هل الوقاية من الأفكار الانتحارية بالأمر السهل في زمن جائحة الكورونا؟

ذ محمد جناي
تقارير
ذ محمد جناي30 نوفمبر 2020آخر تحديث : الإثنين 30 نوفمبر 2020 - 7:45 صباحًا
هل الوقاية من الأفكار الانتحارية بالأمر السهل في زمن جائحة الكورونا؟

ذ. محمد جناي
إن الانتحار ينجم ، عادة عن كون المنتحر ترك نفسه ليحشر في فخ، حتى يبدو الانتحار بالنسبة للمنتحر حلا أو مهربا، سواء من الإخفاق أو العزلة أو الأزمات النفسية والجسمية والمالية، التي يرى الفرد أنه عجز عن مواجهتها أو التكيف معها ،وبين هذا وذاك ،تكون النتيجة واحدة :وهي الموت، وعلى رغم أن فطرتنا الحقة ترفض الإفناء الإرادي للذات.

الثابت أن الإسلام حرم بعبارات صريحة لا تحتمل التأويل قتل الإنسان لنفسه :((يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَاكُلُوٓاْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةٌ عَن تَرَاضٖ مِّنكُمْۖ وَلَا تَقْتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماٗۖ ))(سورة النساء الآية29)، وفي التعاليم الإسلامية زجر وتخويف من خيار الانتحار ، وهذا الموقف وحده يعكس المنظومة الانتحارية برمتها ويغلق باب خيار الانتحار ،وفي الوقت نفسه يفتح باب أمل في رحمة الله والأمل في تفريج الكربات مهما اشتدت ،عملا بقول الله ، عز وجل :((قُلْ يَٰعِبَادِيَ اَ۬لذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَيٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اِ۬للَّهِۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يَغْفِرُ اُ۬لذُّنُوبَ جَمِيعاًۖ اِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لْغَفُورُ اُ۬لرَّحِيمُۖ (سورة الزمر الآية 50).

وفي هذا يقول مصطفى لطفي المنفلوطي في “النظرات “: (لا عذر للمنتحر في انتحاره مهما امتلأ قلبه بالهم ونفسه بالأسى ، ومهما ألمت به كوارث الدهر ، وأزمت به أزمات العيش ، فإن ما قدم عليه أشد مما فر منه ، وماخسره أضعاف ما كسبه ).

إن إزهاق الروح ، وهي أمانة الله -عزوجل -التي اؤتمن عليها بنو البشر، خطب جلل،يستدعي البحث والرصد والتأمل والتحليل، حتى نتصدى للظاهرة ونحول بين المرء ونفسه، إن أراد بها سوءا أو فكر في التخلص من نفسه بنفسه.

لتكن هذه المقالة ،إذن ، نداء استغاثة ، وجرس إنذار ، ودعوة للتفكر والنقاش الجاد والموضوعي ، حتى ننقذ أرواحهم أو أرواحنا ، فالفرد هو ، ببساطة ، نواة الجماعة ؛ولذا كانت هذه الوقفة الجادة مع قضية تؤرق كثيرين وتمس المغاربة و الأمم الأخرى بشكل عام في عالمنا اليوم.

وتدل معظم الدراسات على وجود علاقة ترابط تام بين أغلب حالات المنتحرين في العالم العربي وبعض المتغيرات التي تنحصر في الفقر والبطالة والفشل العاطفي يليه الدراسي ثم الوظيفي ، فيما لم تغفل هذه الدراسات المتغيرات الخطيرة التي طرأت على المنطقة من كثرة الحروب ومناطق الصراع المشتعل في كثير من البلدان، وظهرت حالات أقدمت على الانتحار بسبب المرض العقلي أو الجسدي ،لكنها لا تشمل طائفة كبيرة من المنتحرين (فخري الدباغ ،الموت اختيارا .. دراسة نفسية اجتماعية موسعة لظاهرة قتل النفس ،دار الطليعة ،الطبعة الثانية ،بيروت 1986).

و مع تعاقب الأزمات والأوبئة والمحن التي أصابت البشرية عبر تاريخها الطويل، ونزلت بالناس صنوف شتى من الابتلاء؛ كالطواعين والمجاعات والفيضانات والزلازل والجفاف وغير ذلك، وبالطبع، نال المسلمين من ذلك البلاء والجوائح الكثير، وسجل تاريخهم أحداثها ووقائعها وآثارها، ولعل أكثرها فتكاً كان مرض «الطاعون» الذي انتشر أكثر من مرة في مصر والشام والمغرب والعراق والأندلس وقتل ألوفاً من سكانها، وقد قدم المؤرخون الذين عاصروا تلك الأحداث صوراً متنوعة عن تلك الأوبئة وآثارها وعواقبها في سائر أرجاء الأرض، مثل المقريزي، وابن تغري بردي، وابن كثير، وابن إياس، وابن بطوطة، وابن عذارى المراكشي، كما بحثت في ذلك كتب النوازل الفقهية للونشريسي وابن رشد وغيرهم.

وحتى الآن، تندر البيانات حول تأثير جائحة كوفيد 19 على معدلات الانتحار في المغرب ،ومع غياب لأرقام أو إحصائيات رسمية للانتحار، رصدت “سكاي نيوز عربية” أعداد حالات الانتحار، عبر دراسة (من بداية سنة 2020إلى شهر يوليوز )اعتمدت فيها على أخبار نشرتها الصحافة ووسائل الإعلام المغربية، مع إقصاء أي حالة مشتبه فيها أنها انتحار أو لا تضم معطيات دقيقة،حيث وصل عدد المنتحرين إلى 301، آخرها شخص رمى بنفسه أمام القطار السريع.

ووفق البيانات الإحصائية حسب الجهات التي رصدتها الدراسة، فإن شمال المغرب عرف أكثر عدد حالات انتحار، وبالضبط في جهة طنجة تطوان الحسيمة بـ 103 منتحر، وتليها جهة الدار البيضاء سطات بـ 44 منتحر، و28 منتحر في جهة سوس ماسة، و27 في بني ملال خنيفرة، و26 في مراكش آسفي، و23 في فاس مكناس، و12 في الشرق، و10 في درعة تافيلالت، و4 في كل من العيون الساقية الحمراء وكلميم وادي نون، و3 في الداخلة وادي الذهب.

كشف الدكتور أحمد الحمدواي، وهو أستاذ جامعي متخصص في التحليل النفسي،ل”سكاي نيوز عربية”،أن ظاهرة الانتحار بالمغرب تتحكم فيها معطيات أو أسباب نفسية بالأساس، ثم تنضاف إليها أسباب اجتماعية واقتصادية، معتبرا أن 301 منتحر هو رقم مخيف تتطلب قراءته نوعا من الحذر والتحفظ الابستمولوجي والعلمي من أجل استقصاء حجم هذه الظاهرة.

نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرا مهما حول الانتحار، تزامن مع اليوم العالمي لمنع الانتحار، الذي يوافق 10 دجنبر من كل سنة، دقت فيه ناقوس الخطر حول موضوع الانتحار، بعد أن وصلت النسب العالمية إلى 800 ألف شخص، ما يعني حالة انتحار كل 40 ثانية تقريباً، وشدد التقرير على أهمية إخراج موضوع الانتحار من خانة المحظورات، واعتباره مشكلة صحية عامة، بحاجة إلى توعية وعلاج جدي من قبل مختصين، والأهم من ذلك، توعية المجتمع حول ضرورة الانتباه إلى أعراض الانتحار، والمشاكل النفسية والاجتماعية، إضافة إلى الأمراض التي تنتج أفكاراً سوداوية يمكن أن تؤدي إليه.

تتطلّب الوقاية من الانتحار انتباه معارف الإنسان إلى العلامات التحذيرية المرتبطة بنزعته الانتحارية،تشمل هذه العلامات:

أولا: الانطوائية الزائدة عن المقبول بالانقطاع الكلّي عن وسائل التواصل وعن المكالمات والرسائل النصيّة.

ثانيا: جمع كمّيات كبيرة من الأدوية والإفراط في شرب الكحول وإدمان المخدّرات.

ثالثا: التلفّظ بعبارات من قبيل “سأقتل نفسي” أو “أتمنى لو أنني كنت ميتًا منذ زمن”.

رابعا: تبديل روتين العيش بإضفاء تعديلات جوهرية على أنماط الأكل أو النوم.

خامسا: القيادة بتهوّر مع رغبة فظيعة بممارسة أعمال مدمّرة للنفس.

سادسا: وداع الأشخاص كأنّه الوداع الأخير مع التبرّع بالممتلكات أو ترتيب ملفّات رسمية كانت عالقة.

وفي الختام نقول أن: الانتحار ليس تصرفاً عبثياً أو “لحظة تخلٍ” أو نتيجة “مس شيطاني” ، بل هو تصرف مخطط له، تتهيأ له الضحية، بتأمين الظروف والوسائل والأجواء المناسبة، بعدما تكون قد سدت أمامها الآفاق، وتلاشت في ذهنها المخارج المنطقية الأخرى،ما يدفعنا إلى السؤال عن مدى إدراكنا بأهمية التوعية حول الانتحار، لقطع الطريق أمام المحاولات، أو حتى أخذه في عين الاعتبار، إن واجهتنا مشاكل أو أصبنا بمرض عضوي أو نفسي.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.