلطة الإسلامية المركزية، خصوصًا تحت قيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير، ثم الولاة الأمويين.

بل إن البربر تعرضوا أحيانًا للتمييز في الأندلس، كما توضح ثوراتهم، وأبرزها ثورة البربر سنة 740م في المغرب والأندلس معًا.

ثالثًا: “مور” مصطلح استعماري لاحق أُعيد استعماله أيديولوجيًا

في القرون الوسطى، بدأ الأوروبيون يطلقون على المسلمين عمومًا في الأندلس وشمال إفريقيا اسم Moors، وهو مصطلح غير دقيق يجمع العرب، والبربر، والسود، بل وكل المسلمين، دون تمييز.

وبالتالي، فإن استعمال مصطلح “موري” أو “مقاطعة مورية” للإشارة إلى الأندلس يعكس جهلًا بالتمييز بين التوصيف الإثني الاستعماري، والحقائق التاريخية السياسية.

رابعًا: استعمال هذا المصطلح اليوم يهدف إلى خلط الهويات

يستعمل البعض هذا المصطلح لإعادة اختراع هوية “مورية” متخيلة، تربط شمال إفريقيا بالأندلس عبر رابط إمبراطوري مفترض.

وهو خطاب أيديولوجي معاصر يفتقر إلى السند التاريخي، ويطمس التعدد الإثني والسياسي الذي عرفه الغرب الإسلامي.

خلاصة

القول إن “الأندلس كانت مقاطعة مورية” هو اختراع أيديولوجي لا أساس له. لا المصادر الإسلامية ولا الرومانية ولا القوطية ولا الأندلسية القديمة تدعم هذه الفكرة.

الأندلس كانت: إقليمًا رومانيًا ثم قوطيًا، فتحه المسلمون في القرن 8م، وكان تحت سلطة دمشق ثم قرطبة، بمشاركة عسكرية لبعض البربر، دون أن يشكلوا كيانًا موريًا حاكمًا.