سعيد الكحل
اعتاد حزب العدالة والتنمية المراوغة السياسية للمداراة على أخطائه أو الركوب على المبادرات الملكية ، أو تحميل الدولة والخصوم السياسيين مسؤولية فشله في إدارة الشأن العام ، سواء وطنيا أو محليا. وحتى بعد تولي سعد الدين العثماني رئاسة الحكومة بعد فشل سلفه بنكيران في تشكيلها لتدبير الولاية الثانية للحزب، فإنه سار على نفس النهج.
ففي تقريره السياسي أمام أعضاء المجلس الوطني للحزب يومي السبت والأحد 23 و 24 يناير 2021 ، اختار لغة المراوغة والتحايل عبر الادعاء بأن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى “النجاح في امتحان الوفاء للملك” والثوابت الوطنية والانسجام مع اختيارات الدولة وما يقتضيه من دعم للجبهة الوطنية.
ومن يستمع لهذا الخطاب يخيل إليه أن الحزب ، قيادة وقاعدة، لا يأل جهدا واجتهادا في تبني المشروع الحداثي والديمقراطي الذي يحمله الملك والقوى الديمقراطية ، ويسعى جادا إلى تجسيده. فمواقف الحزب ، سواء لما كان في المعارضة أو على رأس الحكومة، ستظل شاهدة على مناهضته لكل جهود التحديث والدمقرطة ، ولن يمحوها خطاب رئيس الحكومة والحزب مهما تلاعب بالعبارات أو سلك أساليب المراوغة والتقية.
ويكفي هنا تذكير السيد العثماني بمواقف الحزب وإصداراته المناهضة لمشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الذي كان المدخل الأساس لتحديث بنيات المجتمع (الثقافية ، القانونية، الأسرية ، الاقتصادية ، السياسية ..).
إن الوفاء للملك ، ليس شعارات جوفاء ، بل مواقف ثابتة تدعم جهود التنمية والتحديث. لكن ، تاريخ الحزب يشهد على مناهضته الشرسة لكل تلك الجهود ، سواء مناهضة علنية أو الخفية. وهذه نماذج منها:1 ــ المناهضة العلنية لـ :
أ ــ أسس الدولة المدنية عبر المطالبة بجعل الشريعة كما يؤول تيار الإسلام السياسي لنصوصها ، المصدر الأسمى للتشريع وإلغاء كل القوانين والنصوص التشريعية التي لا تنسجم مع هذا التأويل أو لا تخدم إستراتيجية الحزب وأهدافه. ذلك أن الحزب استغل موجة ما بات يعرف “بالربيع العربي” ليمارس الضغط والتهديد بهدف التنصيص على سمو “التشريعات الإسلامية” حتى يكون له سندا دستوريا يشرعن تصديه لأي قانون لا يخدم أهدافه وإستراتيجيته المتمثلة في “أسلمة” الدولة والمجتمع والأسرة.
ب ــ حرية الاعتقاد ، حيث ناهض دسترتها لأنها لا توفر له المجال لممارسة الرقابة على المجتمع والإبداعات الفكرية والفنية. فخطة الحزب تطويق كل مجالات الإبداع والانفتاح والتعبير الحر.
ج ــ الإجهاض الإرادي الذي تطالب به الهيئات النسائية والحقوقية لما سيتيحه من فرص لتقليص أعداد الأطفال المتخلى عنهم ، وتوفير الحماية والرعاية الصحية للأمهات ، خاصة العازبات ضحايا التغرير أو الاغتصاب أو زنا المحارم.
د ــ اعتماد اللغات الأجنبية الحية للتدريس والتكوين العلمي ،بمبرر الدفاع عن الهوية ، في الوقت الذي يدرس فيه أبناء قيادة الحزب وأطره باللغات الأجنبية في المؤسسات الخاصة والبعثات الأجنبية. فمنذ الإعلان عن الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015 – 2030 التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي يترأسه المستشار الملكي عمر عزيمان، والحزب يناور لعرقلة المصادقة على مشروع القانون بتجميده في البرلمان (مقاطعة اجتماعات رؤساء الفرق النيابية ، التراجع عن التوافق مع بقية مكونات الأغلبية، دعوته إلى توافق ثان ، خرجات بنكيران ضد الدولة ومشروع القانون ).
هـ ــ برنامج انطلاقة لدعم المقاولين الشباب الذي جاء مبادرة من جلالة الملك لتشجيع الشباب على تحقيق طموحاتهم والمساهمة في جهود التنمية ، حيث تصدى له عدد من رموز الحزب بالتحريض على مقاطعة التمويلات البنكية بحجة أنها “ربوية”.
و ــ تجريم تزويج القاصرات الذي تطالب به الهيآت النسائية والحقوقية لوضع حد لحرمان الفتيات من حقهن في التمدرس ، وكذا حمايتهن من مخاطر الحمل المبكر ومضاعفاته على حياة الأم والجنين/الرضيع. فالحزب كان السبب في الإبقاء على تزويج القاصرات بمدونة الأسرة ولا يزال يصر على استمراره رغم كل المخاطر والانتقادات.
ز ــ المساواة في الإرث رغم المآسي الاجتماعية والظلم الفظيع الذي تتعرض له الأنثى .فالواقع الاجتماعي يثبت أن منظومة الإرث صارت متجاوزة ، بل تتسبب في تشريد وشقاء فئات واسعة من الإناث.
ح ــ رفع التحفظات عن عدد من مواد اتفاقية “سيداو” التي لا تخدم إستراتيجية الحزب ولا تنسجم مع إيديولوجيته القائمة على تهميش النساء وحرمانهن من الحقوق التي يكفلها الدستور والمواثيق الدولية.
إلا أن أخطر أشكال المناهضة هي الخفية منها التي تتجنب الصدام وتتبنى الالتفاف والتحايل. وهذا الذي قصده السيد العثماني حين قال بأن حزب “العدالة والتنمية لا يمكن أن يقع في صدام مع اختيارات الدولة وتوجيهات الملك”.
2 ــ المناهضة الخفية وتتجسد في أسلوب إفراغ النصوص الدستورية والقانونية من محتواها وتحويلها إلى إطارات فارغة وطنّانة أو تعطيلها انسجاما مع توجهات الحزب وإستراتيجية الانخراط في المؤسسات الدستورية للدولة التي حددتها أطروحة المؤتمر السادس كالتالي (أن الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية والقضايا الأخلاقية وجب أن يتم ضمن آليات الاشتغال وأدوات الخطاب السياسي أي باعتبارها من قضايا السياسات العمومية مما يقتضي التركيز على مقاربتها مقاربة قانونية وتشريعية ورقابية. فمقاربة الحزب لقضايا الهوية والأخلاق تتم بترجمتها إلى إجراءات عملية ومقترحات مفصلة مع آليات التنفيذ، وهو ما يعني اقتراح سياسات عمومية في إطار برامج سياسية تطرح ديمقراطيا ضمن المؤسسات المنتخبة ذات الصلاحية). بهذه الخلفية سيمارس الحزب المناهضة الخفية من خلال:
أ ــ تعطيل وخرق الدستور الذي مر على اعتماده عقد من الزمن كلما تعلق الأمر بمجال أو قضية لا يوافق عليهما الحزب مثلما حصل مع المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وكذا القوانين التنظيمية للغة الأمازيغية. فهذا المجلس لم يولد إلا في مارس 2020 ، ولازالت حكومة البيجيدي تهمشه وتتجاهل مطالب الحركة الأمازيغية بخصوص اعتماد حرف تيفيناغ في الوثائق الرسمية وتعميم تدريس اللغة الأمازيغية.
ب ــ مخالفة الدستور بمشاريع قوانين تناقض ما نص عليه الدستور في ديباجته من تبني منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا (مشروع القانون الجنائي الذي يشجع على “جرائم الشرف” ويكاد يبرئ مرتكبيها ، مشروع قانون تكميم الأفواه 22.20، قانون العنف ضد النساء 103.13 الذي يشرعن الاغتصاب الزوجي ويتجاهل مطالب الحركة النسائية)
ج ــ الالتفاف على الدستور بتشكيل مؤسسات كسيحة مثل هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ضد النساء التي نص عليها الدستور ، إذ ظلت حكومتا البيجيدي ( حكومة بنكيرن ، حكومة العثماني) تناوران على مدى عشر سنوات لتأجيل إخراج هذه المؤسسة إلى الوجود ، وحين خرجت كإطار جاءت كسيحة وشكلية لا سلطة لها على الإطلاق؛ الأمر الذي أثار انتقادات واسعة من طرف الحركة النسائية . ولا زالت حكومة العثماني تتلكأ في تعيين أعضاء الهيأة ، مما يعد تعطيلا سافرا للدستور.
إن الوفاء للملك وللوطن يقتضي تطبيق الدستور وترجمة بنوده إلى تشريعات تحمي الحقوق والمكتسبات ، وإلى سياسات عمومية تضمن العيش الكريم لعموم المواطنين.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13324