سعيد الكحل
لم يكن مفاجئا أن يعود بنكيران إلى قيادة حزب العدالة والتنمية بعد الهزيمة القاسية التي تلقاها في الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية. قساوة النتائج ومرارة الهزيمة الانتخابية التي عصفت بأحلام البيجيديين وأطماعهم في قيادة الحكومية لولاية ثالثة، أشعرتهم باليُتْم وبالحاجة إلى “مُنقذ” يحافظ على هيكل الحزب من التلاشي.
لقد أدرك البيجيديون أن حزبهم عاقر وعاجز عن إفراز قيادي بكاريزيما تضمن للحزب وحدته وتلمّ شتاته، فاضطروا إلى “مبايعة” بنكيران والتعامل مع العثماني “كمحلّل” يرفع المنع القانوني أمام بنكيران لرئاسة الحزب بعد أن تولاها للفترتين المسموح بها في النظام الداخلي للحزب مثلما يفعل “المحلل” في الأفلام والمسلسلات المصرية لفائدة الأزواج بعد الطلقة الثالثة.
حالة الصدمة والذهول أفقدت البيجيديين القدرة على استيعاب العوامل الموضوعية للهزيمة ، والتي تتحمل فيها حكومة بنكيران المسؤولية الكبرى ، وفي مقدمتها : جعل المواطنين في خدمة الدولة، الإجهاز على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وجعل مصلحة الحزب فوق مصلحة الشعب. فأدبيات الحزب وإيديولوجيته تزيد من غرور أعضائه وقيادته لدرجة تجعلهم موقنين أنهم جاؤوا لخدمة الدين وليس الوطن.
غرور لم يتحرر منه البيجيديون إلى اليوم وسيظلون ضحيته على المدى الطويل ما لم يراجعوا الأسس الفكرية والإيديولوجية التي أسسوا عليها الحزب، وقبله حركة التوحيد والإصلاح.
وها هم اليوم، بعد الهزيمة الانتخابية، يشعرون وكأن الدولة والشعب والنظام تنكّروا لهم، أي قابلوا “الإحسان” بالإنكار، وهم الذين كانوا ينتظرون جزاء “الإحسان” “الإحسانُ” والفوز بصدارة الانتخابات. ففي كلمته بعد انتخابه أمينا عاما للحزب، قال بنكيران مغرورا ومحْسُوراُ وهو يَمُنّ على الدولة (حنا الإخوان خاصنا نستشعرو الدوافع الأصلية ولي كوْنت منا هذه المجموعة الخيرة المتميزة ولي قدْمت لبلادها خدمات جد جد محترمة وأقل شيء.. نحن ساهمنا في أن بلادنا تقضي عشر سنوات مضطربة في العالم العربي والإسلامي كله ، أن تقضي عشرة سنوات من الطمأنينة…ساهمنا في أن تمر بلادنا من مرحلة جد مضطربة جد خطيرة ليس على المواطن ، خطيرة على الدولة.. في وقت الشدة لْقاتنا بلادنا ، والحمد لله اعترفت بنا، وصوتت علينا في المرة الأولى وفي المرة الثانية).
بنكيران لازال يتوهم أن حزبه صاحب “فضل” على الدولة المغربية ، حماها من المصير الذي انتهت إليه دول عربية اجتاحها “الخريف العربي” ، وسيحميها من الفتن مستقبلا (دابا خاصنا نشوفو شنو هو لي من خلاله نقدرو نكونو نافعين أولا لدولتنا ، لأنه خاص الدولة تكون قوية وخاص الدولة تكون متمكنة ، لأن الدولة لي ضعيفة أيها الإخوان تتكون مهددة ، والدولة إلى قدّر الله وارتبكت واضطربت ما تيبقى مذاق عند السياسية، كأس ديال القهوة ما تقدرش تشربو مْهني في القهوة أو في دارك ).
وهْمٌ كبير يعيش فيه بنكيران وهو يعتقد أن الدولة بكل مؤسساتها من الضعف ما يجعل مصيرها متوقفا على وجود البيجيدي وإسهامه في حمايتها. إنه احتقار من بنكيران للدولة المغربية ومؤسساتها وتحقير للشعب المغربي الذي صمد ، عبر التاريخ، في وجه الخطوب والمؤامرات. وما يجهله بنكيران هو أن هيلاري كلينتون غابت مع غياب إدارة باراك أوباما ، وأن إستراتيجية دعم الإسلاميين وتمكينهم من الحكم انتهت إلى كوارث ، فسارعت الشعوب إلى تصحيح مسارها . فالشعب المغربي كان ضحية تلك الإستراتيجية فتخلص منها بكل ذكاء بعد أن أعطى درسا بليغا لحملة مشروع “الأسلمة” ومعهم الحالمين “بالقوْمة” .
إلا أن المثير في كلمة بنكيران ليس أوهامه ولكن خُططه ومنها:
1 ــ الوفاء لإيديولوجية تنظيم الإخوان التي وضعها قطب والبنا والساعية إلى إقامة الدولة الدينية على أنقاض الدولة المدنية . لهذا لم يحث بنكيران أعضاءَ حزبه على إحياء الروح الوطنية واستنهاض الهمم للانخراط في دعم الأوراش الكبرى وتقوية الجبهة الداخلية، وإنما حثهم على إحياء الروح “الإخوانية” التي تجعل “التدافع” السياسي “جهادا” والوصول إلى الحكم “فريضة” (خاصنا الإخوان نعاودو نبنيو الحزب ديالنا.. هي نبعثو الروح لي كتاخذ الأصل ديالها من المرجعية الإسلامية ، ما تنساوش ريوسكم الأخوان أنكم أنتم أنفسكم جايين من الحركة الإسلامية ودخلتيو الحياة السياسية) . يخاطبهم وكأنه قائد عسكري يخوض غمار حرب مصيرية.
2 ــ التحريض على “التضحية” في سبيل المشروع الإخواني الذي ظل يحمله بنكيران ويسعى إلى تحقيقه. مما يدل على أن بنكيران عائد إلى قيادة البيجيدي بنفس العقيدة “الجهادية” لدى تنظيم الإخوان وكل تنظيمات الإسلام السياسي.
هكذا خاطب أعضاء حزبه ( الدور ديالنا أيها الإخوان ما انتهاش . تبدلت الظروف خاصنا نبدلو المقاربة ، خاصنا ما نتراجعوش ، نوقفو ونباقو واقفين ونصبرو ولو أدى ذلك إلى أن نضحي إن اقتضى الأمر إما بأموالنا وإما بأي شيء يقتضيه ، حنا ماشي أحسن من الناس لي ضحوا في التاريخ). إعادة بناء الحزب وتجديد هياكله بعد الهزيمة الانتخابية لا تستدعي استعمال القاموس “الجهادي/الحربي”. فالممارسة السياسية هي بطبيعتها مدنية وسلمية تحتاج برامج انتخابية وليس خططا حربية.
لكن بنكيران لم يتخلص من إرثه الإيديولوجي وخلفيته العقدية/الإخوانية /الجهادية التي سبق وعبّر عنها بكل وضوح في كلمته خلال المؤتمر الثاني عشر لشبيبة حزبه سنة 2016 كالتالي “إذا كنا سنموت موتة البعير ماشي شي حاجة كبيرة نحن مستعدين للموت متغلطوش، وثقافتنا لا تعرفونها..
فلا تخوفونا لا بالسجن أو القتل” ثم استشهد بقولة ابن تيمية “ماذا سيفعل أعدائي بي إن نفوني فنفيي سياحة وإن سجنوني فسجني خلوة وإن قتلوني فموتي شهادة في سبيل الله دلك لأني أحمل في صدري جنتي وبستاني كتاب الله وسنة رسوله). عقيدة الموت المقدس والجهاد من أجل إقامة الدولة الدينية وتحكيم الشريعة تظل الثابت الذي تتأسس عليه تنظيمات الإسلام السياسي.
3 ــ إرجاع الحزب إلى بيت طاعة الحركة. إن القفز على العوامل المباشرة التي أدت إلى هزيمة البيجيدي انتخابيا ، جعلت قيادة الحزب تعتقد أن حركة التوحيد والإصلاح عاقبت الحزب بالامتناع عن دعمه وحشد الأتباع والمتعاطفين للتصويت لفائدة مرشحيه ، خصوصا اتخذ الحزب مواقف معارضة لتوجهات الحركة ( التوقيع على البيان المشترك بين أمريكا ، المغرب وإسرائيل ، تقنين “الكيف”، فرنسة المواد العلمية ..).
لقد أدّبت الحركة الدعوية حزب البيجيدي ليعود إلى طاعتها ويأتمر بأوامرها ، ومن ثم فالمؤهل لهذه المهمة هو بنكيران باعتبار زمزيته (رئيسا سابقا للحركة ) وعلاقاته القوية مع قيادة الحركة.
وسيكون من الخطأ القاتل الارتماء في حضن الحركة التي تناهض سياسات الدولة والمصالح العليا للوطن ، علما أن الحركة ليست بالقوة الانتخابية التي تحدد نتائج البيجيدي وموقعه في الخريطة السياسية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15881