عبد الواحد اكمير
أقدَمُ ما أستحضره في الرياضة، ترددي مرحلة الطفولة يوم الأحد، على ملعب سانية الرمل بتطوان. كان ذلك في نهاية ستينات القرن الماضي. لم يكن فريق المغرب التطواني في الموسم المذكور يحقق نتائج جيدة، وكان جمهوره يُعبر عن غضبه من الجميع، إلا من المدرب. كانوا يقولون عنه إنه عبقري. لم أكن أفهم ذلك، وكنت أتساءل: إذا كان فعلاً عبقرياً، فلماذا ينهزم فريقه؟ لم يكن ذلك المدرب إلا العربي بن مبارك. فهمتُ فيما بعد أن بن مبارك لم يكن عبقرياً كمدرب وإنما كلاعب. كان بعض الجمهور من المتقدمين في السن، والذين شاهدوه في “الليغا” الإسبانية، يحكون لنا عن ملاحمه في الملعب أشياء أقرب إلى الخيال (بعضها فعلاً من نسج الخيال، مثل حاكيته الشهيرة مع الحارس الأسطورة “ريكاردو سامورا”، والتي كان يرددها أطفال الحارات في مدينتنا، بعد أن وضعوا لها وزناً ولحناً وقافية).
عندما أفكر في تاريخ الأبطال الذين صنعوا الرياضة المغربية، أبدأ التأريخ بالعربي بن مبارك. ولكن عندما أواصل البحث، لا أجد عباقرة غيره وإنما فقط موهوبين. والفرق واضح بين العبقري والموهوب. العبقرية هي حالة استثنائية لا تتكرر إلا نادراً (بين كل مائة ألف شخص قد تجد عبقرياً واحداً، ولكن قد تجد عشرات وربما مئات الموهوبين)، لذا فالرهان للرقي بالرياضة يجب أن يكون على الموهوبين وليس على العباقرة.
الموهبة هي الأخرى درجات، أحياناً تبرز وتتطور بمجهود وإرادة فردية، ولكن في أغلب الحالات تحتاج إلى من يصقلها، وهنا ننتقل إلى ما نسميه بصناعة السياسة الرياضية، وهذه لم تنجح عندنا ولا عند غيرنا من البلدان العربية، بدليل أن مشاركة العرب في البطولات العالمية لم ترق أبداً إلى البحث عن مكان في القمة. وحتى إذا ما وصل أحدهم إلى هذه القمة، فهو عندما ينزل منها، لا يعوضه فيها عربي آخر. كل الذين أصبحوا منهم أبطالاً عالميين، كان نجاحهم بفضل موهبتهم، وليس بفضل صناعة وطنية رياضية. بعبارة أخرى، هؤلاء الأبطال هم الذين صنعوا الرياضة وليس الرياضة هي التي صنعتهم كأبطال، لذا ما أن يتركوا صنف الرياضة التي برزوا فيها، حتى يعود هذا الصنف إلى الوراء.
أفكر وأنا أحرر هذه الكلمات، في إسبانيا. لمَّا عادت الديمقراطية، كانت الرياضية مقتصرة على أصناف محدودة. لم يكن حالها أحسن كثيراً مما عندنا، وكل من برز آنذاك، كان بفضل مجهوده الشخصي. الأمور تغيرت اليوم. إسبانيا أصبحت قوة عالمية في أكثر من عشرين صنفاً رياضياً، تتوارث الأجيال مكانة الريادة فيها.
نحن في المغرب نوجد على مرمى حجر من إسبانيا، ولنا من تداخل المصالح ما يجعل مصير كل بلد مرتبطاً بالبلد الآخر (الاقتصاد، الأمن، الهجرة، الثقافة…). من هذا المنطلق أريد أن أُوجِّه السؤال التالي إلى المسؤولين عن السياسة الرياضية عندنا:
“لماذا لم تتم الاستفادة من النموذج الإسباني في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تجمعنا بالإسبان؟”
أظن أننا لو استفدنا من النموذج الإسباني، سنخطو خطوة إلى الأمام، من أجل الانتقال من وضعية البطل الذي يصنع الرياضة، إلى وضعية الرياضة التي تصنع البطل. وذلك هو السبيل للرقي بالرياضة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=6733