هل تقترب كندا من تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية؟
دين بريس ـ سعيد الزياني
يطرح التقرير الصادر عن معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسة (ISGAP) (يونيو 2025) سؤالا مركبا حول مستقبل تعامل الدولة الكندية مع جماعة الإخوان المسلمين، ويتجاوز مجرد التحذير من “تغلغل” الإسلام السياسي إلى الدعوة الصريحة لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، مع ما يعنيه ذلك من تغيير جذري في مقاربة كندا لمسألة “الإسلاموية” برمتها.
ويقترح التقرير، المعنون: We Stand on Guard for Thee? The Growing Influence of the Muslim Brotherhood on Politics, Academia, and Civil Society in Canada، أن شبكة واسعة من المنظمات الإسلامية ـ بعضها مصنف أو متهم في دول أخرى بالارتباط بحماس أو تنظيمات إرهابية ـ استفادت من التمويل العمومي ومن بيئة قانونية متساهلة لتوسيع نفوذها داخل الجامعات والمؤسسات المدنية والفضاء المالي والسياسي الكندي.
وبالرغم من ذلك، فإن قراءة هذه الدعوة لا يمكن فصلها عن الإطار القانوني والسياسي الكندي، فحتى لحظة كتابة هذه السطور، لا تظهر جماعة الإخوان المسلمين في اللائحة الرسمية للكيانات الإرهابية التي تنشرها وزارة السلامة العامة الكندية، والتي تشمل منظمات مثل الحرس الثوري الإيراني وكيانات جهادية وجماعات جريمة منظمة، لكنها لا تضم الإخوان ككيان مصنف.
ويؤكد هذا المعطى ـ حسب توقعنا ـ أن ما يطرحه ISGAP ما زال في مستوى “الضغط الفكري والسياسي” وليس بعد “قرار دولة”، وأن مسافة واضحة تفصل بين توصيات مراكز التفكير والخطوة القانونية التي تستلزم أدلة قاطعة على تورط مباشر في أعمال إرهابية أو تمويلها وفق المعايير التي يعتمدها القانون الكندي.
ويمكن للمعطيات التي يستند إليها التقرير أن تتحول، مع مرور الوقت، إلى قاعدة تُستحضر في نقاش رسمي أوسع، غير أنها تظل وحدها غير كافية لخلق مسار حتمي نحو التصنيف، فالتقرير يربط بين الارتفاع الاستثنائي في الحوادث المعادية للسامية عقب هجوم 7 أكتوبر 2023 وبين نشاط شبكات طلابية وجمعيات يُنظر إليها باعتبارها متأثرة بإيديولوجيا الإخوان أو حركة حماس، لا سيما في جامعات ماكجيل وكونكورديا وتورونتو ويورك.
ويركز التقرير على تدفقات التمويل القادمة من مؤسسات قطرية مثل “قطر الخيرية” و”عيد الخيرية” نحو جمعيات إسلامية كندية، ويضعها ضمن شبكة عابرة للحدود ترتبط ـ وفق ما يقدمه التقرير ـ بجهات سبق لوزارة الخزانة الأمريكية أن وضعتها تحت رقابة مشددة في إطار مكافحة تمويل الإرهاب.
وإلى جانب ذلك، يوظف التقرير أحد أكثر الملفات حساسية لدى السلطات الكندية، وهو ضعف منظومة الرقابة المالية أمام عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويأتي التركيز على قضية بنك TD والعقوبة الأمريكية الباهظة التي فُرضت عليه ليعزز السردية التي يدفع بها التقرير، والقائلة إن كندا باتت تُستغل بوصفها “ممرا ماليا ولوجستكيا” لشبكات ذات طابع متطرف، تستفيد من درجة التشابك الكبيرة بين النظامين المصرفيين الكندي والأمريكي، بما يحول الثغرات المحلية إلى مخاطر عابرة للحدود.
وهكذا، يحاول “الخطاب البحثي” ربط مسألة الإخوان بمخاطر أوسع: تمويل الإرهاب، اختراق الأنظمة المالية، وتأثير ذلك على أمن الولايات المتحدة، بما يفتح الباب أمام ضغوط أمريكية محتملة على “أوتاوا” لتشديد موقفها.
وإلى غاية اليوم، تلتزم الدولة الكندية تقليديا بمقاربة حذرة في تصنيف الكيانات إرهابية، لأنها تدرك أن أي خطوة من هذا النوع ستنعكس مباشرة على النسيج الداخلي وعلى علاقتها بمواطنيها المسلمين ومنظماتهم المدنية، إذ أن عددا من الهيئات التي يذكرها التقرير ـ مثل الجمعية الإسلامية الكندية (MAC) أو المجلس الوطني للمسلمين الكنديين (NCCM) ـ ليست مجرد أسماء على الورق، بل فاعلون حاضرون في الحوار العمومي، يشاركون في اللقاءات الوزارية، ويُستدعون باعتبارهم ممثلين لأصوات مجتمعية، بل إن بعضها حظي بحضور رئيس الوزراء في مناسبات دينية رسمية.
لذلك، فإن أي قرار بتجريم هذه الشبكة أو وضعها تحت شبهة الإرهاب سيعني عمليا تجريم شرائح واسعة من الفضاء الإسلامي المنظم في كندا، وهو ما يجعل السلطة التنفيذية أكثر حذرا من الانجرار خلف خطاب أمني أحادي البعد.
إضافة إلى ذلك، تحكم المشهد اعتبارات سياسية دقيقة، فالحكومة الكندية، التي تتحرك في سياق اقتصادي وأمني معقد، تحتاج إلى موازنة بين ضغوط داخلية تطالب بتشديد القبضة على ما يسمى “التطرف الإسلاموي”، وبين حساسية القواعد الانتخابية في المدن الكبرى حيث يشكل المسلمون وعموم الأقليات جزء مهما من الخريطة الاجتماعية والانتخابية.
وفي ظل انخراط كندا في ملفات دولية كبرى، من الدفاع المشترك مع أوروبا إلى العقوبات على كيانات مرتبطة بإيران أو بروسيا، قد لا يكون ملف الإخوان أولوية قانونية مباشرة، وإن ظل ورقة ضغط محتملة تستعملها مراكز بحث ولوبيات متحالفة مع أجندات إقليمية ودولية.
يمكن القول إن المؤشرات الحالية لا تدل على أن كندا على وشك اتخاذ قرار وشيك بتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، لكنها تشير إلى شيء آخر لا يقل أهمية: انتقال النقاش من الهامش إلى المركز، فوجود تقرير موسع من حجم تقرير ISGAP، يتبنى لغة “التهديد القومي” ويدعو علنا للتصنيف، يعكس استعدادا متزايدا داخل بعض الدوائر الفكرية والسياسية لدفع الدولة نحو هذا الخيار في حال وقعت هزة أمنية كبيرة، أو تزايدت الضغوط الأمريكية، أو كُشفت قضية تمويل إرهابي موثقة ترتبط بشبكات محسوبة على الإخوان في كندا.
وفي توقعنا ما لم يحدث ذلك، ستستمر كندا ـ على الأرجح ـ في الجمع بين تشديد الرقابة على التمويلات الأجنبية والعمل الخيري الإسلامي، وبين الحفاظ على هامش واسع لحرية التنظيم الديني والمدني، تاركة باب التصنيف مفتوحا كخيار استراتيجي مؤجل أكثر منه قرارا وشيكا.
التعليقات