أحمد الجابري
لعل ما يميز مدينة مراكش عن باقي المدن المغربية هو وفرة المساحات الخضراء والحدائق العمومية التي تستقطب يوميا حشودا هائلة من الزوار، مغاربة وأجانب على حد سواء، وتعد مفخرة لمدينة لطالما ألهمت الفنانين والمبدعين وتغنى بجمالها الشعراء والمغنون. فمن لا يتذكر أغنية “يا مراكش يا وريدة بين النخيل” للمرحوم إسماعيل أحمد التي لازال يرددها المراكشيون افتخارا ببهائها الذي يجعلها قبلة سياحية بامتياز؟
لكن، للأسف الشديد، رصيد المدينة الحمراء من الحدائق والمساحات الخضراء أو ما اصطلح على تسميته بـ “العراصي و الجنانات” في تقلص مستمر نظرا للتطور العمراني السريع و المهول الذي أصبح السمة الأساسية التي تطبع المدينة ومحيطها كنتيجة حتمية للنمو الديمغرافي. ومع ذلك فمازالت مراكش تزخر بحدائق تاريخية يتردد عليها المراكشيون للنزهة والاستجمام كحدائق المنارة و أكدال و عرصة مولاي عبد السلام. ويلاحظ المستجم بهذه الحدائق العناية الخاصة التي ما فتئت توليها الجهات المعنية لهذه المعالم التي شملتها في السنوات الأخيرة مجموعة من “عمليات التجميل” أضفت عليها مزيدا من الرونق والبهاء.
وجنان الحارثي الذي أنشئ على مساحة ستة هكتارات في ثلاثينيات القرن المنصرم والذي ذاع صيته خصوصا بعد إعادة تأهيله في 2002 لا يستثنى من قائمة حدائق المدينة الحمراء التي تستهوي الزائر ليس فقط بتنوعها النباتي بل بهدوئها وسكونها الذي يحث على التأمل والاسترخاء والقراءة والإبداع. جمالية وشاعرية المكان التي تنسيك صخب وضوضاء شوارع حي كليز لا يعكرها إلا التوافد اليومي لشرذمة من المتسكعين والمتشردين على هذا الجنان منذ الساعات الأولى لمعاقرة النبيذ وماء الحياة والتعاطي للمخدرات واتخاذ المقاعد كأسرة للنوم في مشهد مزعج ومقزز لا يوحي بالأمان بقدر ما يحث مرتادي الحديقة على عودة أدراجهم ولو على مضض.
هذا ناهيك عن “العشاق” الذين لا يتوانون عن ارتياد الحديقة مستحوذين على ما تبقى من كراسي شاغرة لتفجير وإطلاق العنان لمكبوتاتهم علانية ودونما خجل ولا استحياء. ولعل الأدهى والأمر، بل والأخطر، هو استفحال ظاهرة السرقة الموصوفة التي يكون الكهول والأجانب على وجه الخصوص ضحاياها في غياب حراس الأمن الخاص على عكس عرصة مولاي عبد السلام، على سبيل المثال، التي ربما تنفرد بهذه الخاصية التي تضمن أمن وسلامة زوارها ومرتاديها من محبي الطبيعة. هذه الظاهرة التي ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة حسب تصريحات بعض عمال شركة البستنة الموكولة إليها العناية بنباتات جنان الحارثي الشهير تدعو إلى القلق بشأن تحوله من حديقة عمومية تستهوي الزوار إلى معقل للمجرمين والمنحرفين والمتشردين ينفرهم من زيارتها.
ولعل المثير للسخرية والاستغراب هو أنه ما أن تطأ قدماك هذه الحديقة حتى تلفت انتباهك لوحة كبيرة كتب عليها باللغة الفرنسية “Jardin Éducatif El Harti” أي “الحديقة التربوية الحارثي”. فأين جنان الحارثي اليوم من الهدف النبيل والمثالي الذي تسوق له تلك اللوحة الإشهارية خصوصا وأنها تظهر صورة لطفل منهمك في القراءة وعلى محياه ابتسامة عريضة و بريئة في الوقت الذي أصبح فيه الجنان التاريخي مجرد مرتع للصوص و الصعاليك و المكبوتين جنسيا والمتشردين وما يحدثونه من مشاكل وفوضى لم تسلم منها حتى بعض البقع المخصصة للنباتات التي أصبحت عبارة عن مطارح للقمامة ؟ أو ليس من المفروض أن يستأجر المجلس الجماعي حراسا لضمان الأمن داخل هذه الحديقة وأن تقوم الشرطة بدوريات منتظمة لمداهمة منحلي الخلق والجانحين الشباب وردعهم علما أن مخفر الشرطة لا يبعد عن جنان الحارثي إلا أمتارا معدودة ؟
Source : https://dinpresse.net/?p=21030